مواضيع اليوم

مشهد من حياة الخليفة في الدولة الاسلامية

عمادالدين رائف

2009-02-14 15:43:51

0

بما انه اليوم الجمعة الذي تكتظ به المساجد بالمصلين ليستمعوا الى خطب ممثلوا تيارات الاسلام السياسي وهم يعبئون المؤمنين بالخطاب الموروث عن عزة الدولة الاسلامية، دولة الخليفة المعصوم، الذي حكم بما نزل الله منذ ما يقرب من 1400 سنة حتى سقوط دولة الخازوق العثمانية، مستعينين بكل ما سطره علماء السلطان، واحاديث الرواة الافاقون، وبكل ما ابتدعته الاساطير وخرافات الاولين ويدعون الناس للجهاد من اجل اقامة نظام الخلافة، وعودة الخليفة المخلص، الذي سوف يحكم بلاد المسلمين من حدود موريتانيا الى الصين. . ويتمكن فارس مسلم من التبول على كرسي بابا الفاتيكان.

فانه يتعين وجود خطباء اخرون يواجهون هذا السيل العرم الذي يجرف في طريقه الملايين، يكشفوا زيف الخطاب التاريخي الذي يشيعه رموز الاسلام السياسي، ويحمي الناس من الكذب والخداع باسم الدين، ويعرضوا صورة حقيقية للتاريخ الذي يبين بالاف الادلة والقرائن ان غالبية خلفاء المسلمين كانوا طغاة مستبدين، شغلتهم امور السلطة قبل الدين، فأعملوا السيف والقتل باسم الله ورسوله والمؤمنين، وقمعوا كل معارضة واجهتم بدموية ووحشية وكلها من المسلمين.

وفي سياق مواجهة الخرافات والاباطيل اعرض مشهدا من التاريخ وتحديدا ذاك المشهد عشية وفجر تأسيس  الدولة العباسية على ركام الدولة الاموية.

فاذا كان الصراع على السلطة باشكاله المختلفة قد بدأ مباشرة بعد وفاة الرسول (ص)، وتصاعد بصمت غالبا وعلنا احيانا بعد وفاة الخليفة الاول ابو بكر الصديق، وتفاقم في عهد عمر بن الخطاب سرا وانتهى بمقتله اثناء الصلاة بالمسجد، واستمر يتصاعد في عهد الخليفة عثمان بن عفان، الذي انتهى قتلا ايضا، وتفاقم الصراع بحدة وعلانية بعد ذلك بين علي بن ابي طالب ومعاوية بن ابي سفيان، وانتهى بقتل علي وسيطرة معاوية على السلطة ليقول جملته الشهيرة "لقد اغتصب بني هاشم السلطة منا 40 سنة، وهذه بضاعتنا ردت الينا".

واستمر الحكم في اسرة بني امية (وهي الاسرة الاكثر ثراء في مكة قبل الاسلام واشهر تجارها) نحو 99 سنة شهدت بلاد المسلمين خلالها نقلة نوعية حضارية مقارنة بما كانت عليه دولة الخلافة الراشدة بالمدينة.

واستكان الهاشميون وخضعوا للامويين ضعفا وقلة حيلة، رغم ان محاولاتهم لم تتوقف لاستعادة ملكهم الضائع.

وفي العقد العاشر من عمر الدولة الاموية بدأت معالم الانهيار، فبعد وفاة الخليفة هشام بن عبد الملك، بويع ابن اخيه " الوليد بن يزيد" بالخلافة، لكن ابن عمه "يزيد بن الوليد" ثار عليه واعتبر انه الاحق بالخلافة، واشاع انصاره ان الوليد كان منهمكا بالملذات مشغولا باللهو، فاجتمع بعض أهل دمشق واتفقوا على خلعه وقتله، بعد أن قضى فى الخلافة 14 شهرا،  لكن يزيد الذى وصفه أنصاره بأنه كان ورعًا تقيّا محافظًا على الدين راعيًا للإسلام والمسلمين، لم يستمر فى الحكم سوى خمسة أشهر وعدة أيام حيث مات بالطاعون. ليخلفه اخاه "إبراهيم بن الوليد"، وبعد سبعين يوما فقط من توليه الخلافة ثار عليه ابن عمه مروان بن محمد بن مروان بن الحكم انتقاما للوليد بن يزيد. وقام بخلعه، وتولى الخلافة مكانه، وتابع انصاره ملاحقة الخليفة المخلوع ابراهيم الذي هرب من دمشق حتى عثروا عليه وقتلوه.

وفي عهد مروان اضطربت الاحوال ونشطت الفتن والثورات وانتهز العباسيون هذه الاوضاع، فنشطت دعوتهم لاسقاط الخلافة الاموية واوعزوا لرجلهم القوي ابو مسلم الخراساني الذي حمل دعوتهم فاستولى على خراسان، ثم على نيسابور، واظهر دعوته علنيا لبني العباس. فأعد الخليفة الاموي مروان جيشا سار على راسه للقضاء على العباسيين فالتقى بجيشهم عند نهر الزاب، فتغلب عليه بنو العباس، وهرب الى دمشق فلاحقوه واحتلوا دمشق فهرب الى مصر، فواصلوا مطاردته حتى قتلوه في احدى قرى صعيد مصر.

 

خلافة السفاح

وتولي الخلافة عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بو العباس السفاح" الهاشمي العباسي، كأول خلفاء بني العباس سنة 132هجرية، والذي ظهر علنا لأول مرة بالكوفة حيث بايعه الناس واعتلى المنبر ليلقي خطبة قال فيها " "الحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه وكرمه وشرفه وعظمه واختاره لنا فأيده بنا وجعلنا أهله، وكهفه، وحصنه، والقوام به والذابين عنه والناصرين له فألزمنا كلمة التقوى وجعلنا أصحابها وأهلها وخصنا برحم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته وأنشأنا من آبائنا وأنبتنا من شجرته واشتقنا من نبعه ولقد "زعمت الشامية الضلال" أن غيرنا أحق بالرياسة والسياسة والخلافة منا، فشاهت وجوههم.. لقد وثب بنو الحرب، وبنو مروان، فانبذوها، وتداولوها، فجازوا فيها واستأثروا بها وظلموا أهلها.. فانتقم الله منهم بأيدينا، ورد علينا حقنا، وتدارك بنا أمتنا وولي نصرنا.. وختم بنا كما فتح بنا وإني لأرجو أن لا يأتيكم الجور من حيث جاءكم الخير ولا الفساد من حيث جاءكم الصلاح..يا أهل الكوفة، أنتم محل محبتنا ومنزل مودتنا قد زودناكم في أعطياتكم مائة درهم فاستعدوا فأنا السفاح المبيح والثائر المنيح".

وفي هذه الخطبة القصيرة تتضح الدوافع الحقيقية للثورة العباسية على بنو حرب وبنو مروان الامويين، وهي ان العباسيين الهاشميين هم "أحق بالرياسة والسياسة والخلافة"

وقضى السفاح السنوات الاربع في حكمه في عملية تطهير دموية ضد بني امية فقتل اطفالهم ونسائهم ونبش قبورهم، وأفنى اثرهم، وقام بمذابح فظيعة قتل خلالها جميع بني امية الا من تمكن من الهرب الى الاندلس كما قتل عشرات الالوف من مؤيديهم ، وقضى تماماً على أي أمل بعودة الحكم الأموي .

وبعد ان استتب له الامر وقف أبو العباس السفاح ينشد قائلاً:

بني أمية قد أفنيت جمعكم

فكيف لي منكم بالأول الماضي

إن كان غيظي لفوت منكم

فلقد منيت منكم بها ربي به راض.

 

خلافة المنصور

وخلف ابو العباس اخيه ابو جعفر المنصور والذي يعتبر المؤسس الحقيقي للدولة العباسية.

فبعد وفاة السفاح بايعه اهل العراق وخراسان، لكن عمه عبد الله بن علي والذي كان اميرا على الشام رفض مبايعته لاعتقاده انه اولى بالخلافة، فارسل ابو جعفر اليه ابا مسلم الخراساني فهزم جيش "التمرد" وقتل عبد الله بن علي. وأخضع الشام لابي جعفر المنصور.

لكن ابو جعفر بدأ يشعر بخطورة ابي مسلم واتساع نفوذه فقرر التخلص منه، رغم انه هو القائد الحقيقي للثورة على الامويين، وهو الذي جاء ببني العباس الى السلطة، فحاك المنصور له خديعة احضره بمقتضاها الى بغداد حيث قطع راسه ، واعتلى المنبر ليلقي خطبة في الناس قال فيها:

 "أيها الناس، لا تخرجوا من أنس الطاعة إلى وحشة المعصية، ولا تمشوا فى ظلمة الباطل بعد سعيكم فى ضياء الحق، إن أبا مسلم أحسن مبتدئًا وأساء معقبًا، فأخذ من الناس بنا أكثر مما أعطانا، ورجح قبيح باطنه على حسن ظاهره، وعلمنا من خبيث سريرته وفساد نيته ما لو علمه اللائم لنا فيه لعذرنا فى قتله، وعنفنا فى إمهالنا، فما زال ينقض بيعته، ويخفر ذمته حيث أحل لنا عقوبته، وأباحنا دمه، فحكمنا فيه حكمه لنا فى غيره، ممن شق العصا، ولم يمنعنا الحق له من إمضاء الحق فيه".

 

واغضب مقتل الخراساني رجلا مجوسيا اسمه "سندباد"، فثار على المنصور، والتف حوله كثيرون من اهل خراسان، وهاجموا المسلمين في "نيسابور" و"قومس" و"الرى"، فنهبوا الأموال وقتلوا الرجال وسبوا النساء، ثم تبجحوا، فقالوا: إنهم عامدون لهدم الكعبة، فأرسل إليهم المنصور جيشًا بقيادة جمهور ابن مرار العجلى، فهزمهم واستردَّ الأموال والسبايا.

 

لكن جمهور لما هزم سنباد، واسترد الأموال وكانت خزائن أبى مسلم الخراسانى من بينها، طمع "جمهور"، فلم يرسل المال إلى الخليفة المنصور، بل ونقض البيعة ونادى بخلع المنصور، فأرسل المنصور "محمد بن الأشعث" على رأس جيش عظيم، فهزم جمهورًا واسترد الاموال والسبايا (المهم السبايا) وارسلها للمنصور.

وما ان انتهى المنصور من سندباد وجمهور حتى اندلعت ثورات الخوارج حيث خرج "مُلَبّد بن حرملة الشيبانى" فى ألف من أتباعه بالجزيرة من العراق، وانضم إليه الكثيرون، فغلب بلادًا كثيرة، إلى أن تمكنت جيوش المنصور بقيادة خازم بن خزيمة من هزيمته.

لكن الخوارج عادوا للثورة من جديد في الموصل هذه المرة تحت قيادة "حسا بن مجالد الهمدانى"، إلا أن جيش المنصور هزمه شر هزيمة هو الاخر.

ثم واجه المنصور ثورة أخرى للخوارج من طائفة "الراوندية" ينتسبون إلى قرية "راوند" القريبة من أصفهان. ومن غرائب هذه الطائفة انها كانت تؤمن بتناسخ الأرواح، وزعموا أن روح آدم انتقلت إلى واحد يسمى "عثمان بن نهيك" وأن الملك جبريل احد رجالهم وهو الهيثم بن معاوية ، وزعموا أن ربهم الذى يطعمهم ويسقيهم هو "أبو جعفر المنصور"، فراحوا يطوفون بقصره قائلين: هذا قصر ربنا. فقاتلهم المنصور حتى قضى عليهم جميعًا بالكوفة.


لكن أخطر الثورات التى واجهت المنصور كانت ثورة العلويين بقيادة محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن على، وكان من أشراف بنى هاشم علمًا ومكانة، وكان يلقب بـ "النفس الزكية" وكان العباسيون ومنهم ابو جعفر المنصور ذاته قد بايعوه على الخلافة في أواخر الدولة الأموية، فلما تولى المنصور الخلافة لم يكن له هم إلا الحصول على مبايعة النفس الزكية واتباعه ، لكن محمد رفض مبايعة المنصور وثار عليه وايده كثيرون، وخرج اخوه ابراهيم في البصرة والتف حوله كثيرون ايضا، وبعث المنصور إلى "محمد النفس الزكية" يعرض عليه الأمن والأمان له وأولاده وإخوته مع توفير ما يلزم له من المال، فاجابه "محمد" بأن طلب من المنصور نفسه أن يدخل فى طاعته هو؛ حتى يمنحه الأمان.

فسير المنصور جيشا الى المدينة وقتل محمد النفس الزكية والاف من اتباعه، وسار جيشا اخرا الى البصرة، فقضى على ابراهيم واتباعه في معركة جرت قرب الكوفة.

 

ثم اندلعت ثورة جديدة في خراسان وانضم اليها اكثر من 300 الف واستولوا على كثير من البلاد في تلك المنطقة، وقتلوا كثيرا من المسلمين، وهزموا جيوش الخليفة، فارسل المنصور جيشا قوامه 40 الف رجل فقضى على الثورة بعد ان قتل عشرات الالاف ويقال 100 الف من الثائرين.

 

هذا مجرد مشهد قصير من التاريخ عن مجد الخلافة الاسلامية التي تبشرنا بها تيارات واحزاب وجماعات الاسلام السياسي.

 

ابراهيم علاء الدين

alaeddinibrhim@yahoo.com

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !