مواضيع اليوم

مصر الثورية. تركيا بدغدغاتها الإمبراطورية. والدماء السورية.

د.هايل نصر

2011-08-16 06:20:20

0

وقف ويقف العالم أمام الثورة المصرية باحترام وتقدير وإعجاب. أيدها كل أحراره منذ اليوم الأول لقيامها. ساندوها وتابعوا أخبارها لحظة بلحظة. فالحر اخو الحر مهما كان دينه وجنسيته وقوميته ولونه ومكان ولادته وإقامته. كان الألم يعتصر القلوب عند رؤية الشاشات الفضائيات وهو تنقل صور وأخبار ثورا يستشهدون, وجرحى ينزفون, وملاحقات رجال الأمن والبلطجية للشباب, ومحاولات تفريق تجمعاتهم في الميادين والساحات بالرصاص وبكل وسائل العنف, ونصب الكمائن في كل مكان وصولا إلى موقعة الجمل بكل ما حملته من حقد وبدائية ويأس واستهتار بأرواح الناس من أجل بقاء نظام فاسد شمولي مستهتر بشعبه وبقضايا الوطن.
في قضايا الحرية الإنسان أخو الإنسان. فالحرية صفة إنسانية لصيقة بالإنسان بطبيعته وجوهره. تلد معه. فهي قبل دينية وقبل قومية وقبل وطنية.
أحرار العالم, بمن فيهم أحرار الوطن العربي, وقفوا مع ثوار مصر. وفي الجانب الآخر وقف أعداء الحرية وأنصار العبودية وكل من استمرأها واعتادها وتنكر لطبيعته الإنسانية أو خرج منها. فانتصار الثورة بمبادئها انتصار ليس في مكان الثورة فقط, وإنما انتصار لقضية الحرية في كل مكان.
لم يكن انتصار الثورة الفرنسية, على سبيل المثال, انتصار لفرنسا وحدها, فمنذ اللحظة الأولى انتقلت إشعاعاتها إلى أوروبا كاملة, وبدأ تأثيرها في العالم اجمع, لأنها حملت أفكارا إنسانية جسدها إعلان حقوق الإنسان والمواطن, متضمنة مبادئ صالحة للإنسانية جمعاء. الم تتضمن, إلى اليوم, كل الدساتير العالمية فصولا من هذا الإعلان؟. وحتى الطغاة زينوا دساتيرهم بفصول منها.
الثورة في مفهومها الكلاسيكي والحديث لا تساوم على أهدافها ولا تجامل, ولا تتجاهل قضايا الحرية, وإلا عليها أن تختار لها اسما آخر غير اسم الثورة, وما أكثر الأسماء.
الثورة المصرية بعد إطاحتها برأس النظام وأبنائه وأعوانه وتقديمهم للمحاكمة, تسعى اليوم لإعادة بناء مصر. وهذا يتطلب عملا وجهدا اكبر بكثير من إسقاط النظام. واقع مصر وميراثها يتطلب عملا جبارا لإعادة بناء الدولة والقطع مع ذلك الميراث. قطعا لا يترك منفذا للثورة المضادة ولعودة أسباب الاستبداد من أي باب. تنتظر مصر أعمال الجبابرة.
ولكن هل يجب أن تشغل هذه الأعمال وهذه المهام مصر عن قضية الحرية خارج مصر. فكيف إذا كانت هذه القضية في دولة شقيقة لمصر لها تاريخ مشترك معها وأخوة وارتباط مصير؟.
ومنه يمكن طرح السؤال على ثوار مصر, هل موقف مصر الثورية من الثورة المطالبة بالحرية في سوريا موقفا يساهم في وقف نزيف الدماء. هل يساهم في انتصار الحرية؟. هل غير مطلوب من مصر الثورة أكثر مما هو مطلوب من دول عربية غير ثورية, ومن جامعة الدول العربية غير المعنية؟.. هل ترى من مصالحها وأخلاقها الثورية ترك القضية لمصالح دول غربية, وحسابات وسياسات ومصالح إيرانية وتركية أخر ما يعنيها الدماء السورية؟.
في غيبة مصرية تنشط اليوم في القضية السورية السياسة التركية, التي تدغدغها أحلام إمبراطورية, يعبر عنها اردوغان, لاعب كرة القدم المحترف قبل أن يصبح رئيس وزراء, وكأنه  في سياسته السورية لم ينس أصول اللعبة  والملاعب . يوجه بين حين وحين بطاقات صفراء, وإنذارات شفهية ونصائح وتحذيرات, وينسق مع حكام التماس في الملعب الدولي الكبير, ويكاد يصل به الأمر أحيانا إلى الاقتراب من توجيه بطاقات حمراء, لولا تدخلات لاعبين آخرين بعيون حمراء, فيتراجع خوفا من نطحة زيدانية. إذا افترضنا حسن النية وحدها وان السياسة تفسر بالنيات.
الم يغير اردوغان في معرض موقفه من ليبيا من دفاعه عن القذافي  وهجومه على الثوار إلى الهجوم عليه وإعطائه بطاقة صفراء وأخرى مختلطة الألوان وصولا إلى بطاقات لا لون لها, لامتصاص غضب الثوار, مع ترك الباب مواربا مع القذافي نفسه؟.هل كانت الدماء الليبية في الاهتمامات التركية؟.
مع احترامنا الشديد للرجل, هل هو ثوري بأفكاره ومواقفه؟. أفكاره ومواقفه تتعلق بتركيا ومصالحها بالدرجة الأولى والأخيرة, وهذا حقه بطبيعة الحال, ولهذا انتخبه شعبه وحزبه لحكم تركيا. ولكن لا نعتقد أن من حقه التصرف بالأصالة أو بالوكالة, بالدماء السورية. وبقضايا تمس مصير ومستقبل الشعب السوري.
لا يشفع لتركيا إنها دولة إسلامية, فاندونيسيا وباكستان وأفغانستان أيضا دول إسلامية, دون أن ننسى أذربيجان وجزر القمر. وليس له أن يعطي الفرص الكافية, ويقترحها على المجتمع الدولي, واحتساب الوقت الضائع, ليجهز النظام السوري على معارضيه, ويطالب بالإصلاحات بطريق "الصدمة" التي لا يوضح طبيعتها لأحد. وكأنّ هناك صدمة أكثر فتكا بالشعب السوري من صدمته بنظامه. الدم السوري عند السوريين ليس بأرخص من الدم التركي على الأتراك. وكما أن حرية الأتراك أغلى من نظامهم فان الحرية السورية أغلى بكثير من كل الأنظمة السياسية.
لا يخدعنّ اردوغان إن رفع المتظاهرون يوما اسمه عاليا فذلك نتيجة لفراغ الساحة العربية والدولية من مواقف عادلة غير متحيزة, لا تقيم أية اعتبارات إلا لمصالحها التي لا يرون غضاضة في الوصول إليها على حساب دماء الأبرياء. دماء لا يرون لونها وطبيعتها وقدسيتها, وإنما يرونها عاملا مساعدا على الوصول إلى تلك المصالح غير البريئة وغير الشريفة وغير الإنسانية.
مواقف اردوغان الخطابية تجاه إسرائيل, لمصالح بحت تركية, جعلت منه بطلا تركيا معلّقة عليه الآمال العربية !!! ولكن هل ينقص العرب الخطابة والمواقف العنترية؟. أليست شعوبنا ضحية المواقف الخطابية والمواقف العنترية خلال نصف قرن من الزمن؟. الم يشن الحكام "الثوريون" العرب على إسرائيل حروبا خطابية بالأطنان, تفوق وزنا كل عدة وعتاد إسرائيل؟. الم نسمع خطبا نارية في فنون المقاومة والصمود والتصدي والممانعة  التي كانت تذهب بها الرياح فور خروجها من أفواه مرسليها؟. ومع ذلك هذه هي فلسطين محتلة وفي توسع وأمان. وهذا هو الجولان محتلا دون منغصات. وهذا هو الشعب متهم بالتآمر على تلك الأنظمة الغارقة في الوطنية. وهذه دماؤه حلال ليس للتضحية في قضايا التحرير, وإنما لإبقاء أنظمة الصمود جاثمة على صدر الشعب إلى الأبد, ويُنادى بالزعيم على رؤوس الأشهاد: أحد أحد.
لم يضح من اجل الحرية شعب بحجم تضحيات الشعب سوري, منذ نصف قرن والى اليوم. ولم يُقمع شعب في التاريخ الحديث بدموية قمع الشعب السوري, منذ نصف قرن والى اليوم. ولم يقاوم شعب الدبابات الوطنية والمدفعية والرصاص بسلمية وصدور عارية مثل مقاومة الشعب السوري. لم يُسكت عن مجازر شعب سلمي من اجل قضية الحرية والديمقراطية, مثل السكوت عن مجازر الشعب السوري بأيد "وطنية".
هل يُصعّد الشعب المصري مواقفه لنصرة الشعب السوري الذي يثور على نظامه, لنفس الأسباب التي ثار فيها الشعب المصري على حكامه؟. هل ينتصر لقضية الحرية والديمقراطية في سوريا؟ هل يخرج إلى المساندة التي تليق بالشعب المصري ومصر الثورية؟. هل يمكنه ترك الدماء ورقة مساومات ومناورات في السياسة المحلية والإقليمية والدولية؟.
هل يدرك اردوغان أن الدماء السورية غالية ومقدسة  ليس لأحد أن يساوم أو يصالح عليها؟. وان أولياء الدم متعددون بتعدد المكونات السورية: عرب وكرد. سنة وعلويون ودروز وإسماعيليون ومسيحيون.
د.هايل نصر.

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات