مصالحـة الشيطـان
(مقال 2)
مصعب المشرّف
2 أغسطس 2021م
تناولت المقالة الأولى واقع فكر ومنهج الكيزان في العمل بمفردهم والتعامل مع الغير . وأهم الأسباب الحقيقية لشبقهم إلى المصالحة ، وهي إجهاض لجنة تفكيك مافيا تمكينهم وإزالة منظومة فسادهم بعد ما تبين لهم فعاليتها وجديتها وخطورتها على تمكينهم المالي والإداري .
ومن أهداف تحقيق المصالحة الأخرى هو ما يسمح لهم من ممارسة إستراتيجيتهم التي يتقنوها جيداً ؛ وهي تدمير الأنظمة الحاكمة من الداخل بعد توريطها في أفكار ومذاهب الإسلام السياسي والإرهاب ، ودفعها إلى العزلة عن شعبها وإرتكاب جرائم الحروب الأهلية والإبادة الجماعية وإنتهاكات حقوق الإنسان ؛ وتعليق المسئولية الجنائية والتاريخية في شماعة أقرب عبيط وليمبي وبلهاء ومجانين عظمة . والخروج من تبعات كل ذلك بخبث إبليس وسهولة خروج الشعرة من العجين.
وخلص التحليل إلى أن الكوز هو الكوز أينما حل وحيثما ذهب وتخفى وتمكيج وارتدى من لباس الزهد والشهرة والزينة والصالحينا. وأن العبقرية السودانية قد إلتفتت مبكراً لمخاطر الوقوع في حبائل تضليلات ومضلللات التسميات والمصطلحات المغَبّـشة لهذا الفكر الإلحادي الأصل ، فأحجمت عن المضي في تسمية الكيزان بالإخوان المسلمين. وسارعت إلى إلتقاط وتبني مصطلح "الكوز" وجمعها كيزان (كان قد شهد به شاهد من أهلهم) للدلالة على إحتيال وكذب ونزق هؤلاء وسعيهم الخفي لإحتكار الدين ومصادرته وتنصيب أنفسهم وكلاء حصريين له. وإبتداع فقه موازي للنصوص الشرعية الأصلية ، مفصلة على مقياسهم تفصيلا متقناً ومحاكاة لنسق كنائس العصور الأوربية الوسطى . وجميع ذلك إنما ليكون مطية لتسلق السلطة والتمكين لأنفسهم ، وتحقيق أغراض ومصالح دنيوية وإشباعات حسية فاسدة غير أخلاقية ؛ مستهترين بجدية وعيد الآخرة . ومتواكلين مرددين أنه إذا كان هناك حياة أخرى وإحتمال بوجود إله فإنه غفور رحيم.
ووفقاً لذلك ، ووفقا للتجارب المتراكمة التي خبرها المجتمع ؛ كنا نتوقع أن لا يحيد البعض من الساسة والمحللين والمفكرين خارج منظومة هذا الفكر الكيزاني الإلحادي الأصل عن إستخدام مصطلح "كوز" هذا . ذلك أن تسمية الأشياء بمسمياتها يظل على نحو دائم مرشد جوهري في توصيل المعاني ومحاربة الأفكار المضللة للعوام والبسطاء والنابتة ، والصمود بوجهها وتثقيف وتوعية حتى البعض المسلم اليساري والبعثي والقومي والطائفي الرجعي الذي نأى بجانبه وأعرض عن تثقيف نفسه بعلوم الدين الإسلامي الحنيف الماثل بين يدي مجتمعه ، وسبب ذلك ربما جرّاء صدمات وحواجز نفسية تسببت بها مناهضتهم السياسية والأخلاقية لفكر وسيرة وأعمال الكيزان الإجرامية. وتعرضهم للمطاردة والتشريد والإعتقال والتعذيب والإغتصاب والتنكيل في بيوت الأشباح ؛ وبما حال دون قدرتهم على "فـك الإرتباط" بين هؤلاء الكيزان والإسلام.
