بقلوب مؤمنة بالظلم الذي ساد وانتشر ..
وبنفوس موقنة بالذل الذي أحنى هامات البشر ..
وبأنفاس ضاعت وسط زحامات الضياع ..
وبأقدام تاهت وسط غابات الضباع ..
وبأيدي مرتعشة ارتعاشات الخوف من مجهول المصير ..
وبأنامل سحقتها آله البطش التي فاقت عذابات السعير ..
ننعى إلى أنفسنا وإلى أولادنا وإلى أجيالنا وإلى الحياة بأسرها "العدالة" التي لقيت مصرعها وفاضت روحها إلى بارئها وغادرت حياتنا لتبقينا في ليل سرمدي أسود مدلهم لا نبرحه و لايفارقنا إلى أن يشاء الله ..
الشعب الذي قطع من جسده .. الشعب الذي انتزع مهجة قلبه ..
الشعب الذي رضي كل الرضا أن يمشي حافياً على الأرض بينما مد البساط لبعض أبنائه ليمشوا عليه وهو يتيه بهم فخراً وفرحاً .. وخولهم سلطة الضبط والمحاكمة وتقييد الحرية والسجن والحبس ليكونوا أمناء عليه وعلى شرفه وحقوقه وأمواله وأعراضه ..
أبى الأمناء إلا أن يجعلوا من جسد الشعب بساطاً يمشون عليه ..
أبى الأبناء إلا أن يجدلوا من جراح الشعب سياطاً يلهبون به ظهره ..
أبى الأعزاء إلا أن يجعلوا من السلطة الممنوحة لهم حذاء يدوسون به على هامة الشعب الذي منحهم حبه وتقديره واعتزازه وفخره .. فمنحوه هم قسوة وتعالياً وتعسفاً ومغالاة ومذلة ومهانة ...
استكبرت أرواحهم .. وتأبت نفوسهم .. وأخذتهم العزة بالسلطة .. وتعالوا واستكبروا استكبارا ..
وهــُم من هـــُم ..
هم من كان يُظن أنهم الحصن الحصين .. والركن الركين ... والملاذ من كل ظلم وضيم ..
هم من كان يُظن أنهم المنعة من كل جور .. والعاصم من كل ظلم .. والجابر لكل كسر .. والمقتص لكل مظلوم .. والسند لكل مهضوم .. فإذا بهم يضعون بينهم وبين الناس السدود .. ويفرضون عليهم الحواجز والقيود ..
ظنوا أن سلطانهم في سلطاتهم .. وأن هيبتهم في رهبتهم .. وأن احترامهم لا يكون إلا أن تقمع . . وطاعتهم لا تتم إلا أن تصفع ..
أي سلطة هذه ؟!.. وأي احترام هذا ؟!.. وأي طاعة تلك ؟!..
جعلوا حجراتهم حصوناً منيعة لا يقترب منها أحد ..
حشدوا الحراس حولهم من كل جانب يدفعون الناس من أمامهم كالعبيد ..
وينهرون هذا ويهددون ذاك .. ويمنعون هذا من الاقتراب منهم وكأنهم صاروا أنصاف آلهة تضرب في سبيلها الأزلام التي يقف عليها كهنتهم من المتزلفين والجهلاء والمستوظفين !!.. ويتقرب إليهم بالقرابين ابتغاء مرضاتهم أو وساطتهم أو اجتناب أذاهم ..
سياراتهم تغطى بالزجاج الغامق .. أرقام لوحاتهم تدمغ بخاتم سلطتهم المرهبة .. يكسرون الإشارات .. كل الطرق طوع سيارتهم والممنوعة منها أولى .. أهل السلطة صاروا فوق السلطة .. أهل الحق صاروا فوق الحق ..
لهم الدرجة الأولى دائماً في كل شيء.. صاروا الأسياد وباقي الرعية هم العبيد .. فهموا السلطة خطأ .. فهموا كل شيء خطأ..
لذا لم يصبروا على من جاء يطلب منهم حقاً .. أوسعوه ضرباً .. ثم لم يتحملوا أن يقتص المضروب من ضاربه .. أرادوا أن يجعلوا منه مثلة واعتباراً .. قبضوا عليه .. حبسوه .. وفي أسرع من لمح البصر حكموا عليه بالسجن.. دون إعطائه الحق في الدفاع عن نفسه .. دون أن تأخذ القضية مجراها من التفنيد والتحقيق وتبيان الحق فيها ..
يتحدثون عن الهيبة والاحترام .... بينما يتحدث الناس عن العدل ..
يتحدثون عن القصاص ..... بينما يتحدث الناس عن الحقيقة..
يتحدثون عن الانتقام ...... بينما يتحدث الناس عن الإنصاف ..
الناس عادت من جديد إلى عصور العبيد .. الناس عادت من جديد إلى عهود الامتهان ..
الناس عادت من جديد إلى أيام الاستعباد .. والاضطهاد .. والاستبداد..
الناس صارت لا تجرؤ على مناداتهم إلا بالبكوات والباشوات ومعالي الرؤساء ودولة العظماء..
الناس ما عادت تشعر بالأمان إذا ما ساقتها أقدارها أمام أعتابهم يقفون على أبوابهم يرتجفون .. يرتعشون ..
يخشون أن يجهلوا عليهم بسلطتهم التي بلا حدود ..
نقول لكم :
لستم أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم والذي لم يصفع الرجل الذي قال له يا محمد : إعدل ! بل أخذه من يده ليريه مواطن العدل ..
لستم أشرف من رسول الله الذي جاءه رجل و هو يرتعد منه خوفاً ومهابة و كان اول مرة يقابل النبى , فقال له النبى : هون عليك فإنى لست بملك ,إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد و أمشى كما يمشى العبد و إن امى كانت تأكل القضيب بمكة ( أقل الأكلات )..
لستم أعدل من عمر الفاروق بن الخطاب الذي ناطحته امرأة في المهر ولم يستنكف أن يقر بالحق فقال أصابت المرأة وأخطأ عمر ..
اتقوا الله في أنفسكم .. اتقوا الله فيمن تسلطتم عليهم .. اتقوا الله في أهلكم وشعبكم .. اتقوا الله في مظالم الناس ..
اتقوا الله في بلادكم .. اتقوا الله ولا تكونوا كالذين إذا قيل لهم اتقوا الله أخذتهم العزة بالإثم ..
بل كونوا من الذين إذا ذكر الله ..أو ذكر العدل .. أو ذكر الحق .. ترى أعينهم تفيض من الدمع ...
انفضوا عن أنفسكم أن يندس بينكم الجهال ..والحسباء .. والنسباء .. ومرضى القلوب ..
لن تسودوا على الناس بسلطان البطش والترهيب وتصعير الخد..
وإنما تسودون عليهم بإقامة العدل فيهم ونصرة الضعيف ونصفة المظلوم والقصاص من الظالم ..
تحروا الحق في مواضعه .. وكونوا أمناء على الناس ..
وكونوا الخصم الشريف الذي لا يأبه أن يرتد إلى الحق فيدافع عن المظلوم إذا تبينت مظلمته .. وأن يطالب بالقصاص من الظالم إذا تأكد ظلمه ..
كونوا وكلاء الحق لا وكلاء السلطة ..
كونوا طلاب العدل لا طلاب الدنيا ..وزينتها .. وشهوتها ...
ارحموا الناس .. ارحموا الناس .. يرحمكم رب الناس..
التعليقات (0)