مواضيع اليوم

مصر تصنع مستقبلها

محفوظ ابوكيلة

2014-01-10 10:40:21

0

فى ظل الأحداث والتطورات الداخلية والإقليمية والعالمية المتسارعة بعد ثورتين قام بهما المصريين خلال ثلاث سنوات فإن  الصراع السياسى المحتدم الدائر الآن  والذى سيحدد مستقبل دولتهم ونظامهم السياسى والمدى الذى سيمكنهم فيه من تحقيق  الأمن ،العيش، الحرية، العدالة الإجتماعية ،الكرامة الإنسانية لكافة المواطنين. و سنحاول أن نقدم فى هذه الورقة تصور لطبيعة دولتنا ونظامنا السياسى المنشود، والمعايير الحديثة للكيان السياسى الكفؤ. ولكى نتمكن من بناء هذه الدولة القادرة على تبنى برنامج للتنمية الشاملة المستدامة وتنفيذة،  نطرح تصور لعناصر  ثقافة سياسية حديثة  تغير من نظرتنا للعالم والإقليم ، وكذا نظرتنا للإسلام السياسى وللإشتراكية والعدالة الإجتماعية.

أولا : طبيعة دولتنا ونظامنا السياسى المنشود :

 الحديث عن طبيعة ونظام الدولة المنشودة. ينبغى أن يبدأ من إلقاء نظرة سريعة على أحوال عالم اليوم، فقد أصبح وجود الإبتكاروالتكنولوجيا والمعرفة والمهارات وإنتشارهاعلى نطاق واسع في أى دولة من الدول النامية يأتى بالنتائج الإقتصادية نفسها التى حدثت فى الدول المتقدمة مما جعل الدول النامية حاليا تستطيع أن تنمو بسرعة عالية جدا بالمقارنة بالدول المتقدمة وأصبح الإبتكارأحد مكونات العملية الإقتصادية وهو، معرفة جديدة لا تهبط بشكل سحري من السماء. ويمكننا الأستفادة من العوامل العالمية المواتية ونلحق بالدول الصاعدة فى أمريكا اللاتينية ودول شرق وجنوب آسيا. لأن فرصة مصر كبيرة حيث أنها من الدول القليلة فى أفريقيا والشرق الأوسط التى تعتبر أمة منصهرة و مجتمع شاب متماسك، موارده البشرية ضخمة ولايعانى من أى مشاكل قبائلية أوطائفية أوعرقية، ويمتلك جهاز دولة قوى وهياكل ومؤسسات إقتصادية وإجتماعية متطورة. كما ان المناخ الثورى الذى نتج عن ثورتى 25 يناير و30يونيو يتيح  إمكانية بناء نظام سياسى يتضمن،المبادئ والآليات والأطر والكيانات التالية : الفصل والتوازن  بين سلطات الدوله الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية) وتفعيل الرقابة المتبادلة بينها، وفقا للأنماط والتقاليد الديموقراطية والقواعد الدستورية والقانونية - تحديث جهازالدولة بحيث يصبح  قادرعلى القيام بمهام الدولة الديموقراطية - مجتمع مدنى مكون من كيانات قادرة على القيام بدور وسط بين المواطنين والدولة، وتمكينها من القيام بدور جهاز الدولة المساعد - منظومات إعلامية شبكية حديثة تتمكن من إستيعاب ثورة الإتصلات ومنجزات العصر العلمية والتكنولوجية وتوظيفها فى تشكيل رأى عام واسع مستندا إلى المعلومات والمعارف – مشروع تنمية شاملة يستهدف ترقية نوعية حياة كافة المصريين مرتكزا على التوسع فى مفهوم السلع العامه التى تكفلها الدولة للمواطنين ( التعليم والبحث العلمى، الصحة، الإسكان، المواصلات، الثقافة ... ).

ثانيا : المعاييرالحديثة للكيان السياسى الكفؤ

 تنخرط كافه القوى الإجتماعيه والسياسيه فى خوض غمار العمل السياسى، وتشكلت خريطه سياسيه جديده  بظهور فاعلين جدد هم قوى الثوره والقوى الإجتماعية الإحتجاجية والمحافظة والقوى الحزبيه السياسيه بكافة أطيافها، كما أن عدد كبير من منظمات المجتمع المدنى إتجه إلى الساحة السياسية، ولا يمكن إنكار حق أى من هذه القوى أو العمل على التقليل من شأنها. ولكن يجب إدراك أن تنامى دورالقوى غير الحزبية  فى التأثيرعلى الحياه السياسيه، مع إفتقادها  للأفق السياسى على حساب دور الكيانات السياسيه الكبيره والكفؤه سيؤدى حتما إلى تجاهل وعدم إحترام أحكام القانون، وتدهور مؤسسات الدوله وإحداث قدر كبير من الفوضى والعشوائية لن تصبا بالتأكيد فى صالح بناء الدولة الحديثة. إذن كيف سنعالج هذه الإشكالية؟ خاصة ان الأحزاب المتواجدة على الساحة غير قادرة على التعبيرعن كافة أطياف المجتمع وملئ هذا الفراغ السياسى. كما ينبغى أن ندرك أن الكيانات السياسيه الفاعلة فى عالم اليوم، قد تخلت عن النموذج الحزبى التقليدى القائم على التنظيم المركزى الهرمى والمعايير البيروقراطية للأحزاب السياسيه التقليديه. ولذلك فأنه ينبغى على الكيانات السياسية أن تأخذ شكلا جديدا يراع فيه :

* التخلص من الشكل الهرمى الجامد والإتجاه إلى التنظيم الشبكى المرن.

