الإدارة العامة لمباحث أمن الدولة قد تلقت تعليمات "عليا" بالبحث والتحري حول عدد من القيادات العسكرية – بالتعاون مع جهه سيادية – مرشحين لتولي مناصب قيادية – محافظين ورؤساء مدن ورؤساء أحياء – خلال الأيام القادمة وذلك تنفيذا للبرنامج الأمني المتفق عليه والذي تم مناقشته أول العام الجاري من قبل لجنة مكونة من "جمال مبارك أمين لجنة السياسات وأحمد عز أمين التنظيم و اللواء فاروق طه رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشعب واللواء حبيب العادلي وزير الداخلية"، والذي يرمي إلى تمكين عدد من القيادات العسكرية – تم تحديد أسمائهم - من أغلب المناصب القيادية خلال الفترة المقبلة بدء من أول العام القادم وذلك للسيطرة على الدولة خلال المعارك الإنتخابية القادمة (شعب وشورى ومحليات ورئاسة ونقابات) ومواجهة أي أعمال شغب متوقعة أو ثورات أو عصيان مدني محتمل خلال هذه المعارك الإنتخابية وخاصة مرحلة انتقال السلطة من الرئيس مبارك إلى نجله أو غيره.
أشار مصادر إلى أن إدارة البحوث بوزارة الداخلية قد أعدت حصراً بناء على تعليمات من اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية حول شاغري المناصب القيادية في الدولة، جاء فيه ..أن 60% من المناصب القيادية "محافظ ورئيس مدينة ورئيس حي" في الدولة يتولاها عسكريين و25% من المناصب يتولاها أعضاء الحزب الوطني ورجال النظام من خارج سلك الحكم المحلي والإدارة المحلية – معدومي الخبرة الخدمية والتنظيمية -، 10% من المناصب يشغلها أصحاب الخبرة الذين تدرجوا في المناصب داخل دواووين المحافظات ومجالس المدن وبالتالي فهم أهل خبرة بالأمور التنظيمية والخدمية، و5% من أساتذة الجامعات من أصحاب الخبرة العلمية والرؤى التطويرية المبنية على أساس علمي، يتولون مناصب قيادية في الدولة، وجميعهم تم أختيارهم بناء على حسن سيرهم وسلوكهم، واجتيازهم تقرير أمن الدولة حول انتماءاتهم السياسية وتحركاتهم وتدرجاتهم الوظيفية وتنقلاتهم وغيرها من الجوانب التي يشملها تقرير البحث والتحري حول المرشحين لتولى المناصب القيادية.
(تاريخ سيطرة العسكريين)
وحسب ما جاء بدراسات عديدة لجهات مختلفة في مصر فإنه عقب قيام ثورة يوليو المباركة عام 1952 ،قرر مجلس قيادة الثورة أن يتولى أشخاص عسكريين – المشهود لهم بالكفاءة والذكاء والخبرة العسكرية – منصب محافظ بالنسبة للمحافظات الحدودية مثل سيناء – شمال وجنوب – مرسى مطروح وأسوان، وذلك لكي يقوم المحافظ بقيادة المحافظة في حالة إغارة أي قوة معادية من جهة الحدود التي تقع عليها محافظته وأن يتولى قيادة الشعب – أهالي المحافظة- كقوة شعبية لمحاربة الأعداء بالإضافة إلى القوات المسلحة مستفيدين من تجربة مدينة السويس الباسلة،وتجارب أخرى على مر التاريخ شهدتها محافظات الشرقية والدقهلية والإسكندرية حيث دارت على أرضها معارك شعبية شارك فيها المواطنون بقيادة قائد مصري وطني وانتصروا بفضل هذه القيادة.
(العهد الناصري)
ففي عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر "رحمه الله" تولى منصب المحافظ في محافظات الحدود – ماعدا الجزء المحتل- 18 قائد عسكري بارز وذات خبرة قتالية كبيرة منذ عام 1954 وحتى عام 1970 – 16 سنة -، وكانت الشروط الأساسية لتولي منصب المحافظ وقتها – بالنسبة للعسكريين – هي الخبرة القتالية وحسن السير والسلوك والشخصية القيادية القوية، وكان هؤلاء العسكريين لا يتولوا منصب محافظ إلا في المحافظات الحدودية فقط وكانت تمنح لهم جميع صلاحيات رئيس الجمهورية، أما بالنسبة للمحافظات الأخرى "وجه قبلي ووجه بحري" كان التركيز الأكبر على أساتذة الجامعات والخبراء والعلماء في تولي منصب المحافظ وذلك نظرا لخبرتهم ورؤيتهم التنموية والتطويرية وخاصة أساتذة التعمير والبناء والزراعة والصناعة والإقتصاد في الجامعات المصرية، حيث تولى خلال نفس الفترة – ال16 سنة – 77 أستاذ جامعي منصب محافظ في محافظات مصر – ماعدا المحافظات الحدودية – في مقابل 18 محافظ عسكري.
(فترة السادات)
وفي عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات "رحمه الله" تولى منصب محافظ من العسكريين في الفترة من 1971 وحتى عام 1981 – عشر سنوات – 86 قيادة عسكرية، ولم يكن الأمر قاصراً على المحافظات الحدودية لتأمين الحدود، وإنما امتد لمحافظات الوجه البحري والقبلي، وتبدلت الشروط التي كانت ينبغي أن تتوافر في القيادة العسكرية لتولى منصب المحافظ وهي " الخبرة القتالية وحسن السير والسلوك والشخصية القيادية القوية" لتحل محلها شروط أخرى جديدة وهي " الولاء للنظام"، وبدلا من أن كان منصب المحافظ بالنسبة للقيادات العسكرية بمثابة مهمة عسكرية بحته في العهد السابق، أصبح منصب المحافظ مكافأة للموالين للنظام من العسكريين – بجميع تخصصاتهم – مما أشعل روح التنافس بين القيادات العسكرية في عهد الرئيس السادات لإظهار روح الولاء والإنتماء للحكومة للفوز بمنصب محافظ بعد بلوغ سن المعاش، وامتد الأمر للمدنيين حيث انصرف رجال العلم وأساتذة الجامعات عن المنصب وأصبح منصب المحافظ من حظ رجال النظام والموالين من الموظفين الكبار ورجال الحزب الوطني وأتباعهم وأنصارهم.
(عهد مبارك)
وفي عهد الرئيس محمد حسني مبارك، منذ أن تولى الحكم عام 1982 وحتى الأن – 27 سنه- تولى أكثر من 310 قيادة عسكرية منصب "محافظ" لفرض السيطرة على المحافظات عقب فرض قانون الطوارئ المعمول به من وقتها وحتى اليوم، وأمتد الأمر لأن أسند مناصب أخرى مثل "رئيس مدينة ورئيس حي" لقيادات عسكريين وصل عددهم إلى 1660 قائد عسكري وذلك لإحكام السيطرة على المدن والأحياء والمحافظات وفرض قانون الطوارئ على كل شبر وكل شارع في الجمهورية، وأصبحت الصفات الأساسية التي يجب أن تتوافر في القيادة العسكرية هي الولاء التام للنظام وللحزب الوطني، وتحولت المحافظات والمدن إلى مايشبة الوحدات العسكرية بسبب فكر قياداتها القاصر على تطوير الأرصفة وطلاء أعمدة الإنارة بدلا من تنظيف مياه الشرب والإهتمام بالصرف الصحي، مما ساهم بشكل كبير في حالة التأخر التي انتابت البلاد وحالة الفوضى التي دبت في كل مكان.
التعليقات (0)