كتب حسن عصفور/
كم هي تلك المصادفات السياسية التي جمعت ما بين موقف حركة حماس واسرائيل ، وبالتحديد أكثر غلاة التطرف اليميني الصهيوني وخاصة حزب الليكود، ولو عدنا لتعدادها منذ انطلاقة حماس عام 1988 فقط لاحتاج الكثير وقتا وورقا ، (ليس العودة لموقف الاخوان المسلمين في فلسطين منذ عام 1967 واحتلال الارض الفلسطينية كاملا ) ، ولكن التركيز فقط على ما هو حي وطازج كما يقال ..
فبالأمس يوم 15 /11 وهو يوم اختاره الشعب الفلسطيني يوما لاعلان الاستقلال الوطني ، تحدث بنيامين نتياهو في خطاب حمل كثير من الرسائل المعادية لفكرة الاستقلال الوطني ، وتوجيه تهديد صريح اذا ما اصر الطرف الفلسطيني الى السير باتخاذ الخطوات الكفيلة باعلان الدولة الفلسطينية ، وذات التوقيت ايضا ومن مدينة غزة يطل القيادي البارز ومسؤول الاعلام الجديد لحركة حماس وهو عضو منتخب بالمجلس التشريعي ، ليقول ان قرار الدول العربية والسلطة ومنظمة التحرير بالذهاب الى مجلس الأمن هو قرار لا قيمة له وخاطئ ولن يكون له تطبيق على الأرض ، ويعتبره هروبا ..( تهديدا لمحمية غزة واستقلالها)..
التوافق الزمني مصادفة بين الخطاب النتنياهوي وبين التصريح البردويلي ، لكن المضمون حتما ليس بمصادفة ، خاصة أن كلاهما ينطلق من ذات الأرضية السياسية ، العداء المطلق لاتفاق اوسلو عام 1993، وتبادلا المصالح منه وحوله خاصة عام 1996 عندما قدمت حركة حماس هديتها الانتخابية بالتعاون مع طرف عربي بسلسلة عمليات ضد المدنيين الاسرائيلين اتت بالليكود لسدة الحكم 1996 ، لذا ماكان من موقف متماثل حول رفض اعلان الدولة الفلسطينية أو الذهاب لمجلس الأمن من حماس واسرائيل هو تماثل سياسي بامتياز .
فاسرائيل ترى في الحديث عن اعلان الدولة والذهاب لمجلس الأمن تغييرا جذريا في لعبة التفاوض من اجل التفاوض الشاميرية الشهيرة ، وقد جاء اعلانها كقرار عربي من خلال لجنة المتابعة ، رغم المرارة القطرية والسورية للقرار ، ليشكل خطوة هجومية في مواجهة التلاعب الاسرائيلي ، ولعلها الخطوة الأهم منذ سنوات تخرج عن موقف عربي وقبله موقف فلسطيني ، وهو أول محاولة جادة لـللتمرد على مجريات عملية السلام القائمة كما قال د. ناصر القدوة القيادي الفتحاوي البارز ..
ولا شك أن هذا التمرد يمثل ارباكا لا حساب له في المخطط الاسرائيلي القائم اساسا على حسابات معلومة لرد الفعل الاسرائيلي حتى العسكري منه ، أما التمرد السياسي المحسوب بوعي ومخطط ، هو ما لم يكن محسوبا في دوائر صنع القرار الاسرائيلي ، ليس فقط بسبب الانقلاب والانقسام بل لمعرفتهم بحسابات بعض العرب ، ولكن يبدو أن هناك قرار يصنع في مكان آخر لوضع حد لمهزلة التفاوض الحالية التي تدور رحاها لتنتج صوتا دون دقيقا ..
أما حركة حماس والتي لم تصمت ، كما كان يجب ، فأصرت على كشف مستورها السياسي التوافقي مع اسرائيل برفض التمرد الفلسطيني – العربي واعتبرته هروب وغير واقعي وأنه كلام بلا جدوى ولا قيمة سياسية .. ملاحظات كان لها أن تكون قيمة وجادة ومسموعة لو أن حماس جزء من الشرعية الوطنية الفلسطينية ولبست في مواجهتها ، كان يمكن أن يكون راي ينطلق من مصلحة وطنية لو أنها لم ترفض ، ولا تزال ، انهاء حالة الانقسام السياسي وهو الهدية الأهم للمحتل الاسرائيلي وفقا لتصريحات قادو العدو في الأيام الأخيرة ، خاصة مسؤول الاستخبارات العسكرية ورئيس اركان الجيش الاسرائيلي .
ظهور حماس للتعاكس مع الموقف العربي الفلسطيني وتوافق مع موقف اسرائيل ضد التوجه العام نحو مجلس الأمن ، هو رسالتها السياسية لخصوم التمرد وتكريسا للواقع الراهن ، احتلال متواصل الى حين في الضفة الغربية وحماية محمية قطاع غزة الحمساوية الى حين التفاهم العام مع امريكا واسرائيل على اعادة التقاسم الوظيفي الجديد .. ولذا جاء الكلام البعيد عن المصادفة ليكون بعضا من محاولة الموافقة بينهما .. خيارات متشابهة بلغة مختلفة .. ضد الاستقلالية الوطنية الفلسطينية ودولتها المنتظرة .. انها بداية نهاية كذبة شجاعة يا حماس..
ملاحظة : الحديث الدافئ بين وليد المعلم ومراسل صحيفة اسرائيلية من باريس رسالة هل تصل لبعض الغاضبين من ملاحقة المساومات السورية ..
التعليقات (0)