مرثية غرناطة
رسالة وصلتني من الأخ حميد الخلق و هي عبارة عن هديّة ثمينة تضعها الجوهرة بين يديه فلنتابع معا ما قالته الجوهرة لحميد الخلق .......
كان أجدادنا لمدّة ثمانيّة قرون يقومون بصقل حبّات الرّمانة في شوارع الأندلس؛ و لمّا انتهوا من صقلها بانت منها كلّ حبّة كأنّها ياقوتة حمراء زاد الصّقل من لمعانها . قامت الرّمانة بأسر العيون النّاظرة إليها و منها عيون فرديناند فلم يقاوم سحرها فتوعّد قائلا : سألتقط حبّات تلك الرّمانة حبّة حبّة. حدث أن سقطت غرناطة آخر معاقل الأندلس في أيدي الصليبيين. سقطت حبّات الرّمانة و حدث الجرح الغائر النّازف فأصبح كلّ واحد منّا تأتي على لسانه الأندلس يشعر بأنّه يمشي في طقس جنائزي رهيب. انّه طقس جنائزي دفعني الخوف منه لكي أمنح الرمّانة لحميد الخلق و كنت واثقة بأنه لن يدعها تسقط في أيادي غادرة ، منحتها له بعدما شدني الذّهول من هيبته فهو كما قال ابن المقفع يصف صاحبه: إذا جدّ الجدّ فهو اللّيث عاديا. عهدتها إليه لأنّه حميد الخلق و لأنّ الرمانة عزيزة إلي كثيرا فمنحتها له لأنه العزيز و أنا لا أمنح ما هو عزيز علي إلا لمن هو عزيز إلي . منحتها له فلم يكن يريد الاستئثار بها فقام يعصر منها يذيقكم طعم نزيفها و أصارحكم بأنه لولاه ما كنتم لتذوقوه في هذه الآونة فهو أحيانا يعصرها خلسة و إذا رأيت يده قد علاها النزيف يبتسم و يعلل ذلك قائلا لي : أشفق على القراء إنهم يريدون قطرة أخرى ...إنهم يريدون الوقوف على مواجع الأندلس كما وقف لسان الدين الخطيب الذي انشد يقول :
جادك الغيث إذا ما الغيث هما يا زمان الوصل بالأندلس
لم يكن وصالك إلا حلما في الكرى أو خلسة المختلس
منحتها لحميد الخلق لأنّي وجدت فيه من النّخوة و عشق الحرّية ما فطر الله عليه الأمازيغ الأحرار. منحتها له لأنّي سمعت من أفواه أجدادنا ينصحوننا لما نريد أكل الرّمان : احذروا أن تسقط منها و لو حبّة واحدة لأنّ بداخلها حبّة قادمة من الجنّة فقد تكون تلك القادمة من الجنّة هي التي سقطت منكم !. منحتها له لأنّي على علم بأنّه يتوجّس من سقوط أية حبّة منها فقد تكون التي سقطت هي الحبّة القادمة من الجنّة ، كان يفعل ذلك من دون أن يقوم بإدانة أجدادنا في محاكم التّفتيش لأنّ فطنته المتّقدة جعلته يفهم بأنّ هذه الأسطورة ليست سوى مرثية لغرناطة التي دخلتها إيزابيلا و استقبلتها زخرفة إسلامية على الجدران " لا غالب إلا الله "سلّمت له الرّمانة و قلت له : لأنّك رجل و لن تتنازل عنها كما فعل من رثت أمه رجولته. فكان حميد الخلق يقول لي : لما القسوة على أبي عبد الله الصّغير فهو أحسن من الكثيرين. و يوم غضبت من ردّه هذا و قلت له أتشفق على من افجعنا في الاندلس ؟. فكانت إجابته منطقية جدا حين قال لي : سلم ابو عبد الله الصغير مفاتيح غرناطة و بكى من أجلها و حزن حتّى أدركه الموت أمّا ترين الذي سلّم مفاتيح فلسطين لليهود فوصفوهم بالمساكين ؟ أما رأيت الذين يسلمون أوطاننا للصليبيين ثم يقيمون معهم حفلات راقصة فعلى الاقل أبو عبد الله الصغير لم يرقص و هو يسلم مفاتيح غرناطة بل بكى و حزن حتى مات حزنا لأجلها. .. لم تكن الرمانة الاسبانية آخر مواجعنا ، لقد كانت بعدها رمانة الشام التي حارب من اجلها صلاح الدين كي لا يلتقطها ريشارد و لويزا لكن اتى اليوم الذي تنازل عنه العربي على ما لم يتنازل عنه الكردي و التركي ... واتى اليوم الذي شاهدنا فيه سقوط رمانة بغداد بين ايدي بوش و البرايت ...لازالت الرمانات تتساقط و تسقط في عالمنا الإسلامي و تشابهت حالات السقوط فما اشبه يافا بغرناطة و ما اشبه بغداد بالاندلس و ما اشبه ريشارد و بوش بفرديناند و ما اشبه لويزا و البرايت و كوندوليزا بازابيلا...فكل واحد من هؤلاء أعلنها علينا الحرب باسم الصليب . ..و كم أصبحنا نكرر عبارة لا غالب إلا الله كما كررها بنو الأحمر بالنقش على الجدران و قصور الأندلس ........... .
الجوهرة جيجيكة
صدقت يا أغلى جوهرة عرفها التاريخ و لكن رغم الجرح و الألم هناك أمل أن في الأمة "صلاح الدين" به الله سيصلح شؤون ديننا و دنيانا إن شاء الله . أما أنا سوف أقدم لإخواني القراء اليسير من النزيف خلسة منك و من القانون لعله ينسيهم نزيف أوطاننا ولو قليلا .
حميد الخلق
التعليقات (0)