ليست مبالغة لو قلت إن هناك عشرات الملايين من ابناء الشعب العربي يتوزعون في بلاد المهجر, ويعيشون مواجهة غير مسبوقة بين الاصل والفرع, وصار الوطن بالنسبة لهم مطلبًا ملحًا, ذلك انهم أصبحوا وضمن قائمة الاهتمامات العربية أمرًا ضروريا في كل الأحوال.
ومما لاشك فيه أن العيش في المهجر هي مهمة صعبة, وإنها لأصعب في ظل الظروف الحالية التي يعيشها العالم وخصوصا العرب, وذلك بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
هناك من عاش في المهجر طويلا", فعاصر عن قرب كثيرًا من التحديات التي تواجه مجتمعنا العربي في المهجر. فتوصل إلى أنه إذا أردنا أن نعرف كيف نتفاعل مع هذه التحديات, فعلينا أن نبتدئ بالبديهيات: ماذا يريد هؤلاء كي يكونوا مستقبلا"? إجابة هذا السؤال كثيرًا ما تكون: نريد أن يحتفظ بدينهم وقيم آبائهم وان يبقوا على اتصال دائم بأوطانهم.
إذن يواجه المهاجرون إلى العالم الآخر نوعين من التحديات نوعًا يواجهه عامة المهاجرين, ونوعًا آخر يواجهه المسلمون, لأن دينهم وبعض قيمهم تختلف عن دين وقيم المجتمعات الأخرى .
إن التحديات التي يواجهها معظم الشباب العربي المهاجر تنبع من عوامل عدة منها انشغالهم بالعديد من الإمكانات المتاحة لهم خاصة في بلد كثير الرفاهية مثل الولايات المتحدة الأمريكية. لكنهم لا بد وأن يعملوا ساعات عمل طويلة أو يعملوا في أكثر من عمل, مدفوعين إما بإحساس عدم الاطمئنان في بلد المهجر, حيث المال قد يعطيهم الطمأنينة التي يفتقدونها لعدم وجود الأهل, أو بإرادة تملك الكثير من أوجه الرفاهية التي تحيط بهم.
الأمر الآخر أن عدم وجود عائلة ممتدة من أجداد وإخوة وأخوات يشكّل تحديًا آخر لهؤلاء الشباب في المهجر, فالعائلة الممتدة تساعد على نقل الدين والقيم من جيل إلى آخر.
ومن الواضح أن عدم وجود عائلة ممتدة وتعدد الإمكانات المتاحة لهم, كلها عوامل تقلل من قدراتهم على التواصل مع أوطانهم ونقل قيم هذه الأوطان لهم.
إن من التحديات الأخرى في بلاد المهجر نمط الحياة السريع, الذي لا يعطي الإنسان وقتًا للتأمل, وبالتالي لا يساعده على معرفة هويته أو الحفاظ عليها عن طريق الترجمة المتأنية للمعلومات التي ينقلها من العالم الخارجي إلى عالمه الداخلي.
وبالإضافة إلى نمط الحياة السريع, فوسائل الإعلام - خصوصًا القنوات الفضائية - تتدخل بقوة في تشكيل صورة الإنسان لعالمه ولنفسه, حيث يجد الإنسان صعوبة في الاحتفاظ بهويته, ويجد صعوبة في تطوّير هوية خاصة بهم تتلاءم مع قيمه وهويته الأصلية.
كما علينا أن نضع في الاعتبار أن الشخصية الغربية شخصية كثيرة الاستقلال, فيتعلم الشباب المهاجرين هذه الصفة من مجتمعهم الذي يعيشون فيه. ويجدون صعوبة في التعامل مع تلك الشخصية الغربية, لأن شدة استقلال الشخصية صفة غير شائعة في معظم أنحاء العالم العربي حيث ان الترابط العائلي والاعتماد على الاهل اقتصاديًا يحد من استقلالية الشباب . أما فيالغرب, فنجد شابا" صغيرا" في السادسة عشرة من عمره, لم ينته بعد من بناء شخصيته, ولا يمتلك حق التصويت في الانتخابات, يستطيع هذا أن يحصل على عمل يمكّنه من الاستقلال في معيشته خارج منزل والديه.
مشاكل الهوية وعدم وجود العائلات الممتدة والاستقلال المبكر هي مشاكل تواجهها الأقليات والمجموعات العرقية سواء كانت من العرب أو الهنود أو المسلمين أو المسيحيين, إلا أن هناك بعض المشكلات الخاصة بالمسلمين فقط في اوروبا وأمريكا, وقد تضاعفت بعد الحادي عشر من سبتمبر. فمن المعروف أن الإعلام الغربي متحمّس في هجومه سواء الجليّ أو المستتر على المسلمين, ويشعر الشباب المسلم بذلك, ويعاني منه, ولسنا هنا في حاجة الى التاكيد على ذلك ، فالشواهد كثيرة وتصل الى حد الخطورة خصوصا" عندما نتحدث عن الولايات المتحدة الامريكية ، وكيف يعيش الشباب العربي هناك .
ولو اردنا ان نتحدث عن الجذور الغائبة في مشكلات الهوية والاستقلال المبكر لدى الشباب العربي المهاجر الى حيث هاجر ، فاننا من الضرورة بمكان ان نتطرق الى ما يمكن ان يكون مرتكزًا للكينونة ، واقصد هنا ذلك المفهوم الذي يجلبه الشباب العرب معهم من الوطن, وهذا المفهوم وهو (الهوية) يشكّل تحديًا كبيرًا لهؤلاء الشباب الذين يسعون للحفاظ على هويتهم العربية . ففي المهجر لا توجد وزارات للتنمية السياسية, ويجد المجتمع العربي والاسلامي في المهجر أن عليه أن يعلم أعضاءه اصول الابقاء على الانتماء والولاء للاوطان كي يستطيع هذا المجتمع في المهجر القيام بالمسئوليات التي كانت تتحملها الجهات الرسمية في البلاد الام .
التعليقات (0)