مواضيع اليوم

مصرع الملك يوشيا وملحمة هرمجدون

اسرائيل .

2010-12-30 15:37:49

0

مصرع الملك العادل يوشيا وملحمة هرمجدون

ملحمة هرمجدون (أرمجدون)... الواقعة الكبرى.. المعركة الفاصلة.. أم المعارك.. ورد ذكرها في العهد الجديد (الأنجيل) / سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي / 16: 16 : فجمعهم الى الموضع الذي يدعى بالعبرانية هرمجدون ..

اولا وقبل الخوض في المقاربة بين حادثة مصرع الملك اليهودي يوشيا المذكورة في التوراة وعلاقتها بملحمة هرمجدون الوارد ذكرها في الأنجيل ، لا بد من تصحيح بعض ما نثر حول مسألة أرمجدون من مغالطات في الأدبيات العربية والاسلامية التي ما زال يستعصي على بعضها التفريق بين التوراة اليهودية والانجيل المسيحي .. بين العهد القديم والعهد الجديد... بين التناخ العبري والأناجيل المسيحية... وحتى لا نكون دون الامثلة نذكر المثال التالي للتوضيح :

حين نتحرى عبارة أرمجدون في موقع (المعرفة) الشهير نجد خلطا ولغطا وشخبطات تدل ان دلت عن جهل طفولي بالتوراة والانجيل.. ورد مثلا ان أرمجدون (هي عقيدة مسيحية ويهودية مشتركة،...) علما انها ليست كذلك فهي عقيدة مسيحية سنتحرى جذورها العبرانية من خلال هذا الطرح... ولاحظوا ايضا الفقرة التالية من موقع المعرفة : (يستند اليهود إلى النص العبري الوارد في سفر الرؤيا/ 16 بأن المعركة المسماة (معركة هرمجدون) ستقع في الوادي الفسيح المحيط بجبل مجدون في أرض فلسطين وان المسيح سوف ينزل من السماء ويقود جيوشهم ويحققون النصر على المسلمين، ..).. علما ان اليهود لا يستندون الى سفر الرؤيا فهو سفر أنجيلي وليس توراتي كما بيّنا اعلاه....

ونذكر مرة أخرى بان ما يسمى الكتاب المقدس مسيحيا يتضمن التوراة والانجيل معا استنادا للعقيدة المسيحية بهذا الشأن ، فتسمى التوراة مسيحيا بالعهد القديم ويسمى الانجيل بالعهد الجديد كل هذا ضمن كتاب واحد هو الكتاب المقدس كتاب النصارى... اما اليهود فكتابهم هو التناخ ويحتوي على التوراة واسفار الأنبياء واسفار كتوبيم ويعرف اسلاميا بالتوراة اختصارا.. اما سفر رؤيا يوحنا فهو آخر اسفار العهد الجديد كتاب النصارى الذي يعرف اسلاميا بالانجيل اختصارا ... ويتضمن سفر الرؤيا ذكرا لتلك الواقعة التي ضربت أطنابها في عموم بلدان العالم وهي مستوحاة من الآية 16 الاصحاح 16 من سفر رؤيا يوحنا التي تقول : ( فجمعهم الى الموضع الذي يدعى بالعبرانية هرمجدون)... وهرمجدون هي كلمة عبرية تلفظ هار مجيدو اي جبل مجيدو وهو تل أثري يقع شمال ارض اسرائيل / فلسطين شهد اعمالا حفرية متواصلة خلال القرن الأخير كشفت عن خبايا مدن غائرة في عمق التاريخ اندثرت كلها تاركة هذا الركام شاهدا على تاريخ طويل عمره الوف من السنين لاستيطان الانسان في هذه البقعة...

ويقع تل مجيدو شمال اسرائيل وهو اليوم موقع سياحي وحديقة وطنية ومزارا جاذبا لعلماء الآثار من اسرائيل والعالم يؤمونه لسبر أغواره واستنطاق ما خفي من أسراره وأخباره.. ويجتذب تل مجيدو على الدوام سياحا مسيحيين من انحاء العالم يستهويهم الاستماع الى حديث تلك المعركة الأخيرة التي أخبر عنها الأنجيل ويشاهدوا بأم عينهم سهل مجيدو الذي سيكون مسرحا لتلك المعركة الهائلة كما وصفها سفر يوحنا ...

