مصر صمدت ولكن
مصر التي غيرت وجه العالم العربي بثورة الخامس والعشرين من يناير أعقبتها بثورة تصحيحية للمسار الثوري في الثلاثين من يونيو بعد عامين تقريباً من ثورة الخامس والعشرين من يناير تواجه محاولات لإستساخ سيناريوهات الحالة الليبية والسورية , فكلتا الحالتين كان شعار تطبيق الشريعة أحد عوامل إستمرار الصراع السياسي وإستفحالة بين مختلف القوى بكلا البلدين , الموجة الثورية التصحيحية " 30يونيو" شابهها الكثير من التجاوزات والأخطاء جعلها تصنف على أنها موجه إنقلابية وليست تصحيحية , سقوط ضحايا أبرياء لم يحملوا السلاح وحدوث بعض التجاوزات دفع ببعض القوى السياسية الثورية والأ ثورية للإصطفاف بخندق واحد لتحريك عجلة الثورة وإطلاق موجة ثورية أشد من ثورتي يناير ويونيو فكانت حملة إنتفاضة الشباب المسلم باكورة ذلك الإصطفاف فقد سبق الحملة وعلى مدى شهور إعتصامات بعدد من الجامعات ومازالت الإعتصامات الجامعية مستمرة كنوع من الحراك الطلابي , حملة إنتفاضة الشباب المسلم ورفع المصاحف في المسيرات والمظاهرات يعيدنا كمجتمعات مغلوبة على أمرها إلى الوراء فأنصار علي وأنصار معاوية رفعوا المصاحف في صراعاتهم القديمة التي تدفع ودفعت ثمنها المجتمعات جيلاً بعد جيل , لسيدنا علي بن أبي طالب مقولة صادقة خاصة إذا علمنا أن أطراف الصراعات السياسية يستخدمون الدين كورقة رابحة في كثيرٍ من الأحيان فصدق المقولة العلوية لامراء فيه فسيدنا علي يقول " القرأن حمال أوجه " وهذا الذي نراه في الصراعات السياسية المستفحلة التي أٌقحم فيها الدين كورقة رابحة ومنجية لبعض الأطراف , كل طرف يستخدم القرأن والأيات لتبرير موقفه وتعزيز وجودة وصموده ويستخدم القرأن لإضفاء الشرعية على ما يقوم به والتاريخ القديم والحديث شاهد على صدق تلك المقولة العلوية وعلى غيرها من المقولات والأحداث ؟
التيارات الإسلامية السياسية بمختلف أدبياتها وأدلوجياتها مكون أصيل من مكونات المجتمعات ومصر ليست إستثناءً من ذلك فمحاولة وأد أي حراك أو حركة أو تيار إسلامي معتدل لم يسلك طريق العنف أو الفوضى عملية لا يقدم عليها عاقل فالمعتدل قد يتحول إلى العنف جراء تلك المحاولات التي لن تؤتي ثمارها مهما كلف الأمر وتبدأ عندئذ حلقة الكر والفر وحقلة لن ينتصر أحد ؟.
هناك قضية هامة وهي العاطفة فتطبيق الشريعة حق لكن الغالبية العظمى لا تعرف ماهية الشريعة ولا تعرف أدنى معايير ذلك التطبيق فليس من المعقول أن ينادي منادي بتطبيق الشريعة والواقع السياسي والإقتصادي والإجتماعي متردي وليس من المعقول البدء بتطبيق الحدود الشرعية ولم تتوفر أدنى مقومات الكفاف والعفاف ولنا في تاريخ عمر بن الخطاب مثال على ذلك فقد رفع حد السرقة بعام الجماعة والسبب عدم توفر الحد الأدنى من الكفاف , المنادي بضرورة تطبيق الشريعة لا يعلم أن الأمر يتوجب البدء بخطوات وليس النزول جملة واحدة , بعض المنادين يعلم حقيقة التدرج ويدرك أن من الواجب توفير الأرضية المناسبة التنموية والسياسية والأمنية والإجتماعية والفكرية لكن يطلق شعار تطبيق الشريعة والحشد الجماهيري من أجل ذلك الشعار مستغفلاً الجماهير لتحقيق مصالح فئوية فيغلف الباطل بغلاف حق وتلك هي إشكالية المسلمين عبر العصور الماضية والاحقة ؟؟
السلطة المصرية حذرت من تلك الموجة وذلك الحراك وشخصيات محسوبة على التيار السلفي حذرت أيضاً , السلطات المصرية كان تحذيرها منصباً على عدم تحويل الحراك إلى حراك تصادمي مع الدولة ومؤسساتها ومع فئات المجتمع , كان أولى قيام تلك الشخصيات الدعوية بتوضيح الكثير من الحقائق للجماهير المحتقنة والجماهير العاطفية حول مسائل متعددة لعل من أهمها تطبيق الشريعة شعار المرحلة الراهنة وحول ضرورة توفير الأرضية المناسبة للتطبيق تنموياً وفكرياً وسياسياً وإجتماعياً وضرورة فهم الشريعة فهماً كاملاً وعدم إختزالها في ممارسات أو طقوس معينة , لا نختلف حول أهمية الشريعة وأنها صائنة لكل شيء لكن الشريعة الكاملة ليست شريعة تيار أو شريعة سلطة أو حركة , بل هي شريعة ربانية أصول وقواعد وهنا يتوجب الفهم الكامل للشريعة قبل أن ينادي المنادي بتطبيقها فالشريعة كنظام لا تغني عن التنمية والتحديث والمراجعات الفكرية والفقهية والإصلاح والنمو السياسي والإقتصادي والإصلاح الإجتماعي وضرورة فصل الدين عن السلطة السياسية منعاً لإستغلال الدين وأدلجة المجتمعات والفصل هنا يكون عبر إستقلال الهيئة الدينية عن السلطة السياسية الرسمية وتحقيق مبدأ التعاون والمشاركة لا المغازلة والأدلجة فوظيفة الدولة التنظيم والإدارة فقط ؟
بمصر وبغيرها يطغى شعار الشريعة وضرورة تطبيقها والحشد من اجلها الهدف في الظاهر شريعة إسلامية لكن في الباطن تصفية حسابات سياسية لا أكثر , على السلطات المصرية العمل من أجل تنمية الحراك الثوري وعدم قمعه فلكل تيار الحق في التعبير وإختيار آلية التعبير شرط الا تؤثر على مصالح الأخرين , على السلطات المصرية تجنب سكب الزيت على النار فالشارع المصري محتقن وزيادة الإحتقان تعني موجة ثورية قادمة أشد من السابقة , السلطات المصرية تعمل على عدة جبهات لكن عليها عدم إغفال جبهة الحراك الثوري السلمي المناهض للسلطة الحالية فذلك الحراك لن يهدأ الإ بتحقيق المطالب التي تختلف عن مطالب القوى الممارسة للإرهاب , مطالب الحراك الثوري السلمي تتخلص في التعجيل بجملة إصلاحات و إلغاء حزمة قوانين تحد من الحريات والعمل من أجل المجتمع تنموياً وصحياً وتعليماً ونزع فتيل أزمات خلقتها ظروف معينة كثورة يونيو التصحيحية , الحوار أنجح الطرق وأقلها كلفه صمود مصر حقيقة لكنه معرض للإنهيار فالشارع المصري بدأ يصاب بالإحباط خاصة مع الحكم ببراءة مبارك وتصاعد العنف في سيناء وأجزاء من مصر الكرة بملعب السلطة المصرية وبملعب مختلف القوى السياسية فلعبة الكر والفر لاتحقق نتائج على الأرض سوى المزيد من الإحتقان والصراعات فمتى ينتهي ذلك الكر والفر لتتجنب مصر موجة ثورية أسبابها متوفرة ونتائجها ستكون صادمة وغير متوقعة ؟؟ .
التعليقات (0)