* الإعتماد على الوسائل الألكترونية فى الإتصال والتثقيف والتدريب عن بعد بالأعضاء والكوادر- إستخدام الصحف والوسائط الألكترونيه والشبكات التليفزيونية فى التواصل مع المواطنين والأنصار والمؤيدين.

* الإعتماد على مراكز البحوث والدراسات، منظمات المجتمع المدنى، مستودعات الفكر، مراكز تنظيم الإستبيانات وإستطلاعات الرأى، الاستعانة بالمراكزالمتخصصة فى تنفيذ عمليات التدريب  والدراسات  والبحوث و الفاعليات. ويمكن للكيان الحزبى أن يتخذ شكل إئتلاف أو حلف أو جبهه أو إتحاد أوإندماج أوتجمع ...

ثالثا الثقافة السياسية الحديثة :  لكى نستطيع أن نتفاعل مع التغيرات الجذرية التى تنتاب العالم.  ينبغى أن نعمل على تبنى عدد من التوجهات الثقافية السياسية الحديثة يمكن إجمالها فى : 

*  نظرتنا للعالم : يجمع المؤرخين والمفكرين على أن عصر النهضة الإيطالية هوالمرحلة الإنتقالية بين عصرين :عصر إنهيار النظام الإقطاعى القائم على الزراعة ونشوء النظام الرأسمالى القائم على الصناعة والمعرفة، وقد ساهم فى  إحداث هذه النهضة ( بالإضافة إلى بعض شعوب اوروبا ) مشاركات متزامنة  من شعوب عديدة مثل شعوب شرق آسيا التى أذدهر عندهم إنتاج البهارات والأقمشة والخزف والصينى والبورسلين، وشعب جاوا يجنوب آسيا والقواسم والحضارمة بالجزيرة العربية الذين تفوقوا فى بناء السفن والمعدات البحرية وفنون الملاحة وتأمينها، إضافة إلى شعوب مصر والشام وغرب آسيا، حيث تمكنت دولة المماليك المصرية والدولة العثمانية الصاعدتين من تأمين طريقى الحرير البرى والبحرى  حتى وصولهما الى دول المدن الأوروبية بشكل منتظم وآمن منخفض التكاليف، وقد قامت هذه الطرق بالإضافة لنقل التجارة بنقل الثقافة وعلى راسها الكنوزالفكرية اليونانية وترجماتها، إضافة إلى المساهمات المستقلة للشعوب الآسيوية، كما سبق أن قامت الحملات الصليبية بدورالجسرالثفافى بين شعوب القارتين، وقد أدت سيطرة العثمانيين على بيزنطه فى القرن الخامس عشرإلى نزوح جماعى لأهلها الى المدن الإيطالية محملين بالكنوز الفكرية والفنية اليونانية، كما أدى إستيلاء الملك فرناندو على أسبانيا فى نفس القرن وطرد اليهود منها إلى لجوئهم للمدن الإيطالية محملين بالذهب والمهارات. كل هذه الوقائع والأحداث المتزامنة والمتلاحقة تفاعلت مع الواقع الإيطالى وأنتجت النهضة.

وعندما إنتقلت النهضة إلى شمال أوروبا وأنطلقت مع الكشوف الجغرافية و الثورة الصناعية، ساهم فى نموها وإزدهارها على مدى قرون كميات الذهب الهائلة التى نزحت من أمريكا اللاتينية، والمعدلات العالية من النمووالتطورالتكنولوجى الذى أتاحهما إستيطان الرجل الأبيض للأراضى الجديدة بأمريكا الشمالية بعد إبادة 80 مليون من سكانها الأصليين والقيام بالإستثمار واسع النطاق بهذه الأراضى إرتكازا على عمل السخرة للعبيد المجلوبين من أفريقيا. كما ساهم فى هذا الأذدهار وأستدامتة الحصول على مدخلات الصناعة من مواد اولية وطاقة من المستعمرات والدول المتخلفة بأبخس الأسعاروبيع السلع المصنعة فى أسواقها بأعلى الأسعار.

