هذه المقالة قراتها في صحيفة الجزيرة السعودية واعجبتني فاحببت مشاركتها مع قراء ايلاف الكرام وهي للكاتب الدكتور : عبد العزيز جار الله الجارالله
في لقطة عابرة لمحطات التلفزة العالمية توقف مَن كُلِّف بإزالة صورة الرئيس المصري السابق حسني مبارك من مقر رئاسة الوزراء، توقف للحظات أمام عدسات التلفزيون ليسمح للمصورين بالتقاط اللقطة الأخيرة للصورة الفوتوغرافية للرئيس مبارك وهي تزال من مقر الرئاسة، ثم حملها برفق إلى إحدى مستودعات رئاسة الوزراء.. هذه المشاهد أظهرت مدى ما تتمتع به الثورة المصرية من احترام وتحضر ولباقة وإرث حضاري تتكئ عليه مصر التاريخ والحضارة.. مشاهد كثيرة رأيناها بأم أعيننا كيف أزيلت بها صور الزعماء السابقين وما تعرضت له من إهانات وابتذال وحالات مشينة، ومصر (أزالت) رئيسها بثورة سلمية لجيل من الشباب يرى أن التغيير يتم عبر الحوار والتظاهر والاعتصام السلمي، وبالتالي تزيل صورته الفوتوغرافية بنفس الطريقة والأسلوب الذي اصطبغت به الثورة وهو الاحترام واللباقة.
قدمت مصر درساً حضارياً جديداً للشعوب العربية والشرق أوسطية وحتى في دول العالم الأول الصناعي والاقتصادي، حيث عمدت الصين لسحق المتظاهرين في الساحة العامة وانتهت بعض دول أوروبا الشرقية بمذابح، وفي مصر تظاهر الشباب واعتصم في ميدان التحرير فاضطر الرئيس للانصياع لإرادة الشعب والتنحي.. فمصر بنيت على إرث حضاري وتاريخي يعود لسبعة آلاف سنة، كانت شعوبها على ضفتي النيل تعلم العالم الأبجدية والكتابة والصناعة والعمارة وهندسة الطرق ووسائل الزراعة... فلم يكن الشعب المصري شعبا دمويا وجميع الحضارات والدول والدويلات التي عاشت على أرضه لم ترتبط بتاريخ دموي وإبادات في حروب أهلية كما هو في تاريخ شعوب أخرى عريقة في تاريخها. فطبيعة مصر الثقافية والعرقية وسجلها الانثربولوجي جعلنا متماسكين وغير قلقين على مصر بأن تفلت وتتحول إلى حرب بين عسكر أو حرب أهلية أو صراع بين الأحزاب؛ لأن الفئات المدنية والعدلية والأكاديمية والمهنية هي من يحفظ توازن التظاهرات والاحتجاجات، فدخول النخب على خط الاعتصام في ميدان التحرير من أساتذة الجامعات، ونقابات المهندسين والحقوقيين، والأزهريين ونقابات المحامين والأطباء، والإعلاميين، والنقابات العمالية، جعلنا مطمئنين على استقرار وثبات مصر، وهذا هو الفارق بين مصر والعديد من الشعوب العربية التي تغيب فيها النخب الفاعلة من البيروقراطيين والأكاديميين والمهنيين ومؤسسات المجتمع المدني التي تشكل البناء المتين أثناء الأزمات الخطيرة.
يتعلم الوطن العربي من مصر تلك الروح المصرية لرجل الشارع البسيط وللطالب والخريج الجامعي الذي اعتصم تحت الخيام في الميادين يوم 25 يناير، وفي يوم 11 فبراير نزل إلى الشارع ينظف و(يكنس) موجوداته وأشيائه من الخيام وبقايا ثورته.
التعليقات (0)