اسطنبول .. مدينة التاريخ والتراث
اعزها السلاطين في الماضي .. وانطلقت مع العلمانيين الى المستقبل
شيركو شاهين
ــــــــــــــ
sher_argh@yahoo.com
كعادتي بها استقبلتني اسطنبول بروح الحميمة والدف والتي تعودت عليها منذ زيارتي الاولى وحتى في زياراتي التي تلتها، فهذه المدينة العريقة والتي عاصرت إمبراطوريات عظمى تشعرك دوما بالزهو وأنت تدخل من أبوابها البرية او من خلال موانيها الجوية او البحرية.
ورغم ان زياراتي جاءت مع نهاية فصل الخريف وبداية فصل الشتاء العسير لهذه المدينة ،ألا أن خيوط الشمس الدافئة تسللت لتملا خصلات شعري ولتدب الحياة في روحي التي أتعبتها مشاعر الاشتياق لجذوري في بغداد الحبيبة.
الزيارة الأولى كما هي العاشرة او حتى المائة فما أن تخطو خطواتك الأولى في شوارع اسطنبول يداهمك شعور انك سمكة صغيرة وسط محيط شاسع، فكراج النقل الإقليمي ذو الطوابق الأربعة مكتظة إلى درجة شعورك بمستحيلة الخروج من هذه الزحمة، ألا ان الخطوة الأولى تأخذك في دوامة السير من خلال العلامات الدالة لتصل الى بر الأمان في الشارع الرئيس حيث وعلى بعد خطوات بسيطة ستصل الى موقف النقل العام حيث الباصات او كما يدعوها الاتراك (الدولميش)، وهي وسيلة النقل الأكثر شعبية في عموما تركيا، ولما كنت شديد التعب والإرهاق لذا استبدلت (الدولميش) بالتاكسي.
ولمن كانت زيارته الأولى لتركيا عليه الانتباه من سواق التكسيات فهم يتصيدون الغرباء ليفرضوا عليهم أجرة النقل بالعداد والتي تعادل اضعاف قيمة الأجرة الحقيقة والتي يتعامل فيها أهل البلد، فالأتراك لا يركبون سيارات الأجرة بحسب العداد بل بالمساومة (العملة) حين ذاك تكون اوفر بكثير.
الليلة الأولى .. واليوم الأول
الى احد بيوت أقاربي وصلت تلك الليلة وكان النوم يغطي جفوني بعد رحلة زادت عن (36) ساعة من معبر ابراهيم الخليل الى مركز مدينة اسطنبول، لذا فان الفراش الدافئ كان ملاذي في ليلتي الأولى.
و بدأت عطلتي في أول أيامي بالإبحار عبر محطات وقنوات التلفاز التركية، فبالرغم من الانطباع السيئ والذي يحمله الكثيرون عن القنوات التركية، إلا انها حقيقة كلها أباطيل ليس لها اساس من الصحة، فالأعلام التركي يتميز عن غيره في الدول العربية بالبرامج الإخبارية المباشرة والحصرية عبر المتابعة الدقيقة لكل المستجدات ان لم نقل باللحظة عبر انتشار مراسليها الكثيف، فتشعرك بعدها ان العالم فعلا عند حدود اصابعك.
وإضافة للبرامج الإخبارية فان برامج الحوارات (التوك شو) تشعرك من خلال تفاعل المشاهدين بعمق أهميتها.
والى جانب ذالك فهناك قنوات الفديو الكليب والأغاني لتذكرنا بقنواتنا العربية، تلك القنوات التي أصبحت التفاهة والعري والفائدة المالية هدفها الوحيد.
وبشكل عام فان أكثر ما نلمسه بعين النقد هو قلة القنوات الناطقة باللغات الأجنبية، فإذا أحصينا عدد القنوات الناطقة بالانكليزية فلن تتجاوز قناتين فقط !! وهما (BBC و CNN) أما القنوات العربية فوجودها معدوم نهائيا رغم ان تركيا دولة تعتبر الأولى في أوربا من حيث عدد السواح العرب والأجانب .. وهذا ما يثير في الخاطر تسأل : ما سر هذه اللغة ؟!
اللغة الأم
تشعرك اللغة التركية في بداية تعارفك بهذا البلد انك محاصر بها، فالأفلام في التلفزيون واللافتات في الشارع وتعامل الناس معك وقلة المتحدثين باللغة الانكليزية تشعرك انك أمام بلد رافض لروح التقدمية رغم ان كل ما فيها متطور وعلى احدث طراز.
وهذه إحدى التناقضات التي تلمسها في هذا البلد الكبير، فترى الأسئلة تتزايد بينك وبين نفسك حول سبب التعصب الكبير للغتهم؟!
جواب السؤال وجدته في حدود جغرافيتها، فالأتراك بلد يزيد عن الثمانين مليون نسمة مقسمين الى أجناس وأعراق وقوميات، وحدودها موزعة بين عدة لغات كالعربية والفارسية والأذربيجانية وبين دول شرق أوربا وغربها كاليونان وبلغارستان.
هذا المكون العجيب والممزوج في بودقة واحدة لا يمكنك ان تميز بين احد منهم او تفصل بين إحدى تلك المكونات إلا اذا ما أتلفت الخليط كله.
فلو كنت اكتب هذا الموضوع قبل الف سنة مثلا ستكون عبارة سحر هي اقرب ما يوصف به سر هذا الترابط، الا إنني اكتب اليوم وأنا على أعتاب القرن الواحد والعشرين حين ذاك سأسمي هذا السحر العجيب الذي وحد هذا الشعب الكبير باللغة !!
نعم،، فلغة الأتراك هي سحرهم، فمن معبر سلوبي ونصيفين وحدود ايران وارمينيا في اقصى الشرق الى حدود سنانيك حيث بلد اليونان وبلغارستان في اقصى الغرب فتكون اللغة التركية هي اللغة الام فيها.
فمنذ اقل من قرن من الزمان عملت اللغة التركية العجب في توحيد هذه الأمة على يد الأب الروحي للشعب التركي ( مصطفى كمال اتاتورك) لتعكس التصاق الأتراك بلغتهم التي يعدونها اهم مصدر لقوتهم.
ولكن بوادر الانفتاح بعد الوحدة اللغوية قريبة وحقيقية اليوم عبر الأجيال الجديدة التي تتوجه الى العالم الأوربي حاملة أصالة العصمنلي.
نشر بتاريخ ((27/12/2008))
التعليقات (0)