مواضيع اليوم

مشرط " كمال الرياحي : إعادة كتابة التاريخ برؤية مغايرة

kamel riahi

2009-01-21 11:07:20

0

 

 بقلم : هادي دانيال

 

 

 

 

 

   تؤكّد رواية " المشرط" التعدّدية الابداعية لمؤلفها التونسي كمال الرياحي , بدءا من غلافها الذي يحمل لوحة زيتية من رسمه و تضمينها صفحات  تحمل لوحات لرسّامين عالميين و اعتماد فنّ الكولاج و جعل أحد شخوصها رسّاما وصولا إلى الهاجس الشعري الذي تجلّى في اللغة المجازية تارة و في تضمين المتن السردي مقتطفات من شعر أدونيس خاصة , ناهيك عن تصديرها ببعض شعر االماغوط  و شارل بودلير ( و لعلّ في استحضار شاعرين سوريين و غيرهما من تلك الربوع إشارة إلى رحلة ابن خلدون مواطن الكاتب التونسي  و أحد شخوص الرواية إلى بلاد الشام في ركاب تيمور لنك)

أما مشرط  الناقد كمال الرياحي فقد تخفّى وراء استعراض تطبيقي /غير نظري لوعيه العميق و معرفته الواسعة بتقنيات بناء النص السردي و أساليب كتابته , و لن نسهب في الإشارة إلى انعكاس مهنته كصحفي في مقتطفات الصحف التي أوردها , و لكن الأهم هو سطوع موهبته في مزج ما تراكم في الذاكرة و الوعي الفني من تقنيات و أساليب مزجا كيميائيا دقيقا فبدت اللغة و تقنيات البناء السردي , إلى جانب ابن خلدون و خديجة , بطلين بارزين في هذا العمل الصادر مؤخرا عن دار الجنوب للنشر بتونس , في سلسلة "عيون المعاصرة ".

فالمتأمّل يعترضه الوصف الكلاسيكي متناغما مع السرد التقريري, و التصوير الغرائبي موازيا الواقعي , و الالتماعات الرومانسية تخترق واقعية ميلر السوداء , و تقنية القصّ الأناجيلي تتضافر مع تقنيات التناص و الاقتباس المتعمدين إلى جانب التقنيات البصرية , لكن قوّة موهبة الرياحي  و وعيه العالي بأسرار الفن الروائي جعل القارئ مفتونا بتموّج هذه الأساليب  و التقنيات  و كأنّه إزاء تلقائية تحفر مجراها , و تجبر القارئ على تتبعها لاهثا , مما يؤكّد  توفّر  هذا العمل على واحد من أهم شروط  نجاح العمل الروائي الذي يستخفّ به  النقاد المتقعّرون  و هو عنصر التشويق .  

هذا من حيث المبنى الذي كان ينبض بالمفارقات الساخرة و يزهو بإهاب  هو ضرب من تنسيق الأزهار السوداء .

أما  من حيث المعنى , إن جاز المصطلح , فإنّ المشرط أو ( من سيرة خديجة و أحزانها ) فهو عمل من تلك الأعمال الروائية المعاصرة  التي تأخذ على كاهلها مهمّة إعادة كتابة تاريخ الشعوب و الأوطان  القديم و المعاصر من منظور شعبي أو مغاير , لأن هذا التاريخ يكتب عادة من وجهة نظر الطبقات السائدة و الحاكمة , و لذا تكون الكتابة هنا نقدية , و تحرص على الكشف  و النسف مستهدفة  اليوتوبيا و الأيقونة و المسكوت عنه و كل ما يتعلّق بالثالوث المحرّم باطنه و ظاهره .

و لئن كان يؤخذ على كمال الرياحي في روايته أنه بدا عبثيّا في تعاطيه مع الجانب   السياسي من الواقع  الذي يؤسطره , و هنا لا أعني اتكاءه إلى الأسطورة في إعادة  بناء الواقع , حيث كثيرا ما يساوي بين الضحية و الجلاّد على المستوى الوطني أو على مستوى صراع المجتمع المعني مع قوى خارجية استعمارية تحديدا , واقعا هو  و شخوص روايته  و مواقعها و دلالاتها تحت جموح سخرية مرّة جارفة , فإنّ  ما يغفر له  تجرّده من التعاطي النبيل مع الضحايا هو ذلك الحبّ و التعاطف الذي  يتبنّاه قارئه مع الشخصيات المهمّشة , التي كأنّ  كمال الرياحي يروم أن يكون صوتها الصارخ فنّيا أيضا .

إنّه عمله الروائي الأوّل , لكنّه خطوة واسعة  و واثقة على مسار  يعد بالمفاجآت المدهشة , و حجر أساس لعالم روائي نرنوه متفرّدا .    

عن القدس العربي

- هادي دانيال /شاعر و صحفي سوري       




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !