كما هو معلوم،شهدت عاصمة المملكة يوم الأحد 15 يناير 2012 مسيرة جماهيرية حاشدة لفتت انتباه المارة و الزوار و شارك فيها عدد كبير من المناضلين و المناضلات ممن كرسوا فكرهم ووقتهم للمسألة الامازيغية.حدث يستحق أكثر من وقفة لقراءة ظروف تنظيم المسيرة و الوقوف على ما جاءت به من مطالب و مواقف ثم التقييم النهائي لهذا الحدث الرمزي الكبير.
قراءة في الزمان: إن الدعوة إلى المسيرة في هذا الوقت بالذات لم يكن وليد الصدفة،فقد تم في وقت سابق اقتراح يوم 13 يناير الذي يصادف حلول السنة الامازيغية الجديدة،إلا أن أطرافا و جهات أخرى بادرت إلى رفع مقترح تأجيل المسيرة إلى يوم الأحد 15 يناير الذي يصادف نهاية الأسبوع لتمكين الفعاليات الامازيغية من المناضلين و المناضلات المرتبطين بالوظيفة العمومية من حضور المسيرة،مقترح نال رضى مهندسي الفكرة و اختير يوم الأحد.لقد جاءت المسيرة إذا متزامنة مع احتفال الشعوب المغاربية برأس السنة الامازيغية و ما تحمله هذه المناسبة من عميق الدلالات و الرمزية لدى الفاعلين الامازيغ،كما أن الحدث جاء في مرحلة تسبق بقليل الإعلان عن البرنامج الحكومي ،بمعنى أن للاختيار ما يبرره و ما التزامن هذا إلا بمثابة تنبيه و إشارة إلى الحكومة الجديدة بكون الصوت الامازيغي لا يزال يحافظ على قوته و تماسكه و حزمه ثم إصراره على تحقيق مطالبه من خلال التنزيل الفعلي لمقتضيات الدستور الجديد.
انه اختيار استراتيجي و موفق و يحمل من الدلالات الكثير.
قراءة في المكان : لا يختلف اثنان حول كون عدة مدن مغربية و في جميع الجهات شهدت و لا تزال مسيرات و وقفات تنظمها الحركة الامازيغية سواء من داخل حركة 20 فبراير أو من خارجها،إلا أن هذه المسيرة تميزت باختيار مدينة الرباط و عاصمة المملكة مسرحا لشكل نضالي موحد ،غير مسبوق و متميز بكل المقاييس.إن رمزية مدينة الرباط لا تخفى على أحد،و اختيارها إصرار من جانب الحركة الامازيغية على إيصال صوتها إلى الجهات المسؤولة بدون وسائط و همسة في أذن من يظنون أن الامازيغية قضية الهامش.لقد نجح المناضلون الامازيغ في لفت انتباه العالم إلى قضيتهم العادلة،وما حضور هذا العدد المهم من المنابر الإعلامية –باستثناء الإعلام الرسمي طبعا- إلا دليل على نجاح الاختيار.لقد اختار المنظمون الانطلاق من باب الأحد،هذا المعبر الاستراتيجي بالعاصمة و السير في اتجاه البرلمان لإثارة انتباه من يمثلون الشعب المغربي العظيم إلى أن الحركة الامازيغية مفعمة بالحياة و مستعدة للدود عن قضيتها إذا ما تخادل أو عجز هؤلاء الممثلون عن القيام بالمتعين في سبيل إنصاف قضيتها.كانت السفارة الليبية ضمن محطات المسيرة للتعبير عن التضامن اللامشروط مع أحرار ليبيا في محنتهم مع النظام الجديد/القديم،إلا أن القوات العمومية منعت المناضلين من ذلك رغم الترخيص بالمسيرة، و كجواب حضاري و مسؤول،ارتأت الحركة الامازيغية إلغاء هذه الزيارة للسفارة تفاديا للاحتكاك مع القوات العمومية لكون الحركة سلمية تنبذ العنف بكل أشكاله.
ان اختيار الرباط من شأنه التأثير أكثر من غيره و لا يسعنا إلا أن ننوه بهذا الاختيار المدروس.
قراءة في المشاركين : سنبدأ بالعدد كمعطى أولي،فإذا كانت بعض المنابر المعروفة بعدائها البين لكل ما هو أمازيغي قد زعمت أن عدد الذين حجوا إلى الرباط لم يتجاوز الألف شخص،فان منابر أكثر حرفية و معروفة بحيادها لم يمنعها موقفها من التأكيد على أن عدد الذين شاركوا في المسيرة فاق أربعة آلاف مشارك.ليس ما يهمنا في هذا المقام هو العدد الدقيق للمشاركين بقدر المعطى الثاني و هو أن توافد هذا العدد الكبير من المناضلين من كل جهات المغرب،من وجدة،الناضور،الحسيمة،طنجة،فاس،مكناس،الرشيدية،خنيفرة، المحمدية،مراكش،أكادير،تزنيت بني ملال البيضاء،،تارودانت،كلميم...وغيرها من حواضر المغرب و قراه و ما تحملهم مشاق السفر و التنقل لمئات الكيلومترات في برد قارس الا دليل قوي على استماتة الشباب الامازيغي و عزمه القوي على المضي قدما في سبيل نصرة قضيته.لاحظنا للأسف الشديد غياب التنظيمات السياسية المحسوبة على الموالين للأطروحة الامازيغية و إن كان من المفترض أن تكون في الصفوف الأولى للمسيرة لإرشاد و توجيه هذا الشباب والمشاركة في حسن تنظيم الشكل النضالي و كذا إعطاء هذه الطاقات أملا في الاطمئنان على قضيتها بدل الخطابات الرنانة المعسولة داخل الاستوديوهات الفخمة و الصالونات المكيفة،لا يسعنا إلا أن نشد بحرارة على يد هذا الكم الهائل من الطلبة الذين لم يمنعهم البعد و ضيق ذات اليد و أجواء الامتحانات من قيادة هذه المسيرة المباركة بكل جرأة و مسؤولية و عزم قلما نجد له نظيرا.
بوركتم أيها الشباب و دمتم أوفياء لقضيتكم العادلة ،موعدنا جميعا في محطات أخرى.
قراءة في الجهة الداعية للمسيرة : لنقل و بكل صراحة أن فضل (الفايس بوك) علينا كبير،فلم نعد بحاجة إلى منشورات و لا بريد و لا هيئة سياسية او مدنية،ثقافية أو حقوقية لدعوة المناضلين ،فالعالم أصبح قرية صغيرة مع الشبكة العنكبوتية.إنها دعوة كان مهندسوها مجموعة من الشباب الامازيغي التواق إلى الحرية و التغيير،شباب يؤمنون بعدالة قضيتهم و اختيارهم الفكري و انخرطوا في النضال في سبيل إحقاق الحق و رد أباطيل و افتراءات تعود أصحابها خنوع و خضوع إخوانهم من "البرابرة".ثلة من شباب طموح و جياش المشاعر تجاه لغته وثقافته الأصيلة،استفاد من نافذة من لا نافذة له لتنوير الشارع و كشف المستور و تنبيه المغرر بهم و التواصل مع من يتقاسمون الهم الامازيغي.لو أن المسيرة كانت بدعوة من هيئة أمازيغية رسمية لقرأها مريدو "حزب اللطيف" و من والاهم بإحسان إلى يوم الدين - كما عودونا - قراءة تجعل من المسيرة نتيجة طبيعية و حتمية لمؤامرة و تحريض فرانكفوني-صهيوني و غيرها من ترهات هؤلاء.نحيي عاليا كل الهيئات و التنظيمات الامازيغية و الحقوقية على دعمها للمسيرة الشعبية الشبابية و ندعو من خلال هذه السطور كل من يدعي وقوفه إلى جانب المطالب الامازيغية المشروعة للمشاركة الفعالة مستقبلا ضمن محطات تاريخية مماثلة .
نشكركم أصحاب الفكرة و نثمن مجهوداتكم و مساعيكم لانجاح المسيرة،هنيئا لكم فقد أبليتم بلاء حسنا.
قراءة في المواقف و المطالب :من خلال قراءة سريعة للمواقف و المطالب التي نادت بها المسيرة نجد أن ملف المعتقلين السياسيين للقضية الامازيغية استأثر باهتمام كبير،فمن خلال لافتات و يافطات و كذا شعارات ذات نبرة قوية ،نادى المناضلون بضرورة إطلاق سراح المعتقلين السياسيين للقضية الامازيغية يتقدمهم حميد أعضوش و مصطفى أوسايا و يوسف عهيد بصفة نهائية صريحة و غير مشروطة.الى ذلك عبر الشباب عن تضامنهم مع ساكنة اميضر باقليم تنغير في محنتهم داخل معتصمهم بجبل ألبان،كما طالبوا بكشف الحقيقة في ملف اغتيال رمز المقاومة المسلحة عباس المساعدي و كذا كشف مصير المختطف بوجمعة الهباز.المناضلون عبروا عن رفضهم لسياسة التسويف و الترقيع التي تنهجها الدولة في تعاطيها مع الامازيغية و ألحوا على ضرورة الاعتراف الرسمي بأمازيغية المغرب أرضا و شعبا و حضارة،و الاعتراف بالتعدد الثقافي و اللغوي و طالبوا كذلك باعادة كتابة التاريخ المغربي بأقلام وطنية نزيهة.المتظاهرون نددوا من جهة أخرى بتجاوزات بعض ذوي النفوذ و اضطهاد المواطنين كما لم يفتهم التعبير عن تضامنهم مع الاشقاء الليبيين عندما اعتبروا مصطفى عبد الجليل "قذافي" في حلة جديدة في إشارة الى أن شيئا لم يتغير في الجوهر بالقطر الليبي الشقيق. و طالب الشباب كذلك بجعل رأس السنة الامازيغية عيدا وطنيا و عطلة رسمية مما يفسر اختيار هذا الوقت بالذات للخروج في مسيرة تاوادا علاوة على ضرورة تعجيل الدولة بإنصاف خريجي مسالك الدراسات الامازيغية الذين حرموا من اجتياز المباريات اسوة بزملائهم من خريجي الجامعات .و ضمن المطالب أيضا نجد مسألة منح جميع مناطق المغرب حكما ذاتيا بدلا عن مشروع الجهوية الموسعة كما تم التنديد بسياسة ادارة المياه و الغابات التي تسعى حسب ما قيل الى تفقير و تهجير القرويين .الشباب ،تساءلوا عن مفارقة كون الارض في بلادنا أمازيغية في حين يعتبر المغرب دولة عربية كما عبروا كذلك عن إرادتهم الحقة في انتزاع جميع المطالب و الحقوق و تصميمهم على ذلك.
انها المواقف و المطالب التاريخية للحركة الامازيغية و الجديد في الموضوع أنها رفعت اليوم أمام مجلس نواب الامة و ليست منشورة على بيانات كثيرا ما تجاهلتها الجهات الرسمية متعمدة ذلك.
قراءة في الإعلام المرفوعة: من خلال نظرة على المسيرة،يجد المرء نفسه أمام فيض من الأعلام الامازيغية تتخللها أعلام ليبيا الحرة و كوردستان.و بعيدا عن الفهم السطحي للعلم الامازيغي و محاولة التأويل المغرض بزعم كون العلم الامازيغي انفصاليا فانه لا بد من الاشارة الى كون هذا العلم موحدا – بكسر الحاء -لا انفصاليا،فهو لا يرمز الى منطقة تسعى الى "الانفصال" بل بالعكس فهو يوحد أرض تامازغا و قاطنيها،انه رمز الهوية التاريخية و الجغرافية الحقيقية لشمال افريقيا لا غير،ليعلم من يسمح لنفسه بالتشكيك في نوايا الحركة الامازيغية أن هذه الحركة تؤمن بوحدة شمال افريقيا قاطبة و لا يمكن بأي وجه كان أن تكون حركة ذات توجه "انفصالي".ان رمي حاملي هذه الأعلام بتهمة الانفصاليين ضرب من ضروب الجنون و المس و لا يجدر الرد على مثل هذه الخزعبلات.عودة الى العلمين الآخرين؛فرفعهما تعبير عن تضامن المناضلين مع الشعبين الشقيقين،الليبي و الكوردي في محنتهما مع الأنظمة الاقصائية.
ليقل من يعادي قضيتنا ما يشاء و ليكل الاتهامات كما يحلو له،نحن أرقى من أن نرد على البعض و غيرتنا على وطننا أكبر بكثير من أن تحكم عليها بعض الجهات المشبوهة.
كخاتمة لهذه المقالة ،لقد حاول البعض الحكم على المسيرة بالفشل كضربة استيباقية،الا أننا نؤمن بنجاح مسيرتنا و عدالة قضيتنا و لن نلتفت الى الوراء.لقد أبان الشباب الامازيغي عن حس المسؤولية و الجدية،و أبوا الا أن يقضوا مضجع الذين يحلمون باقبار الامازيغية من جديد،لقد ربحوا الرهان و عبروا عن جاهزيتهم للوقوف أمام من يريدون اجهاض مشروع التغيير و الاجهاز على ما تحقق ثم الرجوع الى الوراء فيما يخص الامازيغية كمشروع مجتمعي طموح .
التعليقات (0)