ليس هناك قدر هناك فقط سياسة
نابليون بونابرت
السلطة والسياسة المقترنة بها تطغ وتسيطر علي التاريخ الإنساني ، وهي بدورها مرتبطة بمصالح الدولة ،الشعب ،التجمعات، والقبائل وإلى غير ذلك ، وفي هذا المجال فإن التفاؤل في إيجاد تناغم بين مصالح هذه الفئات يعتبر منتهى الطوباوية ، وذلك لتنوع المفاهيم واختلاف الانتماءات والديانات والبعد الحضاري والنفسي كذلك .
لهذا فان نداءات الحكماء والأنبياء والقادة للتقارب بين الناس وتجاوز العداء على الأقل تبدو في القريب العاجل كتذكير الأساتذة لطلابهم بضرورة حسن السلوك والتفوق ويطالبوهم في الوقت ذاته أن يكونوا مواطنين صالحين ، وهذه أمنية صعبة المنال حقا .
يصعب شرح وإيجاد أعذار لبعض الحقائق الإنسانية كالحروب والنزاعات والعدوات والمكائد وتقويض الثقة المتبادلة –كل هذا تحت غطاء بيانات مدفوعة وبرامج ونداءات من أجل السلام وحسن الجوار ، لكن هذا لم يمنع _كما أشار الكاتب الأمريكي كورت فوينغيت _ الإنسانية من خوض محاولتين للانتحار الجماعي خلال القرن العشرين عبر خوض حربين عالميتين ( 7)
نستطيع القول بان القرن العشرين مسيّس ومجيش وعقائدي أكثر ما يكون في أي زمن مضى ، وذلك لتوفر وسائل ناجعة للتأثير على التجمعات البشرية والإيحاء لهم بوجهات النظر والتوجهات المختلفة مبدئيا يتعارض هذا الإيحاء مع الشعوب الأخرى ، وهنا علينا الإشارة الى أن المقولة المرة التالية ليست عابرة بأي حال من الأحوال " يتحدث عن السلام ويستعد للحرب "
كثيرة هي المناطق الحساسة على الخارطة الدولية .
والتي تشهد قلاقل تؤدي في نهاية المطاف الى حروب محلية وتدخلات عسكرية يصعب شرحها والدفاع عنها ، ان الإنسانية تمر بمراحل أمن نسبية عبر التاريخ ، أما الحرب فهي ظاهرة طبيعية وشاذة تبتلع كل ما في طريقها وتودي بحياة الملايين من البشر والقيم التي يصعب تعويضها .
معروف لدينا الكثير من النظريات ووجهات النظر وذلك بخصوص المواجهات الدائمة في تاريخ الإنسانية ويشمل هذا الصراع الوطني، صراع الطبقات وحتى رغبة الحضارات السيطرة على العالم ظهر مؤخرا تصورا ومفهوما يشير الى تحول الصراع العالمي خلال القرون القادمة لصراع ونزاع بين الدول التي تمثل الحضارات العالمية المختلفة و يقوم صاموئيل هنتينغتن بمناقشة هذه القضية في دراسته " صراع الحضارات والنظام العالمي الجديد " / 1999 /
موضوع هذه الدراسة يتطرق للعلاقة بين الدعاية الإسلامية والدعاية الامريكية وسنسلط الأضواء انطلاقا من هذه الاعتبارات على كتاب صمويل هنتيغتن وتحديدا في جزء " بعث الإسلام " يقول الكاتب بأن المسلمين يعتبرون الإسلام مصدرا للهوية والانتماء ، تصور ، تفاؤل، تشريع وقوة كل هذا نجده ملخصا تحت شعار " الإسلام هو الحل " (8) ويعتبر هذا التوجه محاولة لامتثال تقبل الحداثة ، ولكن ليس حسب المعايير الغربية ولكن حسب القوانين والتعاليم الاسلامية بتوجه حاد وقوي ، يتراوح ما بين التحديث المتوازن وحتى التوجه الثوري والإجباري وهذا يذكرنا بمرحلة الإصلاح البروتستانتي وردود الفعل ضد الابتذال والفساد القائم في المؤسسات ، العودة الى الأعراف والتقاليد حسب الشريعة والقانون والنظام ، هذه بمجموعها أفكارا مثالية للطبقة الوسطى من الشعب .
يقول الترابي (حسن الترابي زعيم ديني سوداني)" هذه النهضة تشمل كل شيء ، ليس فقط الالتزام الديني لدى الفرد ، ثقافة الفرد ووعيه ورجعيته السياسية بل كل هذا مجتمعا إضافة الى إعادة تشكيل شاملة للمجتمع وذلك من الأعلى والى الأسفل .
الأهم من ذلك في هذا الموضوع العلاقة " الإسلام والغرب " وهناك فصل كامل في كتاب هنتنغتنن يعنى بهذه المادة حيث يقول " مشكلة الغرب ليست مع الإسلام ولكن مع المتطرفين المسلمين(9) " هذه دلالة تاريخية بلا شك ، حيث أن الإسلام هيمن في الشمال الإفريقي ، العالم العربي، الشرق الأوسط إيران وشمال الهند وذلك في بداية القرن السابع وحتى متصف القرن الثامن وقد أضاف الكاتب في حديثه " الإسلام هو الحضارة الوحيدة التي شككت في بقاء الغرب ، وقد قامت بذلك مرتين على الأقل .(10)
حسب إحدى الإحصائيات وذلك ما بين الفترة 1919- 1757 ( فقد نفذ ما يزيد عن 92 عملية اغتصاب في الأراضي الإسلامية ومن قبل دول غير إسلامية وفي الفترة الواقعة ما بين 1820 – 1829 فإن 50 % من الحروب الثنائية بين الدول المختلفة الديانات وقعت بين المسلمين والمسيحيين نستطيع القول بأن فترة الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي شهدت توجها إسلاميا واضحا في مواجهة الغرب المسيحي
من جهة أخرى فإن تصاعد كراهية الغرب في أوساط العالم الإسلامي تجد مثيلا لها في الغرب المسيحي ، حيث نلاحظ الخوف والقلق من الخطر الإسلامي والمتمثل فيما يسمى " التطرف الإسلامي " هذا القلق منتشر في كافة طبقات المجتمع الغربي وبين قادته على السواء فهم يقرون بان الأصولية الإسلامية خطيرة بقدر خطورة الشيوعية على الغرب ومضى بعض القادة الأمريكيين الى أبعد من ذلك حين صرحوا بان " الإسلام منازع دولي للغرب " (11) بعد الثورة الإيرانية عام 1979 تشكلت وضعية شبيهة بالحرب الدولية ما بين الإسلام والغرب .
أولا : يشارك الإسلام بأجمعه في الصراع الدائر ضد الغرب .
ثانيا : يدور هذا الصراع بوسائل محدودة باستثناء حرب الخليج .
ثالثا : ضحايا هذه الوضعية العدوانية تفوق بكثير ضحايا الحروب التقليدية كحرب الخليج ذلك لأن العنف دائم ولا يتوقف
هذا التنافر بين الغرب والإسلام يتخذ أوضاعا عنيفة ، آية اللة الخميني صرح قائل " إن إيران في حالة حرب مع أمريكا " والقذافي عادة ما يدعو للحرب المقدسة ضد الغرب ، أما من وجهة النظر الأمريكية فهناك سبعة دول توصف بالإرهاب ، خمسة منها إسلامية وهي إيران ، العراق ، سوريا ، ليبيا والسودان ، السياسيون الأمريكيون يرددون دائما بأن هذه الدول " مارقة " دول عدوانية ، دول عصابات ، وصف هذه الدول وبهذه الطريقة يضعها خارج النظام الحضاري العالمي ويجعلها هدفا شرعيا للعدوان الأحادي والمتعدد الجنسيات،ويتضح لان ان تحديد الدول بارهابية او غير ارهابية يخضع فقط للمصالح الامريكية،وخير دليل علي ذلك ان امريكا وضعت ليبيا كدولة ارهابية ورعاية للارهاب وبقدرة قادر تم رفع ليبيا من قائمة الدول الارهابية واصبحت دولة محبة لسلام،برغم انه لم يحدث اي تعديل في نظام الحكم او حقوق الانسان الليبي.
اللوحة المرسومة تحدد معالم وضعية جديدة حيث يصبح الصراع ما بين التقاليد والأفكار والمصالح على مستوى صراع حضارات متنام ، يبحث عن صيغة لاكتساب الوعي العام الشعبي ، كل جهة من طرفي الصراع تسعى لإظهار صورتها متلفعة بثوب العدالة والقانون رغما عن الأحكام والثوابت والمعايير المناهضة .
الأيديولوجيات والمناهج السياسية لا تخلو من المغالاة في الطرح أو تخفيفه أحيانا أخرى ، وكذلك تغيير التركيز والعلاقة مع بعض الوقائع وبكلمات أخرى فإن الرؤية لجهة ما ، لا يمكن أن تكون المصدر الموثق الوحيد مع رؤية تتسامى فوق الأخطاء والتحامل والإجحاف في العلوم الدقيقة أوضح آينشتاين " التصورات الفيزيائية إبداع حر للعقل البشري ، وليس كما يبدو لنا ، تعريفا بلا مرادف يفرضه العالم الخارجي " يرى بعض الكتاب بأن الجبهة الوطنية الإسلامية صورة أخرى عن الستالينية الصيغة نفسها ولكن بصورة طوباوية سياسة انتهازية منغلقة على نفسها ، منظمة اشتراكية قسرية ذات منهج زائف (13)
آخرون يرون عكس ذلك " المنهج الإسلامي – مبشرا بالحضارة " 0 كتب رئيس وزراء البوسنة / 1992_ 1995 / هاريس سيلايجيتش " الإسلام _ ديانة السكينة والرضى ، ديانة متميزة وشمولية " هذا التعريف يقدم جواب لجميع قضايا المجتمع بما في ذلك شرح الفراغ الروحي للعالم الغربي يرغب أهل البوسنة اليوم بإقامة مجتمع ديني يتمتع بصلاحيات الحكم الذاتي ، بعيدا عن مفهوم الدولة وهذا يتطابق مع وجهة نظري (14)
ريجيس ديبري يوضح قائلا " أكبر الحلفاء للظلامية اليوم هي المجتمعات الليبرالية المزدهرة ، وهي مجتمعات مادية ومفرغة روحيا لو توقف الساخرون المتربعون على سدة الدنيا من الاهتمام المتواصل بمؤشر داوجونز ، بلا شك سيقل عدد المصلين في الجوامع والكنائس ،هذه الأفكار والحوار والجدال والذي يلغي بعضه البعض مرتبط بمذاهب سياسية ونشاط حيوي مستمر ، لا يمكننا التسليم بثوابت عامة ، فكلا طرفي النزاع يمتلك الحق في طرح وجهة نظره والدفاع عنها وذلك فيما يخص الأوجه الاستراتيجية المهمة والقضايا المعاصرة.
المهمة التي أحملها على عاتقي في هذه الرسالة محدودة ، وتتضمن قضية الصراع والدعاية بين أمريكا والعالم العربي وبشكل خاص "مصر العربية " وهذا يشمل المبادىء الأساسية في الواقع السياسي وكذلك حالات خاصة تظهر من خلالها السياسة المعنية وفلسفتها، من جهة أخرى فعند معالجة قضية أساسية وشاملة فأننا نتخطى حدودها وعلي سبيل المثال بلغاريا تتمتع بعلاقات قوية ودائمة مع العالم العربي ، وتتابع باهتمام تطوره وفي نفس النطاق فإن شبه جزيرة البلقان تشهد نزاعات عرقية لها تأثير غير مباشر على بلغاريا و توجهت بلغاريا للتكامل والانضمام الى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو وقد أثر هذا الانحراف إلى درجة كبيرة على سياستها الخارجية واتخذت سياسة مؤيدة للعالم الغربي وأمريكا ، لهذا فإن الموضوع المطروح في هذه الدراسة قد يواجه بعض التحفظات مما يتناقض مع الأخلاق والسلوك الأكاديمي .
لكني أعول على التقييم الموضوعي لهذا العمل والذي لا أهدف من خلاله ترويج أفكارا معادية لأمريكا بقدر شرح الصراع القائم بين نوعين من الدعاية تمثلان الخلاف والهوة الواسعة بين أمريكا والعالم العربي , وهذا لا يلغي إمكانية إيجاد طريقة لتخفيف الحدة في هذا الصراع وذلك من أجل الديمقراطية والتعاون ما بين الشعوب ، الانتخابات الأخيرة في إيران تثبت هذا التوجه ولكن للاسف ان القيادة السياسية الامريكية واللوبي الصهيوني في كواليس السياسة الامريكية تعمل دائما علي ضرب التقارب بين الامريكيين من جهة وبين العرب والمسلمين من جهة اخري.
لهذا فإن السياسات والأيديولوجيات تسعى خلف الدعاية لتظهر بعض الأوجه وتخفي أوجه أخرى ، وتفرغها من محتواها بهدف : أكبر قدر من التأثير وذلك للوصول للأهداف الاستراتيجية للدولة المعنية .
من المتعارف عليه أنه وبالرغم من الجهود المبذولة للحفاظ على القوانين ، المقاييس والمعاهدات بين جميع الدول الحضارية فإنه يصعب التوفيق بين مصالحها ، خاصة إذا كانت متناقضة بالكامل توضيح دور الدعاية في المجتمع الإسلامي والولايات الأمريكية هي لب الدراسة الحالية وبالطبع فإن انتمائي لإحدى أطراف النزاع سيؤثر إلى حد ما على شروحاتي ومواقفي لكني في الوقت نفسه ومن أجل المتطلبات الأكاديمية سأبذل قصارى جهدي ألا يؤثر هذا على نتائج بحثي.
من مزايا الوعي الإنساني عدم القدرة على التقييم الموضوعي الذاتي وكذلك قناعته المطلقة بحقوقه وإيمانه الذاتي ، هذه الرؤية الشمولية لتقييم الحياة وتقبلها نتيجة منطقية لتفاعل العديد من العوامل المرتبطة ، مثل الانتماء العرقي ، الذاكرة القبلية ، التقاليد ، القناعات الدينية ، الوضع النفسي للشعوب ، الموقع الجغرافي ، الوضع الاقتصادي ، بالرغم من تشابه ظروف الحياة بين الشعوب المتجاورة ، إلا أنها تبقى متباينة فيما بينها ، بل وأحيانا تكون على خلاف وصراع دائم.
تزداد الهوة بين الشعوب المتباعدة جغرافيا وتاريخيا لاختلاف فلسفة الحياة والقناعات الدينية والمفاهيم.
من خلال ما سبق يمكننا التوصل الى نتيجتين :-
أ ) النسبية في الطرح مما يلغي إمكانية التفاهم والتعاون ما بين الشعوب .
ب ) البحث عن وسائل الاحتكاك ووسائل الاتصال عبر التفاهم والتسوية والتسامح والسعي نحو الاحترام المتبادل والحفاظ على القيم الإنسانية والأخلاق المتعارف عليها سياسيا واقتصاديا .
بناء على ما ذكر فأن الشعوب تحافظ نسبيا على متانة العلاقة بين الدول.
للأسف عند قراءتنا للتاريخ نجد بأن النزاعات والخلافات ونقاط الخلاف تسود وتملأ صفحاته ، كل شعب ، قبيلة أو مجتمع يسعى جاهدا لإثبات مصداقيته واستحقاقاته وتوجهاته التاريخية ، هذا يخلق الحاجة للإقناع والشرح والإيحاء عبر استخدام وسائل مدروسة تخدم تطلعات الدول المعنية ، حتى تتمكن من دعم حقها في الدفاع ، العدوان، إلحاق أو ضم أراض أجنبية وكذلك إخفاء وتليين وتقديم سلسلة من الفعاليات المقنعة ، ومعضلات القانون الدولي أو الحث على مقاومة الدول الأخرى الأعلام لا يسعى لعرض الحقيقة موضوعية ، كاملة ومتكاملة ، ولكن يقوم بعرض ذلك الجزء الذي يخدم مصالح شعب ، قبيلة ، مجموعة ، قائد ، سياسي ،أو رجل معين ، وحسب ما جاء في أحد التعاريف الشهيرة " الإيديولوجيا هي وهم الطبقة في كل ما يخصها " ،أو ما معناه لا يدخل في تركيبها عوامل واقعية وحاسمة بالرغم من استخدامها بتعقل من طرف المهتمين بهذه القضية ، وذلك بقدر حاجتهم الى تأويلها 0 بهذا المعنى لا يمثل الواقع بكليته وموضوعيته ولكن يتم انتقاء التوجهات والحاجات القادرة على خدمة الهدف السياسي المطروح 0 بالرغم من ادعاءات منظري الدعاية وخاصة أولئك الذين يدورون في فلكها بأنهم يقومون بعض " الحقيقة _ مقدسة وطاهرة ".
هذا غطاء يتستر خلفه البرغماتيون الذين يلهثون وراء أهدافهم بسخرية وبرودة أعصاب .
من ناحية أخرى يمكن استخدام الدعاية لصالح أهداف ونوايا إنسانية خيّرة، أهداف قادرة على الثبات عبر التاريخ ، وكذلك نشر الآراء السياسية ، العقائدية والأخلاقية الهادفة لتوحيد الشعوب وحمايتهم من التحامل والإجحاف والتطرف والعدوان ، وعوضا عن كل هذا تقديم قيم إنسانية متعارف عليها ومعايير ذات توجه إيجابي للدعاية ، في هذا المضمون تبدو الدعاية ضرورة لا غنى عنها ، فهناك فروقا وبعدا واضحا ما بين الناس العاديين والقادة ولإيديولوجيين ورجال السياسة والدين والنشطين عامة ، وهم في غالبيتهم مطلعين على نظريات ، آراء ، عقائد ووجهات نظر بأوجهها القوية والضعيفة .
وبما أن الهدف الأساسي لهذه الرسالة دراسة حقيقة الإعلام بما في ذلك العلاقة والعلاقة المضادة ما بين الدعاية الأمريكية والدعاية الإسلامية، وفي الجزء التالي سنستطلع بشكل خاص وبالتفصيل هذه الظاهرة والتي هي في غاية الأهمية في الوقت الحاضر
المشاكل ،
التعليقات (0)