الجهل المتنامي الملحوظ بقواعد وعلوم اللغة العربية والنفور من الفصحى ، وعدم قدرة البعض داخل المجتمع المسلم حتى يومنا هذا على فك الإرتباط بين المسلم المتديِّن (عن عقيدة) والمثقف من جهة ؛ والكيزان والإسلام السياسي الملحد من جهة أخرى هو خلل عقلي ونقيصة عقائدية ، وسذاجة وكارثة ومصيبة مجتمعية يجب الإلتفات إلى ضرورة معالجتها توْعَوَياً بأطروحات مضادة وحوارات معمقة وثقة بلغة بسيطة تستعين بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وعلى جناح السرعة في آنٍ واحد . وبما يضع الأمور في نصابها قبل أن يتسبب الكيزان في إخراج الدين من صدور الناس وإعادته غريباً كما كان.
يجب التركيز على توعية الناشئة بأن التشريع قد إقتصر على الله عز وجل ورسوله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فقط .
ورفض تداول مسمّى إسلاميين و إخوان مسلمين يسوقنا إليه أحكام شرعية صاغها القرآن الكريم في الآية رقم (78) من سورة الحج ، وهدي نبوي شريف يحرّم الإبتداع عامة ، ويحُول دون الإجتهاد في وجود النص الشرعي المُلزم المُنزل من فوق سبع سماوات وما آتانا به خاتم الأنبياء والمرسلين أشرف الخلق المقرون إسمه بالله عز وجل على قوائم العرش صلى الله عليه وسلم وعلى ذلك نشهد بأننا مسلمين (ولا نقول إسلاميين أو إخوان مسلمين) . وحيث لا يزال التفقه في الدين هو السبيل الأوحد لدحض وتعرية فكر الكيزان في السودان. بعد أن تم تعريته في العديد من الدول العربية والإسلامية الأخرى . وليس من المتوقع اليوم أن يصمد هذا الفكر الصفوي الإرهابي المعزل لسنوات قادمة كثيرة . وجميع التوقعات الآن تشير إلى إفلاسه وزواله وأن يلحق بسابقاته من الفرق الضالة الواردة في حديث الفرق ألـ 73 .
ومن بين كل هذا السخام والركام خرج أيضاً مصطلح جديد لا نعلم من أين جاء . وهو إطلاق مسمى "إسلامويين" ويعني المجموعات التي تعتنق الإسلام السياسي وترى في الإرهاب والعنف وسيلتها للوصول إلى كراسي السلطة ... وأغلب الظن أن هذه التسمية قد نشأت في الغرب للتفرقة بينهم وبين "الأصوليات" الدينية الأخرى الأشهر وهي المسيحية واليهودية والبوذية والهندوسية.
وبالعودة إلى الداخل السوداني ؛ يتضح لنا أنه وبعد إسقاط المجتمع لمصطلح "الإخوان المسلمين" دون خاجة إلى ثورة كما أسلفنا . وبعد نجاح ثورة ديسمبر الخالدة في إسقاط دولة "الكيزان" . فقد برزَ في الساحة منذ منتصف 2020م مسمى "إسلاميين" مباشرة على وسائط السوشيال ميديا السودانية. وكان ذلك بتخطيط وسبق إصرار خبيث من جداد الكيزان الذين لا يزالون يظنون أن الفرص التي أتيحت لأسيادهم قبل ثلاثين عام مضت يمكن أن تتكرر ببلاش أو بغير بلاش.
مسمى "إسلاميين" تبناه د. جبريل إبراهيم بفرح واعتبره طوق نجاة . و تلقفه وابتلع طُعمه اللغوي والشرعي المُضلل مِني أركو مناوي بعد توقيع سلام جوبا ومجيئهما "للإستقرار" والإقامة في الخرطوم .
ولا ندري هل لإموال أثرياء الغاز وأثرياء السياحة وفوائد أيداعات دولارات الكيزان في البنوك الأجنبية خارج البلاد دور الحسناء اللعوب المغري في هذه الدهشة الجديدة والنزوة والدعوة بحرارة إلى المصالحة مع هؤلاء "الإسلاميين" أم لا ؟
واقع الأمر فإن الكيزان في بداية الثورة دخلوا جحورهم مذعورين لأنهم كانوا يتوقعون عمليات تصفية إنتقامية . ولكن بعد أن طمأنوا إلى مصداقية الثورة في تطبيق شعارات حرية سلام وعدالة ؛ خرجوا منها مؤخراً مستأسدين وابتدعوا مسمى إسلاميين لذر الرماد في العيون.
ولكن ؛ وكما فشل الكيزان في التحلِّي بمسمّى إخوان مسلمين . فإنهم أيضا سيفشلون أكثر في ستر عوراتهم والتدثّر والتزمُّل بمسمى إسلاميين . ذلك أن مسمى إسلاميين يتعارض صراحة مع الإسم الذي سماه الله عز وجل للمسلمين في الآية رقم (78) من سورة الحج.
والمسمى الذي ظل يعرّف به رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين. وورد في السيرة النبوية العطرة والأحاديث الشريفة وأخذ به الخلفاء الراشدين والأجلاء من فقهاء الصحابة والعبادلة الأربعة ، والتابعين وتابعي التابعين بإحسان ، والأئمة الأربعة هو " المسلم" و "المسلمين" وليس الإسلاميين أو الإسلامويين.
وكل محاولة من بعض الساسة والمافيات وتجار الدين المتأخرين لممارسة ألاعيب وإطلاق تسميات بإسلاميين وإسلامويين هي بدعة مُستحدثة في الدّين . وشرُّ الأمور مُحدثاتها . وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
إن المسمى الذي عرّفنا به الله عز وجل في كلامه الكريم هو المسلم والمسلمين . وليس إسلامي وإسلاميين وإسلامويين.
قال الله عز وجل:- (هـــو سمّــاكـم المسلمين)
وأقرأ إن شئت قوله عز وعلا في الآية رقم ( 78) من سورة الحج : [وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملّة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس ......] إلى آخر تمام الآية الكريمة.
فهل من بعد تسمية الله عز وجل للمسلمين بالمسلمين مجال للبدع ومطاوعة ومتابعة الكيزان ومشاركتهم في أوزار خروجهم عن جادة الطريق والمنهج والتسمية الشرعية بتسمية أخرى مضللة مبتدعة يا ياسر عرمان ومني أركو مناوي؟
أفكار الكيزان لا تختلف عن أفكار الباطنية والحشاشين وغيرهم من البدع والفرق التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفاً. بل أن خطورة تأثير الكيزان السلبي تتجلى أكثر مما تجلى في محاولتهم إحلال "الفقه" محل التشريع تمهيداً لإستبدال الفقه في مرحلة متقدمة بفقه الأصولية العالمية المستحدث.
بل هم بالفعل جعلوا من الفقه موازيا للشريعة حتى يتمكنوا من تفصيل الدين على مقاس السلطة وتنصيب أنفسهم حاكمية. فكان أن ايتدعوا ما أطلقوا عليه "فقه الضرورة" و "التحلّل" وفق مصالحهم هم فقط ؛ ليحل محل التشريع الذي يظل مقصوراً على الله عز وجل وسيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
حتى مسمى "إخوان مسلمين" جاء مخالفاً و "عكسا" (وتهكيراً بلغة العصر) لما ورد في الحديث النبوي الشريف عند قوله صلى الله عليه وسلم "المسلم أخو المسلم".
وعند الإعراب يتجلى حجم الجرم وهذا التهكير اللغوي للمعنى المراد . فقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلم (مبتدأ) .. و أخو (خبر).
أما حسن البنا المُبتدِع فقد عكس الجملة ، وجعل أخوان هي (المبتدأ) و المسلمين هو (الخبر).
وإنفراد مجموعة من المسلمين وحيازتهم واحتكارهم لمسمى خارج تسمية "المسلم والمسلمين" هو تفريق وفرقة . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
[ افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة ، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلاً واحدة].
قيل من هي يا رسول الله؟
قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي.
وقال صلى الله عليه وسلم : [قد تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاّ هالك].
على أية حال . فإنه مهما مورست من حيل وألاعيب لغوية . فإن الشعب السوداني قد دخل تجربته المريرة وحصل على خبراته العملية مع الكيزان بعد أن إعتلوا كراسي السلطة المطلقة ممسكين بمقاليد الحكم طوال ثلاثين عام . كشفوا خلالها عن مدى زيفهم وفراغهم ولصوصيتهم وإجرامهم وابتعادهم عن الدين وسفكهم للدماء، وإنتهاكاتهم لحقوق الإنسان ، وإنشغالهم فقط بالأموال والأراضي والعقار والملذات الحِسيّة . وبما يجعل من رابع المستحيلات على هؤلاء الكيزان العودة لممارسة الكذب وبذل الوعود المعسولة بأنهم سيعيدون دولة الخلافة الراشدة .
لا فرق في الواقع بين كيزان كتائب الظل أصحاب Shoot to killوبين كيزان طريق الإنقاذ الغربي وأصحاب خلوها مستورة. بل وحتى أولئك الذين إدعوا العذرية والرغبة في الإصلاح بعد أن حصلوا على مبتغاهم من ثروات وعقارات وانتزعوا أراضي النقل النهري في مدينة بحري وشيدوا على ضفاف نهر النيل الأزرق القصور.
ويجب أن لانستغرب أن يتبنى البعض في السلطة الإنتقالية اليوم مطلب الكيزان بالمصالحة وبما يمهد لهم العودة إلى مراكز القرار بخبث ودناءة الثعالب.
بداية ينبغي التنويه بأن وجود الكيزان على كراسي السلطة مدة 30 عام قد مكنهم من معرفة دبيب النملة في طول البلاد وعرضها ، ولا تخفى عليهم خافية . وأنهم كانت لهم أسرار خفية بالمشاركة مع الحركات المسلحة خاصة وأحزاب الفكّــة عامة. وأنهم يحتفظون بكافة الوثائق والمستندات المتعلقة بمذبحة فض إعتصام القيادة العامة ، وتلك الإعتصامات الست التي أشار إليها عبد الرحيم دقلو في إحدى كلماته الجماهيرية المرتجلة.
وأنه مثل ما رمى الكيزان المخلوع عمر البشير في الدرك الأسفل من هاوية المحكمة الجنائية الدولية ؛ وجعلوا منه نمر من ورق وألعوبة وأضحوكة محلية وخارجية ، يأتمر بأمرهم ويستعطف ويتسوّل وقوفهم إلى جانبه . فإن شبح إعادة نفس السيناريو ممكن بتسريب هذه الوثاق والمستندات المتعلقة بتفاصيل مذبحة فض إعتصام القيادة العامة التي لا يختلف إثنان في أن ضحاياها كانوا من الشباب والفتيان والفتيات المدنيين العُـزّل الأبرياء الأنقياء؟
وإذا سلّمنا بأن مأزق التوقيع بالموافقة على فض إعتصام القيادة العامة كان سبباً في إبتزاز الكيزان لقوى الحرية والتغيير التي أصبحت هي الأخرى تؤيد بعض مكوناتها على إستيحاء مقترحات المصالحة. فإنه تتعدّد الآراء في تفسيرها وتقييمها لمنطلقات مناداة قيادات الحركات المسلحة الموقعة على سلام جوبا بالمصالحة مع الكيزان من جهة . ومصاحبة ذلك بإنتقادها الحاد لعمل لجنة تفكيك نظام وتمكين إنقلاب الثلاثين من يونيو وفساده. ضاربين عرض الحائط بإلتزامهم إلتزام الشرفاء والرجال الأقوياء المبدئي بالبنود الرئيسية الجوهرية في الوثيقة الدستورية. وواقع أنهم على ذلك مؤَمِّنون مُوَقِّعون. وبما يحول دون ممارسة قفزات الضفادع وتنطيط القرود وحرنات الحمير.
بداية ينبغي لفت إنتباه الشباب الثوري وذوي القلوب البيضاء من الأغلبية الصامتة المستلقية على الأسِرّةِ الخضراء ، أن السياسة في ممارستها الإحترافية تظل دائما وأبداً أسوأ وأقبح وأردأ وجوه الإنسانية على وجه الأرض قاطبة.
والمصيبة هي قناعة السياسي قبل غيره بأن السياسي النظيف هو السياسي الفاشل .
ومن ثم ينبغي الوعي والإدراك أنه ليس بين محترفي السياسة وبعضهم البعض على إختلاف إنتماءاتهم الحزبية والطائفية ما يسمى بـ العدو أو الصديق الدائم. ولكنها مصالح وتفاهمات قبيحة ومساومات وتوافقات الضرورة تحت الطاولة وجنح الظلام. ولا يبقى سوى القليل النادر منهم من يعمل ممسكا بشعرة معاوية في جانبها السياسي الإخلاقي.
كذلك هناك من يعـزو السبب في هجمة دعوات المصالحة هذه إلى رغبة البعض في مساومة اللصوص الكيزان على نصف أو ثلثي مسروقاتهم ، مثلما سبق ومورست وخلُصَت إليها تلك المساومات مع لصوص نظام مايو 1969م و لوردات الإتحاد الإشتراكي بعد إنتفاضة أبريل 1985م...
والمسألة في نهاية المطاف ثقافة وعقلية أسيرة تراكمات من عهود سياسية حاكمة فاسدة سابقة سادت ثم بادت. وتظل كل الإحتمالات والتفاسير مفتوحة وواردة في غياب المؤسساتية وواقع أن القضاء والقانون في إجازة.
والبعض يذهب إلى القول بأنه قد ترتب على فترة الثلاثين عاماً من حكم الإنقاذ توريط متبادل في جرائم حرب دموية حمراء ونهب مسلح وإرتزاق ليبيا وتشاد ونواحي أفريقيا ، وفساد وأسرار وكتبٌ سوداء تراكمت على أكتاف كل طرف منهم ويعلم بها الطرف الآخر جيداً ويوثقها . ولكنه يتكتم عليها ويحتفظ بها لأفشائها في الوقت المناسب عند الضرورة والحوجة الماسة ؛ ويستفيد منها في مساومات وإبتزازات بين كل حين وآخر.
بل قد لانستغرب إذا شاهدنا وسمعنا بعضهم يلعن الآخر ويخلع نعليه ويضرب بعضهم بها بعضاً أمام الناس وعلى صدر الإعلام وجه النهار . ثم يخلعون سراويلهم وينامون معاً في سرير واحد تحت غطاء واحد في الظلمات وعواصم ومنتجعات أفريقيا.
هذه هي الممارسة السياسية في حاضنتها الحقيقية المعفنة ومستنقعها الآسـن ، ومستواها الحضيضي الذي قد يخفى على كثير من عامة الشعب والأغلبية الصامتة ، وعازفين الأوتار بالرومانسية والمردّدين للأناشيد القديمة.
إذن فقد تبين أن هناك أسباب عديدة ومصالح متشابكة ما بين الكيزان وبعض شركاء السلطة الإنتقالية هي:
تلك الأسباب الواردة أعلاه هي المتفق عليها بين كافة النشطاء في السوشيال ميديا بقدر أو بآخر .
ولكن الذي فات على البعض هو التداول في إحتمال وسبب آخر يتعلق بخوف الكيزان والحركات المسلحة ومليشيات الجنجويد من وضع بند "العدالة الإنتقالية" و "جبر الضرر" الوارد في إتفاقية سلام جوبا موضع التنفيذ . وبما يذخر به هذا الملف الدسم من تفاصيل مرعبة وهواجس لا تقتصر على منهوبات الأراضي الزراعية والرعوية المملوكة للقبائل وفقط وإنما ما يكتنف ذلك من فتح تحقيقات في التطهير العرقي والتهجير القسري والمذابح التي تعرض لها إنسان دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق على أيدي الكافّة . بل وحتى مأساة المناصير وتبعات سد كجبار.
بند العدالة الإنتقالية إن تم الشروع في تطبيقه سيتحول هو الآخر إلى شبيه مستنسخ طبق الأصل وأكثر ضراوة من لجنة تفكيك التمكين ومذبحة فض إعتصام القيادة العامة مجتمعين . وأثقل وأشد رعباً على المتورطين أجمعين.
وحتما أنه لو جرى التوسع في تطبيق بند العدالة الإنتقالية . فإن الأمر لا يخلو من أن تفوح روائح العمالة والإرتزاق والرشاوي المقبوضة ، والنهب والسلب ، والدماء والأشلاء والحرائق والمقابر الجماعية وتمتد إلى المجتمع الدولي . وبما لايعني تحريك شهية العدالة الدولية فحسب . ولكن الإطاحة داخلياً بالعديد من الرؤوس والقيادات الماثلة أوسط السلطة الإنتقالية ومجلس الشركاء ، وما بات يسمى مؤخراً بحركات الكفاح المسلح.
التعليقات (0)