مفروض فى أى حاكم أن يأتى إلى الحكم حاملا بين جناحيه حلما لوطنه شريطة أن يكون حلما قابلا للتحقيق وأن يغيب منه الوازع الشخصى فإن غاب أى من هذين الشرطين فإن الحلم يتحول إلى كابوس وهذا بالتحديد ما حدث فى مصر منذ ستين عاما حتى الآن / ولنبدأ من جمال عبد الناصر الذى كانت مشكلته ان أحلامه كانت أكبر من إمكاناته :كما أن الدافع الشخصى كان موجودا طيلة فترة حكمه ويكفى أن أشير هنا إلى كم الأغنيات التى سمح جمال عبد الناصر بإذاعتها وشجع عليها والتى لم يحدث مثلها عددا ولا معانى فى أية دولة فى العالم وعلى امتداد التاريخ والتى جعلت من شخصه إحدى الأساطير , وقد حاول عبد الناصر أن يقيم امبراطورية تُذكر باسمه فى التاريخ متجاهلا حدود إمكانات وطنه وطبيعة التحديات التى تواجهه / ثانيا بعد عبد الناصر جاء السادات الذى أراد توظيف الدين لخدمة حلمه فى الزعامة خاصة انه جاء بعد صاحب الكاريزما الزعامية والتى بقيت فى نفوس عامة الشعب المصرى رغم الهزيمة فأراد السادات أن يستغل الجفوة التى كانت بين عبد الناصر وبين الإسلاميين ليتخذ منهم ظهيرا وسندا لزعامة أساسها الدين فأطلق على نفسه لقب الزعيم المؤمن وبدا تمييز الناس على أساس التدين وهنا أذكر أن السادات فى إحدى خطبه قد هاجم الكاتب المعروف هيكل وقال عنه : إنه لا يصوم ولا يصلى ! بعد ذلك أطلق يد الإسلاميين فى الجامعات لتحرم حفلات الموسيقا أو المسرح ولتقيم المساجد على حدائق الجامعات , ولست بحاجة إلى ان أذكر لكم المصير الذى لقيه السادات : الشخص والحلم معا على يد الذين مكنهم من ناصية الأمور / . ثالثا يأتى مبارك الذى كان محدود الخيال يفتقد القدرة على الحلم , وقد كان مقعد الرئاسة بالنسبة له واقعا فوق كل الأحلام ولأن الرجل كان محدود الذكاء فلم يقرب منه أحدا من الذين يمكن أن يقولوا له غير ما يحب أن يسمع ومن هنا أستطيع أن أسمى عصره بعص ر التجمد فتحت قيادته تجمدت مصر سياسيا وثقافيا واقتصاديا كما تجمد الدور المصرى على كل المستويات إلا أن الذى تحرك حركة سريعة فى هذا العصر كان هو الفساد/ . رابعا بعد سقوط مبارك وقفز التيار الدينى على السلطة فى مصر اتضح أن هذا التيار لا زال يحمل حلمه القديم وهو حلم مستعد أن يحققه ولو مغتسلا بالدم : حلم استدعاء قوانين وأحكام وأنماط حياة مضى عليها خمسة عشر قرنا ليفرضها على مصر القرن الحادى والعشرين , وحين تحرك الشباب المصرى رافضا حكم القرون الوسطى مطالبا بالحرية والدولة الحديثة سقط حكم المرشد بسبب وقوف الجيش مع الشعب الذى ثار فى 30 يونيه طلبا للحرية / . خامسا جاء رئيس الجمهورية المؤقت والحكومة المؤقتة ولكنى على ثقة أن القرارات الاستراتيجية إنما هى فى يد قادة الجيش والخبراء الاستراتيجيين , وهنا لا أستطيع أن أتحدث عن حلم السيسى ولكنى واثق من أمرين -1- انه لا يريد تهميش الدين فى فكر وثقافة المجتمع المصرى -2- أنه ليس لديه حلم شخصى فى رئاسة مصر فهو يعلم أنه من موقعه يمكن أن يزيح الرئيس وأن الرئيس يصعب أن يزيحه كما حدث مع مرسى , ويبقى السؤال : مالذى يحلم به الفريق السيسى إذن ؟ اعتقد أنه يريد تسليم الحكم لرئيس يحفظ امتيازات الجيش بين مؤسسات الوطن وان يكون بعيدا عن تأثير تنظيم الإخوان الذى يرى بأنه تنظيم لا يؤمن بقداسة تراب الوطن الذى هو الدرس الأول والأخير فى دفتر كل ضابط وجندى من مؤسسات مصر العسكرية : فهل سيتحقق هذا الحلم ؟ هنا أقول إنه إذا كان لكل من رؤساء مصر شطحات فى أحلامهم او قصور فى حركة هذه الأحلام فإننى أرى أن مشكلة السيسى أنه لم يستغل الإمكانات الهائلة التى أتيحت له لتحقيق حلمه وحلم مصر الأمل مصر الحديثة الموحدة فكرا وضميرا وترابا , وأخشى أنه استمع لنصائح بعض الذين لا يثقون فى قدرات الشعب وأن حلم الحرية الشاملة له ليس بالحلم المستحيل . كل ما اتمناه ألا يعيش الشعب المصرى تحت وطأة كوابيس جديدة أيا كان حكامه وأيا كانت مساحة أحلامهم ومدى ما يتمتعون به من قدرة على تحقيقها
التعليقات (0)