رغم أن الحضارة الفرعونية بحسبانها من أعظم حضارات البشرية - إن لم تكن أعظمها على الإطلاق- إلا أن ثمة عادة سيئة تمثل "جرثومة" تخلقت وعلقتْ برحم هذه الحضارة العظمى كادت تجعلها تأكل نفسها في حالة من (الجذام التاريخي)..
وهذه العادة تتمثل في الحرص الدءوب من الفراعنة المصريين على أن يمحو العاقب منهم كافة أعمال وسجايا وانجازات وآثار الفرعون السابق ويمسحها ويلغيها" إلا قليلا" من كافة سجلات الوجود..
يرفعها من على الأعمدة والسواري والحوائط والمقابر..
وما استعصى منها على المحو والإزالة فالتشويه مصيره..
فلا يبقى بعد ذلك سوى أعمال ومناقب وآثار ومفاخر هذا الزعيم أو الفرعون أو عهده أو نظامه.. وهكذا فإن اللاحق يُنكر السابق ويلغيه ولايعترف به ..
وهو صراعٌ كان وقوده اختلاف الأيدلوجيات والفكر والتوجه الديني حيناً..
وكذا الحرص على الانفراد بصدارة مشهد الخلود في سجلات المجد والتفرد دون ثمة مزاحمة أو مشاركة أحياناً..
وفي كل هذا فإن من حظ البشرية أن هذه الحضارة كان لها من العظمة والتجدد والاستمرارية والتطور ما جعل حرص هؤلاء الفراعنة وأسراتهم وشعوبهم لايفتر عن وضع بصماتهم وعلاماتهم ..وتدوين جلائل صنائعهم وأعمالهم بطريقة لم تترك فراغاً حضاريا أو أثريا أو فارقاً أو فجوات زمنية بين أعمال السابقين وصنائع اللاحقين ..
فحملت إلينا آلاف السنين تراثاً فخماً ضخما لم نسبر غوره بعد ..
ولم نفك شفرات غالبيته ولم نكشف ولم نستكشف حتى الآن إلا قليلا من خباياه ولم نستخرج إلا بعضا من مطموره ..
وإذا نحن نحيّنا جانب العظمة في الحضارة الفرعونية وانقلبنا إلى العادة السيئة (الجرثومة) التي صاحبتها ووصلت إلينا ضمن أوائل ما تلقيناه منها ..
سنجد هذه العادة الملعونة متجذرة فينا نتوارثها جيلاً بعد جيل وتشكل جينات وراثية نتناقلها ونتغارسها على مر الحقب والسنين ..
فنجدها جلية في حكامنا وأنظمتنا على مر التاريخ الحديث و المعاصر حيث يمحق حاضرهم سابقهم وينزع منه قلائد مجده ويمحو كل ما له من انجاز أو عمل أو بناء أو نصر أو حتى موقف أو مبدأ..
فيعتبر اللاحق منهم عهد من سبقه وكأنه تركة أو ميراث أو غنيمة "
حكم" يهدر منها ما يشاء .. وينكر منها ما يشاء .. ويبدل فيها ما يشاء..
وأخيراً ينسب ما بقي منها إلى نفسه وعهده ونظامه ..
وفي كلٍ فهو يزايد في إنكار وتشوية وتعتيم عهد وشخص من سبقه..
ذلك مقابل المبالغة في إبراز وإظهار وتكريس حكمه وأعماله وأفكاره هو حتى ولو كان هو وعهده جميعاً لا يشكلان وزن بعوضة قياساً إلى جلائل أعمال سابقيه ..
ولكنها (سنةُ الحكام) ..
وبما أنه وقياسا على مقولة أن الناس على دين ملوكهم ..
فإن جرثومة تلك العادة الفرعونية السيئة لم تنج منها الشعوب العربية ..
ويبدو أن هذه الحقبة الآنية " زماننا تحديداً " تمثل البيئة المثالية لتكاثر هذه الجرثومة وانتشارها متوافقة ومتواطئة مع ما نشاهده ونعايشه اليوم من أمراض " جرثومية" فتاكة عابرة للشعوب - كأنفلوانزا الطيور والخنازير وغيرها- لا تعرف حدوداً ولا حواجز..
تحار أمامها تقنيات العلم الحديث..
فتصطرع معها في معارك هي بمثابة معركة الحياة مع الموت ..
أما في حالتنا نحن فالجرثومة اللعينة قد تمكنت منا..
ومما يثير مكامن الحزن والأسى أن هذه الجرثومة انما تصيب منا (المثقفين خاصة) ..
وتضع بيضها في العقول المستنيرة الفتية 00 وتستمكن من السواعد القوية..
وتتغشى العيون بغشاء الضبابية فلا تكاد تميز بين نور الحق و ظلمة الضلال..
فينقلب مثقفو الأمة وأملها الناهض وساعدها الفتي إلى حرب على بلادهم لا معين لها ...
ينكرون جذورهم .. ويتنكرون لتاريخهم .. ويستهوون الاغتراب ..
يطرحون هويتهم تحت أقدامهم .. وينبهرون بأضواء الضلالة المطعمة بتقنيات سلبت ألبابهم ..ويشيحون بوجوههم عن النظر في وجه أمتهم.. يُعرضون عنها ..
ويستشعرون العار في الانتماء إليها... !!!
حتى لكأنها تبدو كمثل المرأة التي كافحت لتعليم أبنائها .. تقتطع من لحمها لتطعمهم ..
ومن مهجتها لتسعدهم.. ومن قوتِها لتعلمهم..
فإذا ما شبّوا تنكروا لها واستشعروا الخزي في الانتساب إليه..
ونزعوا نحو بهرج حياة الغرب.. يمورونَ في دوامته حتى يلفظهم بعد أن يمتصَ رحيقَهم.. ويرميهم على قارعة الضياع ..
فإذا انقلبوا بعدها إلى أمهم انقلبوا خاسئين..
فما أفادها تعليمها إياهم .. بل استعملوا ما خبروه وتعلموه في معايرتها وتشويهها بدلاً من رد الجميل إليها والقيام بمسئولياتهم نحوالنهضة بها وبعثها من مرقدها وإقالتها من عثرتها ..
تجدهم اليوم يُعملون معاولهم كمثل ما فعل الغابرون من الفراعين مع أسلافهم يهدمون ويمحون ويمسحون وينكرون ويتنكرون ويتناكرون لأصولهم وجذورهم وهويتهم وتاريخهم وعقائدهم ..
يلوون ألسنتهم حتى لتخال أنهم ما عاشوا بين ظهرانينا أبداً ..
يخدشون صرح حضارتهم العربية والإسلامية بأظافرهم متوهمين بأنهم قد نالوا منها ..
وينادون ويتنادون في ملأهم ..
هل هناك شئ إسمه الحضارة العربية الإسلامية ؟؟ نحن لم نسمع بشئ كهذا من قبل!!!
يَصِمون دين الإسلام بالإرهاب تزلفاً ومرضاة لشياطينهم المستغربين ..
يضربون معطيات واهية في مفاهيم معيبة ليستخرجوا نتائج هي إلى الخطيئة أقرب منها إلى الحقيقة والواقع..
يتشبثون بمذاهب الغرب أنّي ذهب ويتبعونه أنّى ارتحل فلا يرون فيه إلا الحق كل الحق ..
ويتبرأون من تاريخ آبائهم وميراث أجدادهم فلا يرون فيه إلا الباطل كل الباطل ..
يتبعون مبدأ خالف تُعرف ..
يُنكرون الثوابت والقيم والعقائد بل ينكرون الله ذاته ويجدفون على اسمه ... ويقولون بقول الغابرين .. إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر !!!
يتبعون أنفسهم هواها ..
وقد خاب من دسّاها ..
يَحصُرون مرجعيتهم في عقولهم الضامرة .. وأفهامهم القاصرة ..
فلا ِعلم لديهم إلا ِعلم أمريكا وأذنابها .. ولا حُكم عندهم إلا حُكم أمريكا وأظلافها ..
ولاحياة عندهم إلا ما يحياه الغرب.. ولا لباس إلا لباس الغرب .. ولا ثقافة إلا ثقافة الغرب..
حتى " الإسلام!!!"
إسلامهم قزموه وصغروا من حجمه وحطوا من شأنه ثم أعلنوا جهرةً أنهم لن يقبلوه إلا على الطريقة الأمريكية والأوربية .. واليابانية أيضا ..
خلطوا بين (الإسلام ) ومثالب المسلمين..
فعلوا مالم يفعله حتى أشد الأعداء والخصوم..
كل من يريد منهم اشتهاراً فإنه يعرف الطريق جيداً ..
فما عليه سوى أن يطعن كما يشاء في العقائد - في الثوابت- في الأديان- في التاريخ- في الانتماء- في الجذور!!!!
ولا بأس من بعض "الفرنجة" كأن يدافع عن حق الشواذ جنسيا والمثليات في أن يلبوا نداء الشيطان على حساب نداء الفطرة السليمة ..
فيثب الرجل فوق الرجل .. وتفترش المرأة أختها المرأة .. هكذا هي الحضارة وهكذا هوالتقدم !! طالما أن أمريكا وأذنابها يؤمنون بذلك ..
فإن اعترضتَ..
فأنت بنظرهم إرهابي .. رجعي.. متخلف.. من الخرق البالية والقيم التي عدا عليها الزمن ..
يُحمّلون بلادَهم أوزار وخطايا المستعمر الذي احتلها وجثم على صدرها دهوراً وعقوداً وأجيالا.. ًيغتصبها وينتهكها ويقدمها لأذنابه يتناوبون عليها استعماراً واحتلالاً وسرقة واغتصاباً..
حتى إذا ما أنهكوها وقضوا منها "أوطارهم" !!
لفظوها تلعق عارها وتنكأ جراحها .. ولتصحو ذات يوم لتفجع وتفزع ..
فما برحها المغتصبون إلا و قد غرسوا في أحشائها" نُطَفَهُم " التي انسالت فيها بلا تمييز فحملت منهم الحملَ السفاح ..
وانزوت على قارعة التاريخ حتى إذا أتمت حملها وضعت (أبناء الجحود) !!!
الذين ما إن شبوا عن الطوق حتى يمموا وجوههم شطر آبائهم المجرمين..
يهوون إليهم ويهيمون بهم وينشدونهم ويشدون الرحال إلى ثقافاتهم وحضارتهم وقيمهم ..
أما أُمهم ..أما أُمتهم..
فما غفر لها عندهم أنها حملتهم وأنجبتهم وأرضعتهم..
فطفقوا يخصفون نعالهم على وجهها ..ويزدردونها.. ويسبونها .. ويلعنونها ..
وينكرون ماضيها وتاريخها وهم في سبيل ذلك – ومن أسف- لا يحتاجون إلى وقت أو جهد جهيد على نحو ما كان يبذله الفراعين من قبل في محو تاريخ أسلافهم ..
فتقنيات آبائهم السفاحِ قد وفرت عليهم كثيراً من الجهد ..
فليس عليهم أن يبرحوا أماكنهم 00ولا أن يغادروا مخادعهم ..
يكفيهم فقط أن يجلسوا أمام شاشاتهم ..
وأن يقوموا بالتظليل " بالماوس" ما شاءوا على ما يشاءوا من تاريخهم وجذورهم وهويتهم وعلى أمتهم..
ثم يحصرون كل ذلك في خانة "المحو " "DELETE"
ثم بضغطة واحدة ..
يطلقون على تاريخهم وجذورهم وهويتهم وعلى أُمتِهم
طلقةَ ..(مــاوس)!!!!!!!
التعليقات (0)