عندما سألني صحفي قبطي، ولأني فلسطينياً، عن سر الاهتمام الشديد، والدعم غير المحدود التي تقدمه مصر رئيسا وحكومة للشعب الفلسطيني ولقضيته، وصبرها الطويل على اساءات البعض من قياداته، مقابل اللامبالاة التي يتعامل معها الرئيس المصري وحكومته مع قضايا اضطهاد الأقباط أجبته باسما: ألم يقل المرشد العام للاخوان المسلمون السيد محمد مهدي عاكف ان المسلم الماليزي أفضل وأقرب الينا من المسيحي المصري، فكيف الحال اذاَ عندما يكون هذا المسلم فلسطينيا؟
هنا يجتمع الدين مع القومية مع التجاور الجغرافي ليصب كل ذلك في مسببات تقديم دعم غير محدود للفلسطينيين، ومن الواضح جدا ان الشعب المصري بأغلبيته الواقعة تحت خط الفقر يحتاج نزرا يسيرا من هذا الدعم والاهتمام
شخصيا أختلف مع النظام المصري في كل شيء تقريبا، فسجل مصر في مجال حقوق الانسان هو سجل أسود، فيه كم هائل جدا من التجاوزات والانتهاكات الفردية والجماعية، فمن التضييق على حرية التعبير من خلال القضايا العديدة التي يرفعها محامون محسوبون على الحزب الوطني الحاكم أمام المحاكم وبشكل يومي تقريبا ضد أصحاب الأقلام الحرة، كما حصل مع السيد ابراهيم عيسى رئيس تحرير صحيفة "الدستور"، والملاحقة القضائية المستمرة حتى اللحظة ضد عالم الاجتماع والمفكر المصري الدكتور سعد الدين ابراهيم، واختفاء الصحفي علي هلال، وهناك مئات الأمثلة ليس مجال ذكرها الان وهي معروفة للجميع
في مصر أيضا يُضطهد الاقباط وهم السكان الأصليون أيَما اضطهاد، وتغيب كل حقوقهم باستثناء حق واحد فقط وهو حرية العقيدة باتجاه واحد فقط، أي من حق القبطي المسيحي أن يبدَل دينه ويصبح مسلما، أما اذا فكر بالعودة لدينه فدون ذلك المستحيل بعينه
، وفي مصر وبرعاية تامة من النظام وأجهزة أمنه تُستباح الكنائس ودور عبادة الاقباط، وتُختطف فتيات الأقباط ويُجبرن على التأسلم، ويتم بعد ذلك اغتصابهن، وفي مصر تسحب حضانة الاطفال من الأم لتُعطى للاب في حال بدل دينه الى الاسلام، وتسحب من الأب لتُعطى للأم في اذا اسلمت، وفي مصر لا يستطيع الأقباط بناء كنائس جديدة، أو ترميم القديم منها، إلا بقرار كان حكرا على رأس الدولة، وأصبح الأن حكرا على السادة المحافظين، ورغم كل هذه الحوادث وغيرها الكثير التي بلغت حد القتل الجماعي للاقباط كما في مجزرة "الكشح" التي مرت ذكراها الأليمة قبل أيام إلا ان النظام المصري ما زال يتعامل مع القضية القبطية كملف أمني رغم بعدها القانوني والدستوري في ظل تديَن الدولة وغياب الحرياتفي مصر أيضا يُقتل المصري تعذيبا في السجون، ويُنتهك عرضه، ويُحرق هو ووسيلة عيشه من قبل ضابط شرطة، وقلما يُحاسب أحدا ممن يرتكب تلك الفضائع، وفي مصر ينتشر الفساد الاداري والافساد الديني، ويعيش ملايين في المقابر، وينام ملايين غيرهم جوعى، ومع هذا كله فان مصر مبارك ماضية باتجاه توريث السلطة للسيد جمال مبارك، في ظل توافق ضمني بين النظام وحركة الاخوان المسلمون المحظورة "نظريا" والمتواجدة في 20% من مقاعد مجلس الشعب عمليا
مع كل هذا الذي ذكرته أعلاه، ومهما كان نوع النظام الذي تربع على عرش السلطة فيها، ملكيا دستوريا كما حال مصر مع آخر ملوكها، أو صبيانيا ثوريا كجمال عبد الناصر وزملاءه، أو عقلانيا براجماتيا كالعهد الساداتي، أو أبوياً توريثياً كما هو النظام المباركي الحالي، فان مصر وللحق والحقيقة، قد أخذت كثيرا من أفواه شعبها لتقدم لشعب فلسطين،وقدمت وعلى الدوام دما مصريا غاليا جدا على مذبح فلسطين وشعبها، وحروب مصر في 1956 و1967 و1973 و ماخسرته مصر من دماء وأموال ماكان لها أن تخوضها لولا فلسطين وشعبها
صحيح ان المتاجرة بفلسطين كانت وسيلة للنظام الثوري الناصري للسيطرة على الشعب المصري، تماما كما فعل كل الثوريين الانقلابيين، فقضية فلسطين وشعبها ما زالا حتى اللحظة، راية مغرية لأي انقلابي وثورجي يريد بها السيطرة على شعبه وتوجيهه بالاتجاه الفلسطيني فقط، حتى لا تتجه بوصلة الشعوب باتجاه الفقر والامية والتخلف والفساد والافساد الخ من القضايا التي تهم كل شعب أكثر بكثير مما تهمه وتعنيه فلسطين. مع هذا فاننا لا بد ان نقول ان الدماء التي سالت في تلك الحروب هي دماء زكية، ودائما كان نصيب ابناء مصر هو الأكبر بمسلميهم ومسيحييهم وباقي مكونات نسيجهم المجتمعي الجميل
من هنا كان واجبا علينا أن نقف الأن الى جانب مصر، وما تتعرض له من حملات مسعورة ظالمة من قبل محور الشر الايراني السوري، وأدواتهم التخريبية مثل "الحزب الالهي"، اللبناني شكلا والايراني جوهرا، ومعه حركة "حماس" الارهابية، ومعهم كثير من الأقلام المأجورة
نظام الملالي وآيات الله في ايران يريد من خلال نشر التخريب والدمار، كسب مزيد من الوقت من أجل استكمال برامجه النووية التي يرفضها العالم، والنظام السوري يريد بهذا الافلات من المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، ولا يترددان في استخدام حزب الله وحركة حماس، ولا يردعهما لا رادع انساني أو أخلاقي عن قتل الآلاف من الابرياء في لبنان وفلسطين والعراق أيضا في تلك المغامرات التي يفتعلوها، بعد أن يدخلوا الى جحورهم كالجرذان، أو يتحدثوا عن انتصار الهي من فنادق الخمس نجوم في دمشق
عملت مصر بكل جهودها لتتوقف الحرب على لبنان التي افتعلها حزب الله، والأن مصر لها الريادة في اتخاذ زمام المبادرة لوقف ما يحصل في غزة، وان كان هناك من عقبة فهي عند قادة حماس، الذين لم يبالوا يوما للدم الفلسطيني، وكان كل همهم ولازال هو اقامة امارتهم الطالبانية، وحكم أهل غزة بالحديد والنار
أما الأقلام التي حملت راية الهجوم على الموقف المصري، فجميعها اذا ما دققنا بها سنجد انها من التي أتت على ذكرها لوائح الكوبونات النفطية السيئة الصيت، وبالنسبة للمظاهرات الشعبية التي توجه اللوم لمصر، من خلال التظاهر أمام سفاراتها وقنصلياتها، فأغلبها موجهة من قبل أنظمة تلك البلدان، والباقي عاجزة عن فعل شيء غير التظاهر، ولا يعلمون حقيقة الوضع في غزة ونقمة شعبها على حماس ورجالها، فتجدهم يوجهون اللوم على مصر
اليوم نحن مع مصر، وموقفها العقلاني والانساني مما يحصل على حدودها الشرقية في قطاع غزة، وضد توريط مصر وشعبها في هذا الصراع الجنوني الذي يدفع ثمنه الابرياء، ويجني ثماره الارهابيون والقتلة من جماعة "حماس" و الحزب الالهي، ومن يساندهما ويحركهما في دمشق وطهران
التعليقات (0)