وربما بدأ القارئ هنا يتسائل لماذا مجيدو؟ لماذا اختار الكاتب الانجيلي هذه البقعة بالذات؟ وما هي الخلفية التاريخية التي مهدت لهذا الاختيار؟ وما علاقة الكاتب الانجيلي بهذه الخلفية التاريخية؟ وما هي الاحداث الجسام التي ارتبطت بهذا المكان وترسخت في الذاكرة الجماعية ليصل صداها الى كاتب سفر الرؤيا؟

في الواقع ان اختيار سهل مجدو مسرحا لحرب مستقبلية بين قوى الخير والشر له علاقة مباشرة بالمعارك والحروب الضارية التي دارت رحاها على سفوح مجيدو في الأزمنة الغابرة... فما زالت أصداء تلك المعركة المدوية التي خاضها الملك المصري تحتمس الثالث في سهل مجيدو ابان القرن ال 15 قبل الميلاد ، تصم آذان الزائر... ويكفي ان نذكر بانها المعركة الاولى التي يذكرها التاريخ المدون سجلها كتاب الملك بأدق تفاصيلها تخليدا للانتصار الساحق والخاطف الذي أحرزه الفرعون تحتمس ضد تحالف أمراء كنعانيين كانوا ينتظرونه في أكناف مدينة مجيدو آنذاك... ومن هول تلك المعركة الطاحنة فقد ظلت تتناقلها الذاكرة والالسن والاقلام من جيل الى جيل وصولا الى أواخر القرن الاول الميلادي وهو زمن كتابة سفر الرؤيا... علما ان الموقع الاستراتيجي الذي كانت تحظى به مدينة مجيدو على الطريق الرئيس الذي كان يربط بين مصر الفرعونية وممالك الشمال سوريا وبلاد الرافدين ، جعلها محل اطماع الامبراطوريات والممالك التي تكالبت عليها عبر العصور وحولت سهولها وهضابها الى مسرح دائم لمعارك ضارية للسيطرة على هذا الممر الهام الذي اكتسب بفعل موقعه أهمية عسكرية وتجارية لا تضاهى، علاوة على كونه محاطا بسهول خصبة ومصادر ماء وفيرة ...

اذن منطقة مجدو كانت دائما مسرحا للصراعات والتناحرات لاهمية موقعها وليس غريبا بانها اختيرت لتكون مسرحا للمعركة الاخيرة التي ستحسم مصير البشرية ... وليس غريبا ان المعركة الفاصلة بين الجيش البريطاني والجيش العثماني في بلادنا دارت في سهل مجيدو ، كما هو ليس مفاجأ ان يتقلد الجنرال النبي قائد الجيوش البريطانية بعد انتصاره في المعركة، وساما رفيعا فاصبح يسمى لورد مجيدو تيمنا بهذه المدينة الخالدة..

وورد اسم مجيدو على بردية تعود الى عصر الفرعون ستي الأول ، وذكرت في الواح التعناخ شمال ارض اسرائيل ، كذلك ذكرها التناخ كتاب اليهود في اكثر من 20 موضعا باعتبارها تقع داخل حدود سبط منشة ضمن مملكة اسرائيل..

وارتبط اسم مجيدو في الذاكرة الاسرائيلية الجمعية بباني نهضتها الملك سليمان ، وما تزال تلهج الالسن بالشعر الحماسي للنبية دبورا (سفر القضاة 5) إثر انتصار اسباط اسرائيل تحت إمرة القائد الفذ باراك بن أبينوعم على ملك حتسور في سهول مجيدو..... بيد ان الذاكرة الشعبية ما تزال تحفظ حادثا مأساويا كانت سفوح مجيدو مسرحا له ، وهو مصرع الملك العادل يوشياهو (يوشيا) ملك يهودا في العام 609 قبل الميلاد بحراب الفرعون نخو وجيشه الذي كان في طريقه شمالا لمساندة جيش أشور المتداعي أمام قوة بابل الصاعدة....

وتظل اسباب مصرع يوشيا محاطة ببعض الغموض فثمة من يعزوها الى غضب نخو حيال توسع يوشيا شمالا إثر سقوط مملكة اسرائيل (المملكة الشمالية)، على ايدي أشور التي شكلت في أوج عظمتها قوة ضاربة وامبراطورية عاتية ... ومنهم من يعزو مقتل يوشيا الى وقوفه في وجه الملك المصري نخو لمنعه من مساندة أشور التي بدأت تنحسر كقوة رائدة في المشرق... وسواء هذا او ذاك فقد ظل لغز الملك يوشيا عصيا على رعيته ومحبيه من كافة أطياف الشعب الذين استعصى على ادراكهم كيف يموت الملك العادل والمجدد الديني والمصلح الاجتماعي وحامي تراث الأمة والحائز على رضى الله والشعب، في مثل هذه الظروف المأساوية ، فيما اعتبر شعبيا على أنه ظلم وجور ، واعتبره آخرون عقابا من الله كون يوشيا ركب مركبا خطرا وسلك مسلكا وعرا وارتقى مرتقى صعبا بملاقاته من لا قبل له به فلاقى مصيره المحتوم ....

على ان الذاكرة الشعبية ظلت في حيرة من أمرها في أمر ما حصل ليوشيا ، ابن القرن السابع قبل الميلاد ، الذي اعتبر ، وبحق ، عظيم عصره ... ذاك أنه جامع التوراة ، ومحطم الأوثان، تلك الاوثان التي ارتفع شأنها بتأثير الحضارة الأشورية الوثنية ، ويوشيا هو الذي أعاد للدين اليهودي مجده ، وسابق عهده ، وطهر البلاد من أوكار الشرك ، ومعاقل الكفر ، وسرج بيت المقدس في أورشليم بعد ان طهره من الدنس واذهب عنه الرجس والموبقات ، ونشر بين الناس معاني الخير والعدل ، فكيف لمثل هذا الرجل الجليل والملك العدل وسليل الملك داوود ان يخطفه القدر بهذه الصورة ويلقى مثل هذه الميتة ...

علما ان يوشيا دفن في أورشليم ، ورثاه كبار الانبياء في زمنه ومن بعده ، من أمثال يرميا وعاموس وزخاريا (زكريا) ... ولم تخبو اسطورة يوشيا خلال القرون اللاحقة فرثاه كبار الحاخامات وكتبوا عن مآثره وفضائله ... وأخذ يترسخ في الوعي الشعبي اعتقاد مؤداه : ان الله الذي لا يخذل عباده الصالحين ولا يقبل الذل على من هم بقامة الملك الصالح يوشيا ، فلا بد ان بالامر حكمة ربانية ، ولا ريب في ان الله يضمر للكافرين يوما من ايامه ، ومثلما شهد جبل مجيدو مصرع أعدل وأتقى رجال عصره ، فانه سيشهد حتما مقتلة للاشرار والظلمة وابناء الكفر واتباع الشيطان ... في ذات المكان الذي ارتقت به روح يوشيا الطاهرة ، سيمحق الله الطواغيت وسترفع رايات النور سامقة فوق رايات الظلام ..... وسيعود الملك لآل داوود الاشراف الاطهار ...

على هذه الخلفية ظهر في القرن الاول الميلادي مجموعة من الشباب اليهودي المتحمس نادوا باعادة مجد داوود ، واعلنوا ظهور المسيح المخلص من نسل داوود ، وحذروا وانذروا باقتراب وعد الله ، وحلول ملكوت السماء ... أولاءك هم يسوع بن مريم وصحبه .... هم المؤسسين للمذهب اليهودي المسيحاني الذي وضع اللبنة الاولى لظهور الديانة المسيحية .... وانطلق اتباع يشوع (يسوع عيسى بن مريم) من بعده يخطون الاناجيل ويدونون سيرته وتعاليمه .... وطفق احدهم وهو يوحنان بن زبدي، اليهودي، احد الاثني عشر والأخ الأصغر ليعقوب الرسول ، طفق (يوحنا الرسول) يخط إنجيل يوحنا وأتبعه بسفر الرؤيا مدار بحثنا في هذا التناول ... أنظر الى كلماته في رؤيا يوحنا اللاهوتي التي تشي بيهوديته، وصولا الى الاصحاح 16 الذي يتحدث عن معركة (أرمجدون) الأخيرة، علما ان سفر الرؤيا وفق العقيدة المسيحية هو بمثابة اعلان نهاية العالم :

اقتباس من اصحاح 1 : انا يوحنا اخوكم وشريككم في الضيقة وفي ملكوت يسوع المسيح وصبره كنت في الجزيرة التي تدعى بطمس من اجل كلمة الله ومن اجل شهادة يسوع المسيح..

اصحاح 2 : فقال لي واحد من الشيوخ لا تبك هوذا قد غلب الاسد الذي من سبط يهوذا اصل داود ليفتح السفر و يفك ختومه السبعة ..

اصحاح 7 : و سمعت عدد المختومين مئة و اربعة و اربعين الفا مختومين من كل سبط من بني اسرائيل. من سبط يهوذا اثنا عشر الف مختوم من سبط راوبين اثنا عشر الف مختوم من سبط جاد اثنا عشر الف مختوم. من سبط اشير اثنا عشر الف مختوم من سبط نفتالي اثنا عشر الف مختوم من سبط منسى اثنا عشر الف مختوم. من سبط شمعون اثنا عشر الف مختوم من سبط لاوي اثنا عشر الف مختوم من سبط يساكر اثنا عشر الف مختوم. من سبط زبولون اثنا عشر الف مختوم من سبط يوسف اثنا عشر الف مختوم من سبط بنيامين اثنا عشر الف مختوم ..

اصحاح 11 : ثم اعطيت قصبة شبه عصا و وقف الملاك قائلا لي قم و قس هيكل الله و المذبح و الساجدين فيه . و اما الدار التي هي خارج الهيكل فاطرحها خارجا و لا تقسها لانها قد اعطيت للامم و سيدوسون المدينة المقدسة اثنين و اربعين شهرا . هذان هما الزيتونتان و المنارتان القائمتان امام رب الارض ..

اصحاح 14 : ثم نظرت و اذا خروف واقف على جبل صهيون . ثم تبعه ملاك اخر قائلا سقطت سقطت بابل المدينة العظيمة لانها سقت جميع الامم من خمر غضب زناها ..

اصحاح 15 : و امتلا الهيكل دخانا من مجد الله و من قدرته و لم يكن احد يقدر ان يدخل الهيكل حتى كملت سبع ضربات السبعة الملائكة ..

 اصحاح 16 : و سمعت صوتا عظيما من الهيكل قائلا للسبعة الملائكة امضوا و اسكبوا جامات غضب الله على الارض . ثم سكب الملاك السادس جامه على النهر الكبير الفرات فنشف ماؤه لكي يعد طريق الملوك الذين من مشرق الشمس . و رايت من فم التنين و من فم الوحش و من فم النبي الكذاب ثلاثة ارواح نجسة شبه ضفادع . فانهم ارواح شياطين صانعة ايات تخرج على ملوك العالم و كل المسكونة لتجمعهم لقتال ذلك اليوم العظيم يوم الله القادر على كل شيء . ها انا اتي كلص طوبى لمن يسهر و يحفظ ثيابه لئلا يمشي عريانا فيروا عريته . فجمعهم الى الموضع الذي يدعى بالعبرانية هرمجدون ... ثم سكب الملاك السابع جامه على الهواء فخرج صوت عظيم من هيكل السماء من العرش قائلا قد تم . فحدثت اصوات و رعود و بروق و حدثت زلزلة عظيمة لم يحدث مثلها منذ صار الناس على الارض زلزلة بمقدارها عظيمة هكذا . و صارت المدينة العظيمة ثلاثة اقسام و مدن الامم سقطت و بابل العظيمة ذكرت امام الله ليعطيها كاس خمر سخط غضبه . و كل جزيرة هربت و جبال لم توجد ......

وغني عن القول إن كاتب سفر الرؤيا اليهودي يوحنان بن زبدي ، او باسمه المسيحي يوحنا الرسول او يوحنا اللاهوتي ، قد خبر العقيدة اليهودية والتاريخ اليهودي والأحداث العظام والجسام التي ألمّت بالشعب اليهودي ، ومن مثله خبر ملحمة يوشيا ومصرعه على ثرى مجيدو ... فجاء الوصف اعلاه من داخل كينونة يوحنان ، بوحا بروحه اليهودية ، وجوابا شافيا لمعضلة مصرع يوشيا ، ورد الاعتبار لروح العدل والحق بعد ان كان للباطل والظلم جولة .. بيد انه يصف الاحداث بعبارات قد يكون وقعها قوي على مسامع القارئ اليوم ، لكنها الروح السائدة في تلكم الأزمان ..

بقي ان ننوه بان سفر الرؤيا كما هو حال العهد الجديد او الانجيل كله ، ليس عقيدة يهودية ، فالانجيل كما اسلفنا هو كتاب النصارى وان كانت المسيحية مذهبا يهوديا ولد من رحم الموروث اليهودي الديني خصوصا ذاك الذي يختص بالمسيح بن داوود .. فهي اي المسيحية قد تحولت الى ديانة مستقلة مع احتفاظ الكنيسة المسيحية بالتناخ كتاب اليهود كجزء من كتاب النصارى والأرث المسيحي ....

كما نلفت الى ان عبارة هارمجدون كما وردت في الانجيل أصلها توراتي كما ذكرنا وقد وردت في التوراة بصيغة هار مجيدو في أغلب الاحيان ، غير انها ذكرت حينا بصيغة هار مجيدون كما في سفر زكريا , 12 , 11 (في ذلك اليوم يعظم النوح في اورشليم كنوح هدد رمون في بقاع مجدون).. والحديث طبعا عن مشابهة بين فجيعة أورشليم وفجيعة الملك يوشيا في مجيدون ... هذه الاخيرة تسللت الى المسيحية عبر مؤسسيها الاوائل وكلهم يهود ، ومنهم (سانت جون) القديس يوحنا وهو ذاك الشاب اليهودي ، يوحنان ، ابن القرن الاول للميلاد ، الذي خط سفر الرؤيا ....

كل عام وأنتم بخير

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات