مواضيع اليوم

مصر بين الفتح الإسلامي والغزو العربي

محمد شحاتة

2009-04-27 23:13:23

0

                       إنما هو فتح إسلامي مبين ...........لا بل هو غزو عربي مشين
                      إنما هو تصاهر وانصهار............. لا بل هو سلب حضارة في عز النهار
                      إنما هو انتماء وحب وولاء ...........لا بل هو خصام وكراهية وعداء
                      إنما هو ذوبان واحتواء............... لا بل هو استعمار الغرباء
هل مصر عربية الأساس؟

أم أنها قبطية الأصل ؟

أم أنها فرعونية الجذور ؟

وهل شعبها خليط متنافر تكون وتجنس من أجناس مخلتفة؟
أ                                                       أم انه نسيج متضافر من عناصر مؤتلفة؟
في شهر رمضان من العام 1991 وبالمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية حيث تختلف إلى الأماكن المقدسة أشتات من أجناس الأرض يتزاحم مئات الألوف سواء لأداء مناسك أو مشاعر أو صلوات ..

رأيتني لا أجد أدني مشقة في تمييز الوجه المصري ممن بين آلاف الوجوه ذات السحنة والألوان والصفات المتباينة والمتماثلة ..

أجدني أعرف وجه المصري ببساطة ويسر رغم الاعتقاد بأن تركيبة وتقاطيع وجه الإنسان المصري يمكنها أن تندمج وتذوب وسط ملامح سكان البلاد العربية المجاورة بل وبعض بلاد المتوسط الأوروبية..

ففي مصر الأبيض والأشقر مثلما فيها القمحي إلى الأسمر الآدمي... وفيها الأجعد الأفطس مثلما فيها الناعم الأملس ...

ومع ذلك ورغم هذه الفروقات في الملامح إلا أن شيئاً واحداً مشتركاً يسري في كل هؤلاء كمثل عمود فقري واحد لاتختلف خواصه طوال مئات الألوف من السنين خرجت بالشخصية المصرية ممن دائرة التشابه إلى نطاق التفرد وأخرجتها من شبهة الاختلاط إلى عصمة التآلف المتجانس...
ورغم أننا لا نعلم طريقا حاسما يحدد الأصول الجنسية الأولى لسكان مصر إلا أن هناك حقيقتان كما أورد العلامة الدكتور جمال حمدان في كتابه شخصية مصر على لسان " شانتر" أولاهما " أن المصريين القدماء شعب أصيل في مصر ولم يفدوا إليها من مكان آخر .... ثانيتهما " أن احتمالات الاختلاط المؤثرة " قلت" مع ومنذ بداية عصر الأسرات التاريخية0 فالتاريخ الجنسي المصري طوال عمره ليس إلا عملية نمو وتجنيس داخلي وتطور تدريجي طبيعي خال من العقبات والهزات إلى درجة جعلته مضرب الأمثال "...
حيث يقول "كون" لابد أن تظل مصر القديمة أبرز مثال معروف في التاريخ حتى الآن لمنطقة معزولة طبيعياً أتيح فيها للأنواع الجنسية المحلية الأصلية أن تمضي في طريقها لعدة آلاف من السنين دون أن تتأثر إطلاقا باتصالات أجنبية..

وفي النتيجة _ يضيف كون- فإن " التغييرات التي لحقت النمط الجنسي في أي جزء من أوربا خلال السنوات الخمسمائة الأخيرة كانت أكبر منها في مصر خلال خمسة آلاف عام ..

وهذا الثبات مرجعه إلى انه بالرغم من موقع مصر المطروق والمنفتح كقلب دوامة بشرية إلا أن موضعها الغني محمي ومعزول بدرجة لعبت غلالة الصحراء حوله دور " ماصة الصدمات أو المصفى" الذي غربل الموجات الدخيلة وكسر حدتها ....

هذه الموجات انتفلت عبر ما قبل التاريخ من قلب آسيا إلى شمال إفريقيا اخترقته دون أن تمس جسم مصر تماماً أو تؤثر فيه بكثير أو قليل ...

فمصر لم تتعرض أساساً للهجرات البشرية ضخمة الحجم حيث تشمل الجنسين " الذكر والأنثي" وهذا يكون تأثيره في تغيير التركيبة الجنسية السكانية محققاً حيث تترسب في الريف ..

وانما تعرضت مصر فقط للغزوات الحربية تلك التي تتركز في المدن وهي بضعة محدودة من حركة " ذكورية" بحتة ولذا فإنها تذوب إن لم تباد ويقضى عليها ..

فمن بين 40 موجة دخيلة عدت في تاريخ مصر لا نجد إلا ثلاث هجرات حقيقية هي الهكسوس والاسرائيليون والعرب..

ولكن الهجرتين الأوليين – يقول جمال حمدان- طردتا تماماً بعد حين ..وكان استقرارهما في الأساس محلياً ..حيث اقتصر انتشار الهكسوس على الدلتا بينما كانت أرض جاشان " وادي الطميلات" هي " حظيرة اليهود" الأولى في التاريخ بل انها باعتبارها ممراً لهم أكثر من مقر كانت حارة اليهود أكثر منها جيتو كبيراً..

