مواضيع اليوم

مشاهدات عائد من معبر رفح

فاضل العماني

2010-06-06 22:35:07

0


شاء الله تعالى أن أزور معبر رفح البري بين مصر وقطاع غزة خلال الأيام الماضية، في مهمة عمل صحفية نشرت تفاصيلها كاملة بجريدة (الأهرام) المصرية ، وشرُفت في خلال الزيارة بأن أحتك بالاخوة الفلسطينيين المغادرين منهم إلى غزة ، أو القادمين منها ، على السواء، وهكذا كانت لي مجموعة من اللقاءات والمشاهدات ، معهم ومع غيرهم من أبناء الجنسيات المختلفة، أردت أن أنقلها إلى القاريء الكريم ، وأن يشاركني فيها.

لاحظت في البداية أن معاناة إخواننا في غزة ضخمة ، ويمكن أن أقول -بلا مبالغة- إنهم في كرب عظيم ، ويبدو ذلك واضحا على أجسادهم المُنهكة ، ونفوسهم المُتعبة، حتى انتقلت المعاناة ، كما قال لي طبيب فلسطيني يعيش بالقطاع ، من معاناة جسدية إلى نفسية ، بدأت تزحف على الناس ، من طول عهدهم بالحصار الإجرامي المفروض عليهم ، وعزلهم تماما عن العالم ، ووضعهم في هذا السجن الكبير.

وكثيرا ما كنت أبدا الحديث مع شخص فلسطيني ، رجلا كان أو امرأة ، ثم سرعان ما تترقق عيناه بالدموع ، من فرط ما يشعر به من محنة .

نعم إن الشعب الفلسطيني بطل بالتأكيد ، وقد ضرب المثل فى الصبر والتحمل ، لكنه بشر مثلنا ، يقوى حينا ، ويضعف حينا ، ويثبت حينا ، ويفتر حينا.

والأمر هكذا ، من معالم المعاناة في غزة الآن ، كما روى سمير أبو دقة الشاب الفلسطيني لي ، أن كثيرا من شبابها يعاني من البطالة ، ولا يجد فرص عمل ، وبدلا من أن يوجه طاقته إلى الأشياء المفيدة ، فقد اعتاد الجلوس على المقاهي، وأمام مواقع النت ، لمدد طويلة ، مكثرا من الكلام الذي لا طائل تحته ، حول الخلافات الفلسطينية والعربية.

هذا القيل والقال تسرب إلى المرأة الفلسطينية أيضا ، وكما روت لي فتاة فلسطينية، لها أب فلسطيني ، وأم مصرية ، فإن التفكك الأسري يهاجم الأسرة الفلسطينية بضراوة ، مشيرة إلى أن نسبة كثيرة من النساء الفلسطينيات المغادرات من غزة إلى خارجها ، إنما يسافرن وحدهن ، بدون وجود رجل معهن ، وبعضهن الآخر لا يصطحب معه سوى طفل صغير ، تاركات بقية أبنائهن مع الزوج في البيت بالقطاع المحاصر.

جزء من التفسير ، حسبما ترى ، هو أن المرأة الفسطينية تعاني من الحصار ، أشد معاناة من الرجال، وأنها تريد أن تستريح قليلا من ضغوط البيت المحاصر، وأن تلتمس لنفسها جزءا يسيرا من الراحة بعيدا عن الحصار الخانق والمتلف للأعصاب.

أما أطرف ما شاهدته ، عند المعبر، فهو مصطافة كويتية جاءت لمعاينة المعبر والعابرين منه ، من أجل تحسس أحوال "إخواننا في الإسلام والعروبة ، في هذا المكان الروحاني" ، كما قالت ، والاحساس بمعاناتهم ، تمهيدا لنقل هذه الأحاسيس بالمعاناة إلى أبناء الشعب الكويتي ، لدى عودتها إلى هناك ، إذ " ليس من رأى كمن سمع".

ولعل هذا يفتح الباب أمام كثيرين منا إلى تخصيص جزء من مدخراتهم للاصطياف هذا العام من أجل مساعدة الشعب الفلسطيني المنكوب.

لاحظت أيضا أن صحفيين كثيرين جاءوا من مختلف العواصم الأوروبية والولايات المتحدة وحتى تركيا ، إذ تعرفت إلى مراد صابونجي المتجه إلى غزة من أجل نقل حقيقة ما يحدث في القطاع من مآس إنسانية لقراء صحيفته "ميللت"، لأن اهتمام الشعب التركي بالشأن الفلسطيني قد تعاظم، كما أخبرني ، بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على أسطول الحرية.

وهي المهمة ذاتها التي انتدبت المصورة الصحفية البلجيكية "بولين بولي" نفسها لها ، إذ كانت متجهة إلى غزة لنقل الأوضاع الصحية والطبية هناك بالصورة لقراء مجلة لوموند ماجازين الفرنسية ، بينما -للأسف- لم أجد صحفيا عربيا واحدا، ولا مراسلا لصحيفة عربية أو مصرية واحدة ، داخل المعبر ، لنقل هذه الظروف والأوضاع ، لقراء صحيفته!

أخيرا : تبين لي أن فتح معبر رفح لا يعني شيئا لإغاثة الشعب الفلسطيني ، سوى أن المرور فيه هو للحالات المرضية ، أو الدراسة ، أو العمل في الخارج ، وهو ما يظلم الشعب الفلسطيني الذي يُحرم من حقه في أن يتنقل بين دول العالم ، ثم يعود لوطنه ، مثل بقية خلق الله ، لا سيما أن هناك صلات رحم ونسب بين الفلسطينيين والمصريين والأردنيين .. إلخ ، وقد وجدت أن معاناة هؤلاء سواء تمثلت في زوجة مصرية لفلسطيني أو زوج أردني لفلسطينية … إلخ ، لا تقل عن معاناة الفلسطينيين أنفسهم ، وبرغم ذلك فإنهم لا يتخلون أبدا عن اعتبار غزة وطنهم ، رافضين العودة للإقامة في أوطانهم الأصلية ، أو العيش مع أهاليهم هناك بسلام.

بالرغم من ذلك كله، أعجتبني تلك الروح العالية التي يتمتع بها الشعب الفلسطيني ، وأنه لم يهن أو يذل للمحتل الغاصب ، ولو أن شعبا آخر في حاله أو موقفه لرفع الراية البيضاء ، وتخلى عن المقاومة ، منذ أمد بعيد.

فتحية للشعب الفلسطيني البطل ، وللشرفاء والأحرار في كل بلاد العالم ، من جميع العقائد والجنسيات ، الذين يقفون إلى جوار هذا الشعب الأصيل ، في كربه العظيم ، عسى الله أن يبدل محنته منحة ، وأن ينصره ، والأمة ، نصرا عزيزا مؤزرا على أعدائنا .. مَن علمنا منهم ، ومَن لم نعلم.

www.arsaad.com
www.alsaaad.net


 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !