مصر تنهض من جديد
بعيدا عن الأجواء الانفعالية التي رافقت الأحداث الدراماتيكية لنهاية حكم الأحزاب الدينية في ارض مصر، فان ما حدث يؤكد عدم صلاحية بيئة هذه المنطقة لأي حكم حزبي ديني سياسي، إسلاميا كان أم مسيحيا، سنيا كان أم شيعيا، فقد أصبح جزء من التراث السياسي والاجتماعي القديم ولا يمكن مزاوجته مع معطيات العصر الحديث والياته وأعرافه، خاصة في المجتمعات السياسية والمدنية في بلدان يعتبر الغالب منها ذي تكوين متعدد الأعراق والأديان والمذاهب والقوميات بما لا يعطي أي فرصة لنجاح دولة الإمام ونظام الشريعة إلا بالاستبداد والدكتاتورية!؟
إن احد أهم عوامل فشل الإدارة السياسية لأي نظام ديني هو اعتماده للتشريع العقائدي الذي لم يتفق عليه لحد يومنا هذا، المذهبين الرئيسيين في الإسلام وهما السنة والشيعة وفي نظرتهما حتى لكثير من الثوابت العامة والتعامل مع مظاهر الحياة المعاصرة، هذا إلى جانب الاختلافات الحادة بين معظم الفقهاء والمراجع في المذاهب السنية الأربعة، وفي التقاطع الحاد بين كثير من المرجعيات الشيعية أيضا.
وخلال سنة واحدة من حكم الإخوان في مصر كشفت الفاشية والدكتاتورية عن أنيابها من خلال سلوك واضح لدى الحزب أو الرئيس في الهيمنة على كل مقاليد الحكم سياسيا واجتماعيا ومصادرة أي محاولة للآخر بتكثيف التواجد الاخواني في كل مفاصل الإدارة والمال والحكم، بما يتقاطع مع مبدأ المشاركة واصل الديمقراطية وهذا ما دفع الأهالي بثورة عارمة والخروج بملايين النساء والرجال، وبالتوافق مع إرادة الجيش والشرطة التي أخذت على عاتقها تنظيم وإدارة عملية الإنهاء والإزالة، ومن ثم الانتقال إلى إشغال الفراغ برموز مدنية لأول مرة في تاريخ الانقلابات العربية دونما بيانات وبلاغات وأناشيد حماسية، وبتوافق قل نظيره في عمليات التغيير، جمع تحت جناحيه معظم القوى الفاعلة سياسيا ودينيا واجتماعيا، مع ترحيب وارتياح واضحين من القوى الرئيسية إقليميا وعالميا، وخاصة المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية التي اعتبرت ما يحصل في مصر ليس انقلابا، مما أعطى إشارات واضحة بارتياح الإدارة الأمريكية، خاصة وان الرأي العام الأمريكي والأوربي كان قد أصيب بالإحباط لنتائج الانتخابات التي أقلت جماعة الإخوان إلى دفة الحكم وما رافقها من عمليات تزوير كبيرة واستخدام خطير لوسيلة الدين وفتاويه مع الأغلبية البائسة والساذجة من الشعب، كما حصل في دورتين انتخابيتين هنا في العراق وعملية الاستخدام البشع للدين ورجاله للهيمنة على مفاصل الدولة وسلطاتها الثلاث.
إن ما فعله شعب مصر العريق اثبت إن الشارع المصري الأكبر في المنطقة العربية والإسلامية يرفض أي مساس في بنيته المدنية والحضارية والاجتماعية لحساب حركة دينية سياسية تعتمد الايدولوجيا المفرطة في إدارة البلاد وتوجيهها بل وزراعة عناصرها في كل مفاصل الدولة والمجتمع، كما فعل البعثيون في تجربتهم الفاشية والفاشلة في صناعة الدولة القومية بمواصفات عنصرية طائفية كما عهدها العراقيون والسوريون على حد سواء.
لقد أعطت ثورة شعب مصر العظيمة إشارة قوية لكل شعوب المنطقة في ضرورة الإسراع بتشريع قوانين تفصل الدين عن الدولة، بل وتحرم تأسيس أو تنظيم أي حركة أو جمعية أو حزب سياسي على خلفية إيديولوجية دينية أو مذهبية أو قومية عنصرية وخاصة في البلدان ذات المكونات العرقية والدينية والمذهبية المختلفة.
التعليقات (11)
1 - biorarsib@yahoo.com
بيوراسب كورش - 2013-08-01 07:00:39
صديقي العزيز : شكرا على هذه المقالة الرائعه ،في الحقيقةيبدو ان الجيش سينجح في قيادة مصر الى بر الأمان ، فلا تدخلات خارجية ولا داخلية ربما يتماشي ذلك معمايريده النسيج الاجتماعي المصري ..بعيدا عن الأصوليين العلمانيين واللاسلاميين .. - تحيتي لك
2 - النجف الاشرف - الكوفة
مكي السلطاني - 2013-08-01 08:19:47
مقالة ممتازة ورائعة ومعبرة فعلا عن ازمة تيار الاسلام السياسي بكل تلاوينة هذا التيار ومن خلال جزئياتة يحكم البلد وفق تصوراتة وتاويلاتة هو اعني الحزب الحاكم حتى انة يبتعد عن مكونة اوطائفتة وفي الغالب هذة التيارات هي تكوينات تابعة لاجندات خارجية وهوامش كثيرة اخرى تبعدها عن الهم الوطني اضافة الى تقديم الخدمات والبناء وهي في الصميم تعاني من ازمات فكرية وغير قادرة على ان تمسك بعصا السياسة والحكم والتوافق مع ما يحدث في العالم من تطورات شكرا للاخ كفاح ومقالتة اضافة جديدة في سجل الفكر التنويري المستقبلي
3 - هراء
mohamed@hotmail.fr - 2013-08-01 10:39:03
ما تدخل جيش في سياسة بلد الا افسدها وجعل أعزة أهلها أذلة،والسعي وراء المفاعلات النووية كإحراق بلد بدون نار ،وفصل الدين عن الدولة مثله مثل إحراق مفاعل نووي فوق رؤوس أهل البلد،وما كراهية عملاء الغرب لحكم الدينيين المتسيسين إلا خوف الغرب من عدوهم الإسلام , والذي لا محالة منتشر بمشيئة الله وقدرته ، رغم انوف الغربيين وأذنابهم،
4 - http://www.gamalek.com
كيف تعتنى بأسنانك في رمضان - 2013-08-01 11:29:16
اعتقد ان الاخوان المسلمين نجحو فى تشوية صورة الاسلام فى عيون معظم الناس و لكنى متأكد ان الاسلام قادر ان يقود الامة اذا احسن استخدامة وعن طريق اخرين لا يتاجرون بة
5 - مصر نامت سنة لتنهض لسنوات....
احمد لفته على الجاف - 2013-08-01 12:45:42
تتعرقل عجلة التقدم الانسانى والاقتصادى والاجتماعى والساسى لدى شعوب العربية والاسلامية لتسلط حكام يورثون صكوكهم فى الحكم من قبل الله والله الخالق منهم براء تارة باسم الاخوان واخرى باسم الله ولا احد يعلم كيف حصل التفويض من قبل الرحمن.....وهؤلاء الحكام لا ينزاحون الا بثورة عارمة من قبل شعوبهم وقد خرجت مصر لتعلن رفضها لحكام الجور والتسلط والطغيان ..بعد تقديم قرابين من الدماء البشرية وهكذا تتاخر التقدم والنهوض والتنمية فى كل الميادين الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية والاستثمارية والى لم يكن مبررا لو كان الحكام وحاشيتهم تخلو قليلا عن انانيتهم وجشعهم وتسلطهم غير المبرر....وهكذا انتفضت مصر لتخلع مرسى وجماعته من ساحة مصر ولم يكن الاطاحة مجانيا بل بثمن تضحيات شعبها التى رفضت القنوع والخنوع لحكم السكة الواحدة القديمة وهكذا تاخرت مصر سنة واحدة لتتقدم سنوات الى الامام فى كل الميادين المفيدوة لشعب وشباب مصر واجيالها اللاحقة وعلمت مصر الطغاة بان اعمارهم قصيرة وحكم الشعب هو الحكم الاصيل وهو الحكم الذى يستند الى قانون الثورة والتغيير نحو الاجمل والاجود والافضل.....
6 - فتش عن المرأة
مصري - 2013-08-01 13:28:43
الرئيس حسني مبارك الذي أخذ يتكلم عن حقوق المرأة المصرية وأنشأ المجلس القومي للمرأة غار في داهية والرئيس محمد مرسي الذي أخذ يتكلم هو الأخر عن حقوق المرأة المصرية وإجتمع مع المجلس القومي للمرأة وأطلق مبادرة حقوق وحريات المرأة المصرية غار في داهية برضه هو ده جزاء كل رئيس قذر يناصر المرأة المصرية وصدق رسول الله (ص) عندما قال \"لا أفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة\"
7 - دهوك عقرة
فاروق عقراوي - 2013-08-01 16:58:47
اي دوله عربية اذا تغير حكمها بدون قتل ونهب وسلب يتدخل فيها القاعدة ويقولون نحن حزب اسلامي وبنظري لن تنجح هذه الحكومات الاسلامية لان الخارطة التي وضعها امريكا وحلفائها مستحيل ان تقبل يحكمها الاسلاميون او جماعات ارهابية لذلك من المستحسن ان يتفهم الشعب المصري بعدم الدخول الئ الطائفية او غيرها عليهم ان يحكم بلدهم بعقلانية وذلك لعدم جر البلد الئ الويلات والأهات لان ورائها ندم مع شكري وتقديري
8 - سوريا
عمر حاكم - 2013-08-01 20:37:32
لن تحكم الشعوب مالم تتصالح مع ذاتها ، الديمقراطية هي ثقافة واعتقاد وممارس ذاتية ، قبل أن تكون صفة الجميع يدعيها ، والشعوب العربية وما يحيط بها بشكل عام لم تخرج من عباءات الأفكار الدينية والقومية التي لم تجلب لشعوبها إلا الخراب والتخلف عن الركب الإنساني والدور الحضاري ،ووجهة نظرك هي رؤية من تجربة راقية حديثة العهد ، برأي الشخصي لن تخرج مصر من دائرة خطرها مالم تجتمع وتصفى النفوس قبل العقول تجاه مصر بذاتها
9 - www.shafaaq.com
جواد كاظم علي - 2013-08-03 07:46:43
برأيي ماجاء في المقال هو عين الصواب ولكني اود ان اشير الى نقطة اخرى بتصوري الثورات الجماهيرية في تونس وليبيا و مصر ومارافقتها من تطورات في دول اخرى و افساح المجال امام القوى والاحزاب الاسلامية للوصول الى السلطةكانت محاولة لتسقيط تلك القوى سياسيا و جماهيريا، لان الغرب و على راسها الولايات المتحدة عندما كان لها موقف المتفرج ازاء وصول التيارات الاسلامية الى دفة الحكم كان يعلم جيدا ان تلك القوى ليس بامكانها ادارة الامور بشكل ينسجم مع التطور الحاصل في المجتمعات وفي كل المجالات ولذلك حتى دعمت تلك القوى للوصول الى السلطة لانها كانت متيقنة انها ستفشل في ادارةتلك الدول وهذا ماحدث في مصر وتونس وبرأيي هذه المرحلة هي مرحلة تسقيط القوى والتيارات الاسلامية عمليا ومن قبل شعوب تلك الدول بعيدا عن التدخل الخارجي.
10 - شهادة لله تعالى
محمد هشام - 2013-08-04 21:00:34
على الرغم من أنني لست ممايسمى بالتيار الإسلامي وعلى الرغم من اختلافي مع محمد مرسي في بعض الأشياء إلا أنه في عهده (وهو مدة سنة واحدة) أنتجت مصر أول أيباد مصري وهو شيئ كان كالحلم وتم إحياء شركة النصر للسيارات والتخطيط لإنتاج أول سيارة مصرية من الألف إلى الياء وتم اتخاذ خطوات تنفيذية فعالة في ذلك إلى جانب عدد من الإنجازات الأخرى وقد ركز مرسي في كل مقولة له على أن هدفه الأساسي هو أن تنتج مصر غذائها ودوائها وسلاحها ويبدو أن ذلك لم يعجب بعض العملاء والخونة الذين يريدون المهانة لمصر أما عن أزمة الوقود التي شهدتها مصر فمرسي ليس هو المسئول عن ضبط الحدود ومنع التهريب ولكن ذلك مسئولية الجيش وطيلة هذه السنة وهي مدة قصيرة للغاية كان مرسي ضحية لحرب من بلطجية النظام السابق وقضاة تزوير الإنتخابات وفاسدي جهاز الشرطة مما حد من قدرته على التصرف وهذه شهادة لله تعالى
11 - نعم لمحمد مرسي ولا للإنقلاب
مواطن مصري - 2013-08-04 23:03:06
محمد مرسي لسة رئيس مصر رغم أنف الحاقدين وأعداء الدين