أما الهجرة العربية ( مربط الفرس) فمن المسلم لأنها بدأت بأعداد محدودة " كغزوة ذكورية" بدأت على أطراف الصحراء وحواف المدن "كشرق الدلتا" وكشبه معسكرات في المدن " ولكنها سرعان ما تحولت إلى هجرة واسعة النطاق مختلطة النوع واستقرت في بطن الحوف أي داخل الأراضي الزراعية والريف وانتثرت في المدن ..

ولهذا كتب للتعريب أن يكون تحولاً خالداً ..

وليس من الممكن أن نقدر العدد المطلق أو النسبي للعنصر العربي الوافد عبر قرون حيث يقول " شانتر " يمكن القول بأن العرب هم الذين اختلطوا بالمصريين أكثر من المصريين بالعرب " وهو قول صحيح لأن العنصر العربي من أصل قاعدي واحد مشترك مع العنصر المصري .. فكلاهما أقارب جنسياً منذ ما قبل الإسلام بل وما قبل التاريخ ..

فالاختلاط الجنسي المصري – العربي كان في الحقيقة زواجاً بين أقارب بعيدين ولهذا قيل إنه(( إذا كان العرب قد عربوا مصر ثقافياً فإن مصر قد مصرتهم جنسياً))

وأيا كان من أثر جنسي كبير للعرب فإنه لم يغير من التجانس الأصلي للسكان في مصر..
ولعل من المفيد بعد هذا أن نذكر اختلاف السرعة بين الفتح والتحول إلى الإسلام والتعريب .. فإذا كان الفتح قد تم في ضربة واحدة فد تطلب التحول الديني نحواً من قرنين إلى ثلاثة أو أربعة 0 والمقدر انه اكتمل على عصر المماليك.. أما اللغة فكانت أثقل خطوة وتأخرت عنه..

هذا وكما في بقية المشرق العربي وبعكس ما نجد المغرب العربي سيلاحظ –يستطرد العبقري جمال حمدان- أن عملية التعريب في مصر جاءت أقوى من صبغها بالإسلام .. فينما نجد الإسلام كاملاً في المغرب والأقلية لغوية " البربر" نجد العربية كاملة تماماً في مصر بينما الأقلية دينية " الأقباط" 0وبهذا يمكن أن نلخص الموقف كله في مصر في أنه كن عملية تغيير لسان أولاً .. وقلب ثانياً ثم كان عملية تغيير جلد في المرتبة الثالثة ..بينما لم يكن تغيير دم إلا في المرتبة الرابعة..
والواقع أننا ينبغي أن ننظر إلى الموجة العربية كشيء نادر خارق بطريقة ما.. فمصر الفرعونية التي سيطرت على مناطق كثيرة من الشرق ألأوسط وصدرت حضارتها المادية إليها لم تستطع أن تمد لغتها خارج حدودها .. في حين أن العرب الذين جاءت سيطرتهم
الحربية فجأة .. ولم يكن لهم حضارة مادية خارج الدين واللغة ..استطاعوا أن يفرضوا لغتهم حيثما ذهبوا ..

فإذ كانت العرب قد عربت مصر لغويا ودينيا فقد مصرتهم مصر حضاريا وماديا ..

وقد ظلت اللغة العربية شيئاً واحداً بين كل العرب بفضل قوة جاذبة مركزية ..بفضل "جيرسكوب" لغوي خالد هو القرآن..
وليس صحيحاً مطلقاً أن الموجة العربية الاسلامية- يتابع جمال حمدان- قد أزاحت الأساس " القبطي" إلى جيب الجنوب المغلق في الصعيد فلانتشار العربي كان بمثابة عملية تغلغل لا زحزحة .. فعلم الأجناس أكد أن الأقباط والفلاحين يكدون يكونون شيئاً واحدأ ..

وفي هذا رد ضمني وتوضيحي على النظرية الشائعة من أن الأقباط أقرب إلى تمثيل المصريين القدماء من المسلمين .. ولا شك أن هذا صحيح - وانما بالنسبة إلى جزء من المسلمين وليس كلهم..

فليس كل المسلمين بالضرورة قد داخلتهم دماء عربية.. فهؤلاء إذن لا يقلون قرباً من المصريين القدماء عن الأقباط.. ولكن لما كان ألأقباط والفلاحون يكادون يكونون شيئا واحداً ..فإن هذا يؤكد مرة أخرى شدة تقارب العنصر العربي أصلاً مع العنصر المصري القاعدي وإذا كان قد لوحظ أن الأقباط أفتح لوناً بصفة عامة0 فمن المعروف كذلك أن هذا فارق بيئي مهني بالتحديد .. حيث لا يرتبط الأقباط بالزراعة والعمل في الخلاء وبالتالي لا يتعرضون للشمس كالفلاح ..

فمصر فرعونية الجذور ..قبطية الأصل .. عربية الهوى واللغة والانتماء...

" المصدر"  موسوعة شخصية مصر ..دراسة في عبقرية المكان.. " الدكتور جمال حمدان"





التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !