أجمل ما في كرة القدم هو الجمهور ، ولولاه لما أصبحت كرة القدم اللعبة الأولى في العالم . فآهاته اللتي يطلقها مع كل كرة ترتطم بالعمود والعارضة تفوق آهات السكارى المنطربين بصوت أم كلثوم وعبد الوهاب . وصرخاتهم الغاضبة على فريقهم بعد الهزيمة لاتقل أيلاما وقوة عن صرخات الثكالى والمعذبين . وأفراحهم بالفوز لاتضاهيها الا الأحتفالات بأنتصار الأوطان على جيوش اعدائها .
ألا أن البشر وكما هو ديدنهم دائما يحولون بتعصبهم الأعمى كل ما هو جميل الى شيء قبيح ، وليست كرة القدم بأستثناء من هذه الحقيقة .
مثلما أخترع الأنجليز هذه اللعبة الجميلة وهم يستحقون كل الثناء على ذلك . ألا أنهم ومع الأسف الشديد أخترعوا العنف المصاحب لها . ولهم في هذا المجال باع وتأريخ طويل . ومنهم أنتشر العنف في الملاعب الى الكثير من أنحاء العالم .
الهوليجانز هو أسم لعائلة كانت تعيش في برية انكلترا بطريقة وحشية حتى القرن التاسع عشر . وكان الناس هناك يتجنبونها نظرا لوحشيتها وبربريتها . ولذلك أطلق هذا اللقب على عصابات المشجعين الأنجليز اللذين يشجعون فرقهم بطريقة عنيفة وبعيدة عن الأخلاق والحضارة . وهذه المجموعات من المشجعين أصبحت سمة ملازمة لكرة القدم البريطانية وليست فقط الأنجليزية . ومعارك المشجعين الأنجليز والايرلنديين والاسكوتلنديين والويلزيين مع بعضهم بعد المباريات وقبلها . ومعارك مشجعي الأندية الأنجليزية مع بعضها ومع غيرها ، أصبحت أخبارا عادية وطبيعية بالرغم من بشاعتها وهمجيتها .
ولقد انتشرت هذه الحالة في جميع أنحاء أوربا لاحقا . وأصبح هناك هوليجانز في هولندا وبلجيكا والمانيا وروسيا وبولندا وتكاد لا تخلوا دولة اوربية من هذه الظاهرة . وتبقى حادثة ملعب هيسل وصمة عار على جبين الجمهور البريطاني .
ففي عام 1985 وفي ملعب هيسل في بلجيكيا وتحديدا في عرس الكرة الاوروبية السنوي الحقت الجماهير الانجليزية العار بأنديتها ومنتخبها الى الابد حينما حولت لحظات المتعه والفرح الى مساحة من الحزن والالم . وحولت ملعب كرة قدم من ساحة لتقديم المتعة والفن الى ساحة من ساحات المعارك مثخنة بالجرحى والقتلى .. ليتدخل الاتحاد الاوروبي بعد أن فاض الكيل ويوقف الاندية الانجليزية خمس سنوات من المشاركة في البطولات الاوروبية .
مع الأسف الشديد وكعادة الكثيرين من اللذين ياخذون بالقشور من الحضارة الغربية من دون اللب المفيد . فلقد بدأنا نرى بوادر لظاهرة الهوليجانز اللاحضارية تحاول " وأقول تحاول" التسلل الى ملاعبنا العربية. وهذا ما حدث حين رشقت مجموعة صغيرة من الجمهور المصري اشقائهم من اللاعبين الجزائريين . أضافة الى الخطب والمقالات النارية المتبادلة والمليئة بالسباب والشتائم والتخوين والتسفيه اللتي تملأ كل فروع الميديا يوميا ، وكأن الحرب قد قامت بين البلدين الشقيقين .
بالتأكيد أن هذه المجموعات لا تمثل أخلاق ولا حضارة المصريين ولا الجزائريين . فهذان الشعبان المسلمان والمتمسكان بدينهم وتقاليدهم لا يمكن أن يتأسيا بهذه النماذج البعيدة عن أخلاقنا وديننا وحياتنا من الهوليجانز ومجموعات العنف الأوربية . وعلى المصريين والجزائريين أن يفهموا شيئا واحدا قبل مباراة الغد . وهو أن كرة القدم تظل أولا وآخرا لعبة رياضية جميلة وليست حربا بين بلدين . وأن لاشيء يبرر هذه الأسائات المتبادلة .
ليس مهما لنا أن يفوز احد الفريقين غدا فنحن كعرب فائزون بالتأكيد في كل الأحوال . لأن فريقا عربيا سيمثلنا رسميا في كأس العالم القادمة . وتحياتنا مقدما للفريق الفائز والخاسر.
التعليقات (0)