مواضيع اليوم

مسّرحيات

متوكل ابو اسامة

2012-12-02 05:23:18

0

 

 

حينما أتذكر بعض مسرحيات عادل إمام التي حظيت بعرض مسرحي متواصل لسنين طويلة ، أتساءل : مالذي جعل أولئك الناس يقهقهون كل تلك السنين ؟ مالذي جعل هناك من حضر للمسرح مرة أو مرتين أو عدد لا منته من المرات ، يأتون لينفثوا غضبهم من أنظمتهم ومن مجتمعاتهم ومن أعمالهم ومن بيوتهم ومن علاقاتهم الإنسانية المتنوعة ، يأتون مثقلين منهكين ليخرجوا ضاحكين منفرجي السرائر ، مبتهجين وكأن ما جثُمَ عليهم قد زال في سويعات ليعودوا إلى بيوتهم ويدخلوا غرف نومهم لتبدأ من جديد حياة أخرى من التوتر والترقب والإنتظار وربما للحنين .. وحنين إلى من أو إلى ماذا ؟

كيف إستطاع ممثل أن يفعل بهم كل هذا ؟ وكيف إستطاع مخرج ماهر أن يدير مسرحاً بهذه الألية المتقنة ليجعل الممثل باهراً للحضور ،مستلباً منهم ضيمهم وقهرهم وأهاتهم وربما خيباتهم ؟


حياتنا .. علاقتنا .. صدقنا .. كذبنا .. عشقنا .. أمالنا .. هي مسرح .. فيه ممثلين يخيّل للمتتبع أنهم نماذج حقيقية تعيش على أرض صلبة لهم حسادهم ومغبطيهم .. وهناك من يتحسر لفقد مثل هذه الحقيقة ..

ومخرج خفي .. ملعون .. يحركنا كالدمى .. يوهمنا بأننا ماضون في بياضنا .. صدقنا .. حبنا .. أمالنا .. رغابتنا ..وعينا .. وإذا به يعيدنا لمسافات أكثر تقهقراً من بداياتنا .. ولم تفيدنا تجاربنا السابقة ولا خيباتنا السابقة .. لتبدأ مسرحية جديدة في حياة كل منا أبطالها هذه المرة شخوص سكنت الذاكرة ، وأماكن سكنتها الذاكرة ، وزمن تغنّى وغنّى لنا ..


هذا المصير الإنساني لخيباتنا وكذباتنا وخداعاتنا لا أعزوه فقط لأولئك الذين كانوا ممثليه فقط ، بل إلى كل ماهو قبيح يحوطنا .. في عقولنا .. في إستلابنا .. في بيوتنا .. في تعاطينا من الدين وبياعيه .. في الفاعل السياسي .. لكن لماذا لم نستطع أن نبني لنا مسارحاً صغيرة تخصنا وحدنا في ظل وجود سياج لعينة تفصل بين ما نأمل وبين ماهو مأمول وهذا الواقع القبيح ؟

لا إجابات .. بل هناك ألف إجابة وإجابة .. وهذا ما يفعله المزيفون .. أولئك النوع من البشر الذين يوهموننا بنقائهم وحينما يستنزفون كل ماهو جميل فينا يلّوحون بأيديهم الملطخة بقبحهم ونقاؤنا وكأنه علم لدولة يرفرف في قلوب مغتربين عن أوطانهم ..

كنتُ قد شهدت مسرحيات كثيرة ، الممثلون يسوقون نقاؤهم بأساليب يترائى للمتابع أنهم نماذج بشرية لا يشوبها شائبة بسبب مأمنوا به من قيم وأخلاقيات وما تدثروا به من أنسنة مزيفة .. وكنت بعد أن أكتشف ذلك أقول فيما بيني مخدراً نفسي ، مكابراً على جراحي ، محاولاً النهوض من جديد باحثاً عن بداية جديدة :

من يتألم يتعلم ومن يزرح الريح يحصد التفاهة

ويبدو أننا وأنا واحد من " أننا " ، أننا لا نتعلم من ألامنا وإن كل ما تعلمناه وما سوف نتعلمه هو حصد التفاهات ..

تفاهات نتجت لأن الواحد منا يحمل في داخله ضده ، تفاهات لأنه مهما إنشقت عيوننا وسكبت دموعها فإن الزيف يطالها وإن بدت في الناظر لتلكم العيون أن " يالله .. يالله " ما أنقى من سكبت عيناه هذه الدموع ..

حتى حينما نبوح - كما أفعل الأن - يبدو الأمر إنه نوع من جلد الذات وتهوين المصاب ..يالعناتنا التي لا تنتهي .. ممثلون ومخرجون مبهرون رغم أنه ليس لدينا مسرح حقيقي .. لو إحتارت مجموعة إنتاجية في هوليوود في إنتاج فيلم يتميز ممثلوه ومخرجوه بإبداع القبح لما وجدوا غيرنا .. فيالقبحنا ..

فثقافتنا كما قال نزار : فقاقيع من الصابون والوحل
فمازالت بداخلنا
"رواسب من " أبي جهل
ومازلنا
نعيش بمنطق المفتاح والقفل .


و :


ما الذي يفعله قرص ضياء؟
ببلادي..
ببلاد الأنبياء..
و بلاد البسطاء..
ماضغي التبغ و تجار الخدر..
ما الذي يفعله فينا القمر؟
فنضيع الكبرياء..
و نعيش لنستجدي السماء..
ما الذي عند السماء؟


وختاماً - وممتن لك أيها الراحل نزار :


اليوم يتذكر الجرح عيد ميلاده ... فيبكي..
وتحتفل الدمعة بمرور عام على انحدارها..
ويحتفل الخنجر بمرور عام على إقامته في لحمي..
هل لاحظتم أن الجراح وحدها هي التي تملك ذاكرة قوية، وأن الفرح لا ذاكرة له..
الفرح عصفور من زجاج .. يرتفع عن الأرض عشرة أمتار .. ثم يقع على الأرض.. ويتهشم..
أما الحزن فهو هذه السنونوة السوداء التي تحمل أولادها، وتعشعش على شواطئ العين .. ومدخل
القلب .. وترفض أن ترحل.
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !