مواضيع اليوم

مشروع الجزيرة من الخصخصة الي المنهبة

أميرال الاميري

2010-05-30 08:16:41

0


مشروع الجزيرة من الخصخصة الي المنهبة

محمد الامين عبد النبي ، في 23 نوفمبر 2009 م الصحافة

 

التحرير الاقتصادي والخصخصة ذلك الشبح المدمر طالت يده اضخم المشاريع الاقتصادية والاجتماعية (مشروع الجزيرة) ضمن سلسلة من الخصخصة والتي تعنى لدينا في السودان (التصفية) والبيع لكل مقومات دولة الرعاية الاجتماعية ليحل محلها اقتصاد السوق المتوحش والمشوه في ظل تراجع دول المنبع عنه والاعتراف بالاخفاق في رفاهية الشعوب وازالة الفقر والعطالة وتحنط النقيض (الاشتراكية) عن التطور وتحقيق جنة الله في الارض التي وعدت بها البشرية ونمو اتجاه عالمي للبحث عن طريق ثالث كمخرج من الأزمة الاقتصادية العالمية، في هذه الاجواء التي تستدعى الحفاظ على مقومات الاقتصاد الوطني وركائز التنمية والعمل من اجل اصلاحها، نجد ان الحكومة السودانية اتجهت للعكس والخلط ما بين الخصخصة والتصفية للخروج بشئ مشوه وصفه الامام الصادق المهدي في المؤتمر الخامس لتحالف مزارعي الجزيرة والمناقل بطيبة (المنهبة) لأكبر مشروع زراعي في العالم وعملاق الاقتصاد الوطني مساحةً وعطاءً وانتاجاً. فنهب مشروع الجزيرة بهذه الصورة ذات عدة مؤشرات بما له من أهمية وتاريخ واعتبارية لدى الشعب السوداني، منها ما هو خارجي يتعلق بسياسة التحرير الاقتصادي وفق رؤية وضغوط البنك الدولي وابراز الهيمنة على مكتسبات البلاد، واشارة واضحة لدعاة الرأسمالية (اننا جئنا بما لم تستطعيوه)، ودعوة صريحة للمستثمرين الاجانب، ولعل الجميع قد لاحظ تعدد مؤتمرات الاستثمار في الاونة الاخيرة والاهتمام بالاجنبي أكثر من المواطن السوداني أما المؤشرات الداخلية فتتجلى في افقار وتشريد المزارعين والعاملين (جزاء سنمار) والاستحواذ على مشاريع القطاع العام لقيادات الدولة لخلق ثروة اقتصادية بهدف التمكين، وهذا تنطبق ايضاً عليه سياسة (جوع كلبك يتبعك) وادخال عناصر جديدة في الصراع السياسي وتغيير الولايات السياسية خاصة والانتخابات على الابواب والجزيرة ثالث ولاية من حيث الكثافة السكانية والدوائر الجغرافية (41 دائرة) ، والتعويل عليها في ترجيح الكفة لصالح الحزب الحاكم وفقه هذا المعيار (الخطاب البطني) لذا كان الاستهداف المنظم لأهم ما لدى أهل الجزيرة ومن خلفهم الشعب السوداني وهو مشروع الجزيرة مصدر الرزق والأمن الغذائي.
فمشروع الجزيرة منذ تأسيسه وحتى نهاية الثمانينات يمثل اليد الطولي لمصانع الغزل والنسيج في أوربا وآسيا وعماد الاقتصاد السوداني اذ يمثل 70% من ايرادات خزانة الدولة، وقد قامت على اكتافه المدارس والمستشفيات والوزارات وجامعة الخرطوم وميناء بورتسودان، وظل يساهم بنصيب الأسد في توفير الأمن الغذائي ولقمة العيش لكافة أهل السودان عندما تشتد الحالة المعيشية وخلق استقرار أمني واجتماعي واقتصادي، فقد صهر جميع قبائل السودان في بوتقة واحدة متجانسة وتدفق انتاجه خيراً وفيراً لكل الشعب السوداني، ووفر عمالة وتوظيفا واستقرارا لأسر العاملين بالمشروع والمزارعين والمتعاملين مع الحقل الزراعي، فوفدت إليه جموع الشعب السوداني من الشمال والشرق والغرب والجنوب، وقدم نموذجا اداريا متميزا اداءً وانتاجاً واتاح بحوثا ودراسات علمية مدهشة، هذه الصورة الزاهية عكستها سياسات الانقاذ الطائشة بتبني سياسة السوق الحر والخصخصة منذ العام 1992م بصورة تستهدف المشاريع المنتجة ، ونحن هنا لا نرفض الخصخصة كخيار اقتصادي، فالمشروع نفسه وضعية العلاقة مبنية على شئ من هذا القبيل 40% للمزارع و40% للشركة السودانية و20% للحكومة واستخراج نسبة للرعاية الاجتماعية، ولكن نرفض السياسات الخرقاء باسم الخصخصة وهذا ما خرجت به لجنة خصخصة المشروع برئاسة د. تاج السر مصطفى (التخلص من البنيات الأساسية واعادة الهيكلة)، وتبعتها في ذات المضمار اللجنة الوزارية برئاسة وزير المالية لتنفيذ توصيات لجنة د. تاج السر مصطفى وذلك بضغط من البنك الدولي ليكون اعداد قانون مشروع الجزيرة 2005م والذي اجيز على عجل ليخدم الغرض، احد المحطات الخطيرة في منهبة خيرات البلاد وفق سياسة البنك الدولي بايدٍ سودانية ليضاف لانجازات الانقاذ ويلحق بقائمة مهزلة التشريد والتصفية لموسسات المشروع (المحالج - المخازن - الهندسة الزراعية - الاتصالات) لصالح التجار والقطاع الخاص (مقاولين ومتعهدين) ، وحلت محلها شركة دال ورونيا والوادي الأخضر والبابونيل ومحفظة البنوك وشركات الترحيل والنقل دون اعتبار لأهل الملكية الذين أسسوا هذه المؤسسات بدمائهم وعرقهم، واكمل بيع المشروع على مرامى ومسمع وفق قانون 2005م والذي يعتبر دساً للسم في الدسم ،فالذي يقرأ اهداف المشروع في القانون وينظر للواقع يجد التناقض البين وما يجري من دمار ونهب للمشروع لا علاقة له البتة بأهداف المشروع، فالقانون غير صيغة التمويل بدلاً من ضمان الانتاج إلى ضمان الأرض ليستهدف بذلك حيازة (حواشة) المزارع، وعمل على تقنين تمليكها للرأسماليين ورفع يده عن كل شئ وترك الحبل على القارب ليواجه المزارع مصيره مع البنك الزراعي، والذي اعطى حق التصرف وبيع الحواشة ،وعمل القانون على اسناد عمليات الري لروابط مستخدمي المياه بدلاً عن وزارة الري وخلق كما هائلا من العطالة لكل العاملين والمتعاملين مع الحقل الزراعي، وذلك بخروج محصول القطن من المشروع ، ومنح المزارع حرية اختيار المحاصيل الزراعية. هذا القانون سبب اساسي في تدهور ونهب المشروع وافقده عافيته فأصبحت حاله أشبه بحال صخر التي وصفتها الخنساء (لا هو حي فيرجى ولا هو ميت فينعى) فهو الآن يحتضر ويعاني من تدهور حاد في بنيات الري مع هدر المياه وتصلد التربة وفقدان خصوبتها وسوء استخدامها وتكاثر الحشائش وتباين وتنوع المحاصيل وتقلص صلاحيات الادارة وانعدام الشفافية والمصداقية والثقة بين المزارع والحكومة وضعف العائد وتدني الانتاجية، هذا الواقع كشفه تقرير لجنة الخبراء التي كونها وزير الزراعة برئاسة السيد عبد الله عبد السلام. وقد أصبح حال العاملين بالمشروع يعانون التشريد والاذلال والهوان وتأخير الاجور والمرتبات التي لم تدفع لأكثر من ثلاثة أشهر وعزف المزارعون عن الارض واصبحوا في هجرة ونزوح للعاصمة والمدن بحثاً عن مصدر آخر للرزق، وقد اجتاحت الولاية وما جاورها موجة كساد عارمة لتصبح الزراعة للتجار لأن كل تمويل العمليات الزراعية على الزراع ومع ذلك يواجه بمشاكل التسويق والترحيل والجبايات. أما عن البنيات التحتية والاصول فحدث ولا حرج فقد بيعت السكة حديد أهم مقومات المشروع (النقل) والتي تقدر بـ 700 مليون دولار فقد بيعت قضبانها وقطاراتها وفلنكاتها إلى شركة جياد بمبلغ زهيد، أما المحالج فقد حولت بثمن بخس إلى شركة أرض المحنة والتي تملكها قيادات من الحزب الحاكم، وأصبحت عمل شهر واحد في السنة نسبة لقلة الانتاج لمحصول القطن. وقد قضت لجنة التخلص من مرافق القطاع العام التابعة لوزارة المالية على جميع آليات ومعدات الهندسة الزراعية بدلالة كبرى وتم بيعها لرجال الأعمال والمقاولين وشرد مهندسوها. وتدهورت قنوات الري بصورة مريعة بفعل تراكم الطمي والاهمال مما اثر على محاصيل العروة الصيفية وقد بنى العنكبوت على التفاتيش والأقسام الزراعية بعد أن سكنتها الحيوانات الزاحفة وتصدعت جدرانها والآن تباشر لجنة فنية من وزارة المالية وادارة المشروع ونقابة العاملين عملها لتمليك المنازل للعاملين بحيث تخصم من سنوات الخدمة اذ تبلغ قيمة هذه المنازل مليار دولار من جملة 13 مليار دولار قيمة أصول المشروع دفع فاتورتها المزارع (المسكين) ، هذا هو وضع المشروع الآن أضف إليه العطش في الموسم الحالي وتأخير الزراعة وقلة الامطار وزيادة التكاليف فالانتاج المتوقع أقل بكثير عن الموسم السابق، الأمر الذي ينذر بنقص حاد في الغذاء هذا العام، هذا الوضع حذرت منه أكثر من جهة (حكومة ومعارضة) (ولا حياة لمن تنادى) مما يتطلب عجلة في تنفيذ توصيات لجنة الخبراء برئاسة عبد الله عبد السلام وقرارات المؤتمر الخامس لتحالف مزارعي الجزيرة والمناقل بالغاء قانون مشروع الجزيرة 2005م ، وايقاف بيع المشروع وممتلكاته (المباني والوحدات الخدمية) وحل مجلس ادارة المشروع واتحاد المزارعين لضلوعهما في المنهبة ومحاسبة كل من شارك فيها… ولإعادة الحياة للمشروع لابد من تمويل كامل للعملية الانتاجية وتأهيل قنوات الري وتدريب عالٍ للمزارعين والعاملين على التقنيات الحديثة وخلق سوق لمنتجات المزارعين ومعالجة أوضاع المعسرين واعادة الدور الاجتماعي والانساني للمشروع، هذه الأشياء ممكن تحقيقها إذا ما تم استغلال أموال البترول لهذا الغرض وتوفرت الارادة السياسية وعين مجلس ادارة بعيداً عن التعيين السياسي بمعيار (الكفاءة بدلاً عن الولاء) ونمو احساس حقيقي بعظمة وأهمية بقاء المشروع والا اتسع الخرق على الراتق وربنا يكذب الشينة.


 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !