اتفاق "أوسلو" الذي وقعته منظمة التحرير الفلسطينية في سبتمبر/1993م مع الإسرائيليين أفرز مشروع السلطة الفلسطينية، فمن الجانب الفلسطيني ترى منظمة التحرير الفلسطينية أن مشروع السلطة الفلسطينية هو حلقة من حلقات المشروع الوطني الفلسطيني، ومن الجانب الإسرائيلي والدولي يرون في مشروع السلطة الفلسطينية مشروع احتواء للنضال الوطني الفلسطيني، واستثمار للنخب السياسية الفلسطينية، وبناءً على ذلك بدأت الدول المانحة تدعم مشروع السلطة الفلسطينية بالأموال كي يستمر إلى أكبر وقت ممكن، ويحقق المصالح الاستراتيجية للدول الغربية في الشرق الأوسط، وربما يتربع أمن (إسرائيل) على رأس أولويات تلك المصالح الغربية.
وعلى الرغم من الظروف التي دفعت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى التوقيع على اتفاق "أوسلو"، إلا أن قيادة المنظمة فشلت في وضع أساسات وطنية لمشروع السلطة الفلسطينية، مقابل نجاح (إسرائيل) في التحكم في هذه الأساسات، ودفعه نحو التبعية السياسية والاقتصادية والثقافية، وبذلك نمت مؤسسات سياسية تحمل أمراضاً لا تؤسس لقيام دولة فلسطينية مستقلة، ولا تخدم المشروع الوطني الفلسطيني، بل تعمل على تقويضه، وصعوبة تحقيقه.
وهذا ما حصل بالضبط بعد فوز حركة حماس ودخولها المؤسساتية السياسية الفلسطينية، وحينها فقد النظام السياسي القدرة على التكيف مع المعطيات الجديدة، وبدأت حالة من الاشتباك السياسي، سرعان ما تحولت إلى اشتباك عسكري، نتج عنها انقسام سياسي كشف عورة النظام السياسي الفلسطيني، ومشروع السلطة الفلسطينية، وحقق الهدف والحلم الصهيوني.
ثم بعد ذلك عملت الحركة الوطنية الفلسطينية على رأب الصدع بين حركتي فتح وحماس برعاية مصرية، وبدأت جولات المصالحة الوطنية، وكل مرة كانت تصطدم بعقبات، وتفشل، وكان الجميع يعزي الفشل إلى تدخلات إقليمية ودولية لكلا الطرفين، وبعد عدة جولات بدأت تتكشف حقيقة فشل المصالحة الفلسطينية، وتتمثل في ضعف وهشاشة مشروع السلطة الفلسطينية وتبعيته المطلقة للمانحين الدوليين، وبذلك لا يمكن للنظام السياسي الفلسطيني أن يتكيف مع تعددية وشراكة سياسية، وستبقى الحالة الفلسطينية كما هي حتى نصل جميعاً وسوياً لمعالجة أساسات الحلقة الأولى من المشروع الوطني، وهو النظام السياسي الفلسطيني، وقد يصعب ذلك بدون مشاريع وطنية، وقد نطلق عليها مشاريع المصالحة الوطنية، ومنها:
1- مشروع عبد الستار قاسم للمصالحة الوطنية.
طرح البروفيسور عبد الستار قاسم رؤيته للمصالحة الفلسطينية، وتتمثل في حل السلطة الفلسطينية وتشكيل مجلس مدني لإدارة شؤون الناس، ترافقه قوة شرطية مدنية، ويوكل لفصائل المقاومة كل ما يتعلق بالأمن الوطني، وكذلك التوافق وطنياً على إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية.
2- مشروع حل السلطة الفلسطينية.
هناك من يطرح مشروع الإعلان عن حل السلطة الفلسطينية والعودة إلى ما قبل 1994، وبذلك تتحقق مصالحة البنادق والتي وبالتأكيد ستتصالح القلوب وتتصافح الأيدي، وتتوافق الرؤى والبرامج، وتعود (إسرائيل) لتتحمل تبعات الاحتلال مادياً وسياسياً وعسكرياً...
3- مشروع الاعتماد على الذات
وهو مشروع التخلي عن المال السياسي الغربي، ويتم ذلك من خلال تبني استراتيجية الاعتماد على الذات والتي من خلالها نستطيع أن نزيد من الناتج المحلي والقومي، وأن نشجع الاقتصاد الوطني، ونوقف استيراد السلع من (إسرائيل)، ونعمل على التأسيس لعملة وطنية فلسطينية، ونحقق العدالة في التوزيع.
وربما لكل مشروع من المشاريع السابقة إيجابياته وسلبياته، ولكن بعد فشل جولات المصالحة الفلسطينية، بدأ يظهر على السطح تحول في الخطاب السياسي لقيادات منظمة التحرير الفلسطينية، ولسان حالهم يقول: إن الخيار الأمثل لتحقيق المصالحة الفلسطينية الخروج من حلقة التبعية، ومن أهم ما ذهب إليه هؤلاء هو ما تحدث به الدكتور صائب عريقات للجزيرة مباشر حيث قال بأن حركة فتح لم ولن تعترف (بإسرائيل)، وهذا دليل واضح ومراجعة سياسية بأن الاعتراف بـ(إسرائيل) هو خطيئة سياسية وعار سياسي وقعت به منظمة التحرير الفلسطينية، وهو العقبة الأبرز في طريق المصالحة الفلسطينية.
التعليقات (0)