منذ بضعة أيام وضعت علم مصر الملكية على واجهة مدونتى , كما طرزت به صفحتى على الفيس بوك , إننى أشعر بحنين جارف لهذا العلم وللعصر الذى رفرف فيه فى آفاق مصر , وللحضارة والثقافة والعظمة التى انضوت تحته , . لقد بدأت الكتابة عن هذا الأمر وأنا تحت تأثير حالة من الشجن والأسى ناتجين من هذه المقارنة بين مصر التى خفق هذا العلم فى سمائها وبين مصر الحاضر , بين الشعب فى هذا العصر من حيث رقى الفكر ,وسعة الثقافة وروعة الفنون وجمال الأبنية ,ونظافة الشوارع , وبين كل ذلك فى عصر مصر الحالى الآخذ بها فى طريق الظلام والتخلف والتعاسة . هناك أيام فى التاريخ وربما أفراد وضعتهم المصادفة فى أماكنهم يحولون مجرى الأحداث ويصنعون تاريخا جديدا , ومجتمعا جديدا وثقافة جديدة . ولقد شاء قدر أحمق الخطا أن يقوم فى مصر مجموعة من أبنائها بانقلاب عسكرى عام 52 , يأخذ مصر من الطريق الذى وضعت أقدامها عليه منذ الحملة الفرنسية , وثبتت عليه بفضل القائد الموهوب محمد على , وهو الطريق الذى وضعها فى موضع الريادة بالنسبة لأمتها ومجالها الجغرافى . وهنا لا أريد أن أكرر ما هو معروف من المجد العسكرى لمصر والذى رفع فيه الفلاح المصرى علمها جنوب خط الاستواء لأنه كان تحت قيادة عرفت كيف تستغل طاقاته , وتستخرج منه مخزونه الحضارى المجيد , ولكنى فقط أقول إن عسكر يوليو قد تاجروا بالوطنية وحصروها فى كراهية الآخر ووجوب العداء له لمجرد كونه الآخر, ليوظفوا ذلك لبناء زعامات وهمية و ليبعثوا فى الوجدان المصرى عاطفة الكبرياء القبلى الغير قائم على أسس ثابتة , خاصة بعد أن أدخلوا الدين فى المعادلة وجعلوه مصدرا للمفاضلة بين المواطنين , ومادة للتخدير والرضا بألوان القهر والفقر والهزائم التى حلت على أيدى الجنرالات المستبدين . إن رجلا مثلى مؤمن بالحرية , متيم بالفن , عاشق للجمال , محب لقيم التسامح والخير , مدرك بأن الحياة بدون ذلك لا تستحق أن تعاش , لا بد لهذا الرجل أن تقتله الكآبة وهو يرى ما آل إليه أمر وطنه بعد أن سقط من سمائه العلم الأخضر , هذا العلم الذى أنجبت مصر تحت ظلاله أمثال أمير الشعراء , وطه حسين , وتوفيق الحكيم , ونجيب محفوظ , ومالا يعصى من عمالقة الفكر والأدب , كما انجبت أمثال أم كلثوم وعبد الوهاب , والسنباطى , ونجيب الريحانى وما لا يحصى من قمم الفن والغناء , فى ظلال هذا العلم كانت مدن مصر تضارع مدن أوربا نظافة وتألقا وحضارة , وكان أهلها سعداء بحياتهم متسامحون فى أديانهم , . كانوا شعبا متحضرا بكل ما تعنيه الكلمة . , لا أريد أن أفيض فى الحديث عما آل إليه حال مصر الآن مصر الغير آمنة , مصر التى تبحث عن حل مشكلاتها بزواج البنت القاصر , وترى حضارتها فى نقاب النساء , كما ترى أن معركتها الكبرى إنما هى مع جسد المرأة , ومع كل الفن والإبداع , حتى الفن الذى ورثناه من آلاف السنين ممثلا فى الأهرامات وأبو الهول أصبح فى مصر الآن تيار قوى يرى فيها رجسا من عمل الشيطان يجب هدمه والخلاص من آثاره . أى حال حالك أيها الوطن ,؟ أي حزن حزنك ؟ أية محنة محنتك , أى طريق مظلم تسير فيه بعد أن سقط العلم الأخضر من سمائك المشرقة ؟ ! !
التعليقات (0)