مشارب المحبين
بقلم: خليل الفزيع
وافاني الأخ الشاعر مبارك بوبشيت بأبيات يشكو فيها من حبه الذي أورده الحزن، فتاب عن حبه بعد أن رأي فيه قيدا من مسد. وهذا نصها:
الحزنُ في القلبِ والآلامُ في جَسَدي
هــذا الــذي نلتـُهُ مـن حــبّيَ النكَِــدِ
رفعــتُ كفي لـربي أرتجي فـَرَجـاً
بــأنْ يُخلـصَـني مـمـا جـنـتـه يَــدي
يا ربِ كــنْ لي مُـعينا في مُكابدتي
أنتَ الملاذ وأنتَ الحصنُ يا سَـندي
عَـفـْـواً إلهي فـإني تبتُ مـن سَــفـَهٍ
قــد كـنتُ أحسـبُهُ يَوماً مـن الرشـَـدِ
أجــابَ ربّي دُعـائي وانتهى حلمـي
وانفـكَّ قــيدي وكان القيدُ مـن مَسَـدِ
يا مــنْ تعــرّفــتَ بي يوماً لتشغلني
أرجوكَ دَعْني ودَعْ قلبي ودَعْ كبدي
دعْـني فلسـتُ الـذي قد كنتَ تعرفـُهُ
مَـنْ كـنتَ تعْـرفـُهُ قـد غــابَ للأبـَـدِ
وكان الرد في هذه الأبيات:
يا شــاكي الحزن والآلام في الجَسَدِ
مـن ســـوءِ مـا نالهُ مِــنْ حبه النكِـدِ
الحزنُ أضحى وقودَ الحبِّ في زمن
قــد لـونتـْهُ صـنوفُ الشـكِّ والحَسَـدِ
كـم من فــتى تـائـه والحــبُّ أنـقــذه
مـن وهـدةِ البؤس حتى قـِمّـة الرَّغـَدِ
الناسُ في الحـبِّ شـتى في مَشاربهم
مـذ أن رَمَي سـهمَهُ "كيوبيدُ" للأبـَـدِ
حـين اشــتكى قيسُ ليلى من تمنـُّعهـا
ففجَّــرَتْ فـيه يَنبوعَ الهَــوَى الأبَدي
ما الحـبُّ ذنبٌ إذا ما زانـَهُ شـَـرَفٌ
ـ بين المحبين ـ ولا قيدٌ مـن المَسَـدِ
مـا الحبُّ أسْـرٌ.. ولكن إن ظفرتَ به
أصبحتَ حراً كدأبِ الطائر الغـَردِ
تـنـثـالُ منه رؤى الأحـلام نابضـة
تجـوبُ أفقـاً مـن الآمـال والسَّـعَـدِ
الحـبُّ كالمـاءِ يُطفي غلـة ً طفحَتْ
وكالهــواءِ يمُــدُّ الـنـبـضَ للـجَـسَـــدِ
وكـالـدواءِ يُعَافي الجسـمَ مـن سـقم
طــوق النجـاةِ لصَـبٍّ طالــبِ المَـدَدِ
لــولاهُ ما طلعــتْ في الناس قـاطبة
شـمْـسُ الـوفـاءِ بكـَوْن تاهَ في الحَسَدِ
ولا اسـتقـــرت مـع الأيام عـاطـفة
بـين الحــنايا وفي الوجـدان والخـَلـَدِ
هــو الـنعــيـمُ لمـكـلـوم الفــؤادِ إذا
مــا لازمته صـنوفُ السَّـهَدِ والنكـَـدِ
هــو الحـيـاة ومـا طعْـمُ الحـياةِ وقد
يَغـيبُ حبٌّ.. فـتـنـمـو قسـوة الصَهَـدِ
هـــو الــوجـودُ وكـل الـكائناتِ لـَهُ
غـنتْ فطـاب لهـا عيشٌ من الـرَغـَـدِ
في وشوشاتِ الريح تشجي كلما عزفتْ
لحْنَ الوصال وبين الرّوض والجَرَدِ
في همْسَةِ النهْـر يَحكي في تدفـقِـهِ
عَبْرَ الجـبال.. عِناقَ المـاءِ والجَـلـَدِ
والليلُ تسْــري به العتمــاتُ حـاملة
تــوقَ الـظــلام لــنور دائـم المَـدَدِ
وصرْخـة الطفل تفشـي عِـندَ مولِـدِهِ
ســــرَّ الـوجـودِ.. حـنان الأم للولـَدِ
لا اليأسُ يدعو لرفض الحبِّ من ملل
لـكـنهُ العُـتـْبُ.. كي يَبـقى إلى الأبَـدِ
أعيذهُ الحُـبّ ـ مما قيلَ ـ عـن سَــفـَهٍ
فمـنـتـهى الحـبِّ يَعْـني غـاية الرَّشـَدِ
لا تحسَبِ الحبَّ قد يُودي إلى كـَمَـدٍ
بل أعْـذبُ الحـبِّ يَمْحـُو شِـدَّة الكـَمَـدِ
التعليقات (0)