هل هي خطوة إصلاحية في اتجاه التغيير و الرقي بالمغرب إلى دولة حديثة ديمقراطية ، دولة القانون و العدالة، ذات مؤسسات دستورية فاعلة و مستقلة ؟ هل كسب المغرب و الشعب المغربي رهان التغيير الذي ناشدته باقي شعوب المنطقة و ردت بالرصاص و التعنيف؟ هل ينفض جمع المتظاهرين و تعود الحياة لطبيعتها فقد لبى النظام طموح الجموع ؟ يالمقابل، هل المشروع بحق دستور جديد مغاير أم تنازل بسيط لا يرقى إلى التعديل الجذري، و ما هو إلا مجرد مناورة لإمتصاص ظاهرة الاحتجاج المنتشرة و المتأثرة بما يقع في محيطنا العربي؟
أظهر التلفزيون المغربي الرسمي مئات المواطنين المبتهجين بإعلان الدستور الجديد الذي سيتم الاستفتاء عليه فاتح الشهر القادم، خروج جاء بعد الخطاب الملكي مباشرة، الصور أظهرت و في مدن مختلف من أرجاء المغرب تظاهرات و مسيرات فرح بلافتات معدة و تحت عناوين نقابية و حزبية و هيئات مدنية أخرى.....، أمر يوحي بأن هذه الفرحة الجماهيرية لم تكن عفوية بقدر ما فيها نوع من التدبير و التوجيه. حملة إعلامية بدأت سريعا، اتجاه نحو إقرار الدستور بنسب تفيد الإجماع الشعبي و المباركة، فمن سيعارضه؟ العدمية أم المتطرفة؟
هل يفهم المواطن العادي ما عدل في الدستور و غير؟ هل يدري ما طبيعة الدستور الأول حتى يفقه كنه الإصلاحات المستحدثة؟ الإعلام الرسمي يتحدث عن مشروع تاريخي، لا نملك في المغرب إعلاما معارضا يوازي الإعلام الرسمي كي يقدم وجهة نطر مغايرة ، القنوات الأجنبية تحدثت بشكل عام: بمقتضى الدستور الجديد، الملك يتنازل عن بعض صلاحياته لرئيس الحكومة ( الممثل من طرف الكتلة النيابية الأكثر تمثيلا في مجلس النواب)، السلطة القضائية خرجت من عباءة وزارة العدل لتصبح سلطة ذاتية تحت رئاسة الملك، اللغة الأمازيغية لبست ثوب الرسمية ولو بمرتبة دون العربية.........هل يعني ذلك أننا تحولنا إلى ملكية برلمانية كما في الجارة الشمالية اسبانيا مثلا؟
يحتفظ الملك بسلطته الدينية كأمير للمؤمنين، و العسكرية كقائد أعلى للجيش و رئيس لمجلس الأمن، و رئيسا للسلطة القضائية كما أنه رئيس الدولة و ضامن وحدتها....، بموجب ذلك يبقى الملك ممسكا بزمام التسيير و الحكم و إن تنازل عن بعض صلاحياته للسلطة التنفيذية و التشريعية.
الأحزاب السياسية و النقابات سارعت إلى مباركة الدستور، في هذه الظرفية قد تظن أنها كسبت نقاطا في معاركها الوجودية دون أن تحارب لأجلها، ففي عهد الملك محمد السادس لم تتجرأ هذه الأحزاب لتطالب بإصلاحات سياسية تواكب " العهد الجديد"، و ما راج عن مذكرة الإتحاد الإشتراكي سنة 2009 كان من باب المزايدات الإعلامية و البحث عن تعاطف شعبي ضيعه الحزب في انتخابات 2007. هذه الأحزاب تتطلع لإنتخابات مبكرة لجني ثمار العملية السياسية الجديدة، قد تنجح في بقاءها في البرلمان بأعيانها و رجالاتها لإعتبارات عديدة: الجهل و استعمال المال و البعد القبلي و الجهوي......وقد تفاجأ بمعاقبة الناخب المغربي لها.
الإعلام رسمي إذن تحدث عن تأييد شعبي، و لاستمرارية هذا الخطاب ستستعرض الدولة هذا التأييد من خلال مظاهرات و لقاءات شعبية تشيد بهذا المشروع الحداثي......، و ستحاول الدولة جاهدة تقزيم دور المعارضين للمشروع خاصة من الأحزاب اليسارية الراديكالية أو من جماعة العدل و الإحسان المحظورة و إظهار أنهم قلة نشاز لا يمثلون صوت الشارع المغربي، هو تحدي كبير أمام الدولة و أحزابها و السائرين في فلكها و بين حركة 20 فبراير و من يؤثثها من هيئات سياسية و مدنية، هذه الأخيرة أجابت سريعا برفضها للدستور " الممنوح" الدعوة للتظاهر يوم الأحد 19 يونيو، فحسب الحركة لم يأتي المشروع بجديد، الناشط نجيب شوقي و حسب موقع لكم الإخباري قال "أن المشروع مثلما اقترحه الملك الجمعة لا يستجيب لمطالبنا من اجل فصل فعلي بين السلطات. وسنحتج سلميا الأحد على هذا المشروع". و حسب الموقع نفسه قال احمد مدياني من فرع الحركة في الدار البيضاء "إن تنسيقية الدار البيضاء قررت التظاهر سلميا الأحد لان الموقع الديني للملك تعزز جدا. انه أمر مقلق جدا". وأضاف مدياني "أن الملك يحتفظ بمعظم صلاحياته كلاعب سياسي. لم نكن نتوقع ذلك. فقد أصبنا بخيبة الأمل".من جهتها حركة العدل و الإحسان رفضت مشروع الدستور " الأحادي " حسب بيان الناطق الرسمي باسم الجماعة.
ربما الدولة توقعت رفض الحركة إضافة إلى أطراف أخرى محسوبة على التيار الأمازيغي، هذا قد يفسر الحملة التي دشنتها بعض الأجهزة الصحفية و بعض الشخصيات السياسية التابعة لها أو لأحزاب تقليدية ضد اليسار ( وصف بالعدمية) و العدل و الإحسان ( الظلاميون و المتطرفون)، الحملة تجاوزت الحدود الأخلاقية لتصل إلى الطعن في شخصيات بعينها و تشويه صورتها.......
يوم الأحد بالطبع سيكون يوم تحدي للدولة، كيفية تعاملها مع المظاهرات التي ستنظمها الحركة، و هل ستنجح هذه الأخيرة في المحافظة على ثقلها في الشارع ؟ التحدي أيضا في كيفية تعامل النظام مع أي حملة دعائية ضد الدستور و هل ستعطي للرافضين نفس المساحة الإعلامية للموالين المؤيدين؟ تحدي آخر يتمثل في شفافية الاستفتاء، هل سيقوم المخزن خاصة في البوادي بالتأثير في طبيعة الانتخاب و توجيه المواطنين ؟ مسألة أخرى، ماذا بعد التصويت على الدستور؟ هل يكفي تعديل الدستور لتوقيف حركات الاحتجاجات؟ لم يخرج المواطنين في الآحاد السابقة فقط من أجل الدستور و الإصلاح السياسي، شباب 20 فبراير خرج سخطا على الوضع الاقتصادي، على تفشي الفساد و الزبونية و المحسوبية و احتكار الثروة، على ضعف القدرة الشرائية و هزالة الأجور، على البطالة على التهميش الذي تعاني منه مدن و مناطق مغربية من حيث التنمية و البنية التحتية ، على الوضع الصحي و التعليمي، على الواقع الحزبي و السياسي المرقع بأحزاب لم يعد يعرف يمينها من يسارها.....
التعليقات (0)