يبدو أن عقولنا لم تتخطى أزماتها المتوالية عبر تاريخنا الماضى والحاضر ، ويبدو أننا لم نشفى من النكسات المستمرة التى نواجهها ويعانى منها الفكر الإنسانى فى منطقتنا " العربية " الخاضع للخرافات العجائزية للتراث السحيق.
لا أعرف كيف يمكن أن يصل تفكير إنسان إلى مصادرة حق إنسان آخر فى أن يحلم بما يشاء ؟ كيف تصل مشاعرنا وأفكارنا إلى درجة المطالبة بالرجم لإنسان يحلم أو يطالب بتحقيق حلمه ؟ أية عنصرية إنسانية أفظع من ذلك؟ ومن أنت يا إنسان لتطالب برجم وقتل أخيك الإنسان عقاباً له على أحلامه؟ هل وضعك الإله قاضياً وريث هتلر النازى لتنفذ أحكامه الفاشية على الناس ؟ كيف يتجرأ عقل بشرى على سجن أحلام البشر ؟ متى نفهم حدودنا وأننا بشر ولسنا قضاة ظالمين !
إن القضية أكبر من حق تقرير المصير لشعب أو أقلية أو أكثرية ، القضية تكمن فى التحول الكبير لشعوبنا العربية إلى دكتاتوريين صغار يمارسون نازيتهم المكبوتة ضد بعضهم البعض ، لأنهم عاجزون أمام الأنظمة والحكام لذلك يلجأون إلى التعويض عن فشلهم فى الحصول على حريتهم وديمقراطيتهم فى الهجوم وتجريد الآخر من حريته .
كان المقال سبب الرجم بعنوان "هل آن الأوان لأفتح لكم قلبي أيها العراقيون ؟ لكم وطنكم ولنا وطننا.." للكاتبة والشاعرة فينوس فايق التى طالب بعدها أحدهم برجمها لأنها تحلم بحق تقرير مصير شعبها ، تحلم بوطن لها تعيش فيه هويتها الحقيقية بحرية ، ولم أجد فى مقالتها الرقيقة إلا كل ما يمكن أن نهنئها على شجاعتها فى التعبير عن حقوقها المشروعة فى كتابة أفكارها وأحلامها.
الذين يطالبون برجم الأخت فينوس فايق لأنها عبرت بصدق عن حلم حياتها ، لماذا لا يطالبون برجم صدام حسين وزمرته المشهورة ؟ هل فقدنا قدرة التمييز بين الحق والباطل ؟ لماذا تتحول عقولنا إلى معامل لتفريخ فئران تهرب أمام الإرهابيين من فئة صدام حسين وبعثييه ، فى الوقت الذى تتحولون فيه إلى طغاة أمام أحلام أمرأة تعرف مسبقاً أن حلمها لا مكان له فى عالم السياسة العصرى ؟
أنتظرت قبل كتابة هذه الكلمات أن يخرج علينا كاتب مقال الرجم بمقال آخر يوضح لنا دفاعاً أو هجوماً ، لكنه لم يفعل وأكتفى بكلماته الراجمة للغيب وللأحلام الإنسانية ، وهذا الإسلوب التعسفى فى إصدار التهم والإدانة والأحكام المميتة ، يجعلنا نحلم بأوطان حقيقية يتربى فيها ابناءها على الحوار وقيمته فى أحترام الآخر وما يصدر عنه من أفكار وإبداع بشرى جدير بالقراءة والنقد المنزه عن المشاعر العنصرية الغير حيادية.
إن الكاتبة والشاعرة فينوس فايق لم تحلم بقطع رأس عراقى أو أجنبى حتى تسارعون فى إصدار أحكامكم الجاهلية ، إن أصوات الرجم لم تعرف معنى المحبة فى حياتها ، إنها أصوات نشأت على إنشاد اللعنات إلى إله لا يقبل من تابعيه إلا قرابين اللعنة والخراب والدم المسفوك .
إنها لن ترجمكم بالجمرات أو بحجارة من جهنم الحمراء بل قالت فى مقالتها " لن أرجمكم بل أمطركم حباً و نرجساً أقطفه لكم من جبال كوردستان.. "
أحلمى كما تشائين فأحلامك لن تؤذى أحداً ، لكن طلقات الرصاص وكلمات الرجم هى أكبر مفسدة لأرواح البشر وعقولهم ، إنها أكبر عاهة أصابت الإنسان " العربى " فى عصرنا الحاضر والتى ورثتها المجتمعات من عصور الإنحطاط العربى ولم تتخلص منها.
احلموا يا بشر كما تشاءون بتقدم أوطانكم وبإزدهار حياتكم ، احلموا بأنتصار المحبة على الكراهية الدفينة ، احلموا بالحرية لأفكاركم وإجعلوها تسبح فى فضاء رحب فسيح يسع كل البشر وكل الأوطان وكل الأحلام .. وهنيئاً لكم بأحلامكم .
2004 / 11 / 15
التعليقات (0)