 بالتالى فإن كل هذه الشعوب قد ساهمت سواء فى النهضه الإيطالية أو فى الثورة الصناعية ولايمكن نسبتهما إلى الشعوب الأوروبية وحدها، بل أن ثمارها هى ملك للبشرية كلها. لذلك فإنه علينا أن ننهل من هذه الحضارة التى شارك فى بنائها شعبنا بشكل أو بآخر، ولانلقى بالا للتهم التى يمكن أن توجه من هنا أوهناك بالكفرأوالفرنجة والتغريب.

*   نظرتنا للعلاقات الإقليمية : إجتاحت القومية العربية منطقتنا بعد الحرب العالمية الثانية واكتسبت يقيادة جمال عند الناصر بعد تحرريا فى مواجهة الإستعمار وبعدا أشتراكيا فى مواجهة الرأسمالية المحلية والعالمية والرجعية الإقليمية الموالية لها، لكن حجم الخسائر والدمار التى منيت به شعوب الدول القومية فى العالم ومنطقتنا قد أدى بها إلى التخلى عن الإتجاهات القومية.

 إن المتتبع لتطورأشكال ونظم البنية السياسية المحلية والإقليمية والعالمية، سيتضح له أن البشرية على جميع المستويات آخذه فى تبنى قيم ثقافية حديثة فعلى المستوى الإنسانى أخذت تنتشر الثقافة التى تعلى من قيمة المواطنة التى تساوى بين الجميع بصرف النظرعن الجنس والعرق والعقيده، كما مكنت ثورة الألكترونات والإتصالات وإنتشارالمعلومات والمعارف والنظم السياسية الحديثة المواطنين من المشاركة فى إتخاذ القرار السياسى والإقتصادى والقدرة على محاسبة القادة والحكام، وقد أصبح من المستحيل أن تتعايش هذه الثقافات مع الدولة القومية الشمولية .  وعلى المستوى الإقليمى فإن التكتلات الإقتصادية والمجالس والإتحادات الإقليمية مثل الإتحاد الأوروبى، مجلس التعاون الخليجى، الأسيان، قد حلت محل الإمبراطوريات والدول الموحدة قصريا ككيانات سياسية إقليمية, قادرة على تحقيق مصالح الشعوب بطريقة أكثر جدوى بلا حروب ولانزاعات. وعلى المستوى العالمى قد إنتشرت الإتفاقيات التى تنظم كافة التعاملات الدولية وتنامى دور ومهام المنظمات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية، منظمة الجمارك العالمية، إتحاد البنوك العالمى، مجموعة دول العشرين، كافة منظمات ووكالات الأمم المتحدة، الإتحادات الرياضية العالمية التى تنظم شؤن جميع الألعاب والمسابقات الرياضية على جميع المستويات العالمية والإقليمية والمحلية. وقد إدى التوسع فى عقد هذه الإتفاقيات وتنامى دور المنطمات الدولية الى تعاظم فى دور المجتمع الدولى وتآكل فى سلطات الدولة، مما يساهم فى إنتشار المعايير الدولية فى كافة مناحى الحياة بما فيها معايير المواطنة وحقوق الإنسان. وقد أصبح من المستحيل أن تتعايش الدولة القومية الشمولية مع هذه الثقافات الحديثة، حيث أن الأيدولوجيات والحركات والدول القومية قد نشأت فى ظل ظروف محلية إقليمية وعالمية قد تغيرت وتبدلت.

*  نظرتنا للإسلام السياسى : لم تعانى البشرية من ويلات الحروب واستخدام العنف قدر معاناتها من الحروب الدينية فقد كانت ومازالت من أكثرها  دموية. ولذلك علينا أن نستوعب تجارب البشرية ونتعامل مع خلط الدين بالسياسة بمنتهى الحزم والحرص. وأن نحول الصراع ديني إلى صراع سياسى لكى نجنب المجتمع ويلات العنف.

*  نظرتنا للإشتراكية والعدالة الإجتماعية : لقد انتهى الصراع الدموى  الذى إستمر على مدى قرنين من الزمان بين الحركات والدول الإشتراكية من جانب والنظام الرأسمالى من جانب آخر، فى نهايات القرن العشرين نهاية سعيدة للبشرية فيما يمكن أن نسميه ( الحل الوسط التاريخى )، حيث تخلت الدول الإشتراكية عن ملكية وسائل الإنتاج ونهج التخطيط المركزى الشامل الآمرفى إدارة إقتصادياتها وتحولـت إلى نظام السوق المفتوح. وقد تمكنت الأحزاب الإشتراكية والإجتماعية الديموقراطية  من تولى الحكم فى كثير من الدول الرأسمالية المتقدمة و تمكنت  من تحقيق أهداف الإشتراكية فى مجتمعاتها عن طريق تطويع آليات السوق. وقد نتج عن هذه التطورات تشكل نظام عالمى جديد شبكى متقارب متشارك متعدد الأطراف. أتاح للعديد من الدول النامية الإلتحاق بنادى الدول الصناعية المتقدمة .

إ                                                                                                                                                                                                                                                                                              




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !