ماهر حسين .
سعيتُ دوما لمحاولة رؤية الأمور من منظـــــــار مختلف متجاوزا" المعتاد من الأفكار والمقبول منها وأحيانا حاولت دراسة الموقف والرأي من زاوية مغايرة واعتقدت يقينا" بأن الله عز وجل منحنا العقل للتفكير ولنمتلك القدرة على التفكر والإطلاع بطريقة بعيدة عن (الأحكام المطلقة ) القائمة على كلمات (الحلال والحرام ) و(يجوز ولا يجوز) ..فما يجوز ....يجوز لأسباب وما لا يجوز.... لا يجوز لأسباب .
ولقد دعـــانا الله عز وجل للتفكر في محاولة لحثنا على أن نرى نعم الله علينا ونرى قدرته وآياته بالكون وبالإنسان مما يعزز من إيماننا الموروث أحيانا ".
في عام 1987 عندما اندلعت الانتفاضة الأولى وفي ظل مرحلة عمرية مبكرة نسبيا" ...كان هناك الكثير مما لا يجوز بحكم العادات والتقاليد وكان هناك ما لا يجوز بحكم الدين وبفعل الانتفاضة الفلسطينية البطلة أصبح هناك ما لا يجـــــوز وطنيا" ...وكان من الغير الجائز بذلك الوقت قراءة الكتب لمؤلفين إسرائيليين وبل أنه لم يكن من السهل أن تحصل على هذه الكتب في عالمنا العربي الذي يعشق الأحكام المطلقة !!
لا ادري كيف ومن أين يومهـــــــا تمكنت من الحصول على كتـــاب (انتفاضة ) حيث كان من تأليف كل من زئيف شيف وإيهود يعاري .
منذ قراءتي لذلك الكتـــاب أصبحت من عشـــاق رؤية الأمور بمنظـــار آخر ومن زاوية مغايرة وأصبحت مؤمنا" بضرورة الإطلاع على كل وجهــــــــات النظر ...وبكل صدق وبعد كل هذه السنوات فإنني أود التأكيد على أن هذا الكتاب كان يومها من أفضل ما قرأت عن (الانتفاضة ) ...في ذلك الكتـــاب قرأت للمرة الأولى بحياتي أسم (مبــــارك عوض ) ...قرأت عن فكرة المقــــاومة السلمية الذي حاول الترويج لها (مبارك عوض ) وقرأت عن الصعوبات التي واجهها فلسطينيا" ومن قبل إسرائيل التي قامت بنهاية الأمر بإبعاده من فلسطين ...كان يومها للمبعدين هيبة وكان لهم صولات وجولات بعالمنا العربي وبين صفوف الفلسطينيين في الخـــارج فلقد تحدث المبعدين عن التحرير وعن القيادة الوطنية الموحدة وعن الشهداء وعن الأسرى فأصبح المبعد مصدرا" للمعلومات ومصدرا" لتوجيه الرأي العــــــــام ولكني لم أستمع إلى مبارك عوض!!!!ولم أقرأ كثيرا" عن تجربته وعندما سألت عن المقاومة السلمية والمقاومة الشعبية قيل لي ومن عدة اتجاهات (كلام فاضي ) .
لم يكن من السهـــل على الفلسطيني وبشكل خاص ممن هو خارج الوطن أن يجد فرصة للتفكير بالمقاومة السلمية الشعبية بظل مشاهد تكسير العظـــــام ولم نكن مُطلعين في ذلك الوقت على تجربة (المهاتما غاندي ) ولم يكن (نيلسون مانديلا) قد نجح ....
يقول مبـــارك عوض مؤسس المركز الفلسطيني لدراسة الحركة السلمية بان النضال السلمي هو حرب حقيقية وهو ليس بديلا" سهلا" وهو ليس نضالا" سلبيا" بل هو نشاط ايجابي وشكل من أشكال الحرب المتنقلة التي تحتاج إلى تدريب خاص ودرجة عالية من التنظيم والانضباط ...واتفق هنــــا بكل صدق على صعوبة المقاومة السلمية وعلى أنها تتطلب إيمان مطلق بها كوسيلة للتعامل مع استفزاز الاحتلال وتجاوزاته ولكنها وسيلة ناجعة تساعد على تعزيز حركة التضامن الدولي مع شعبنا وتعزز من قدرة شعبنا على تنظيم نفسه بجموع تقوم بمواجهة الاحتلال بكل سلميــــة بما يساعد على عدم منح الاحتلال أي فرصة لاستخدام القوة المفرطة مما يؤدي إلى خسائر في صفوف شعبنا ...وهذا يحقق نتائج هـــــــامة وكبيرة تٌعزز من الصمود وتزيد من التضامن الدولي مع قضيتنا وتزيد من عزلة حكومة نتنياهو ...كما رأينا في بلعين التي تُمثل نموذجا" للمقاومة السلمية الشعبية ...ولو تجاوزنــــــــا الواقع الفلسطيني فالمقــــــاومة الشعبية السلمية الآن أصبحت واحده من أفضل الطرق للتعامل مع الديكتاتوريات ...ففي تونس رأينا ثورة شعبية سلمية تنتصر وفي مصر رأينــــــــــا شعب يثور سلميا"و ينتصر على نظــــــــام ويٌجبر كل دول العالم المتحالف مع النظام على احترام هذه الثورة الشعبية السلميــــة ...في اليمن هتفت الجماهير وقالت سلمية سلمية ...أما في سوريا فالشعب الأعزل والمسلح فقط بإيمانه وإصراره على التحرر يواجه أقسى أشكال العنف والقمع من قبل نظام إجرامي لا يرحم ومع ذلك نجد الشعب مصرا" على مواجهة القمع بسلاح الإيمـــان ...أما المعارك بين جيش النظام السوري التابع لبشار وجيش الشعب فهذه مـعارك مٌتوقعه بظل وجود شرفاء بالجيش يرفضوا إطلاق النار على شعبهم الذين يعتقدوا بأنهم وجدوا لحمايته و التخاذل الدولي والتباطؤ العربي عن نصرة الشعب المظلوم سيؤدي إلى مزيد من القتلى المدنين ومزيد من الانشقاق ومزيد من الاشتباكات بين جيش الشعب وجيش بشار ....مما سبق وبعيدا" عن التغيير السلمي الذي حصل بأوروبا الشرقية والعبر المستفادة منــــــــــه فإننا نجد أنفسنا أمام حقيقية واضحة تشير إلى جدوى المقــــاومة الشعبية السلميــــة في اغلب التجارب الحديثة ...في فلسطين وبخصوصية قضيتها التحررية هناك تأييد متصاعد شعبيا وتنظيميا" لنهج المقاومة السلمية فهنــــاك موقف ثابت للرئيس أبو مازن من هذا الموضوع فلقد رفض الرئيس ومنذ زمن المغامرات العسكرية باسم الجهاد أو غيره ورفض العمل بنظام المزايدات بين الفصائل وسعى لإيجاد قواسم مشتركة بين الجميع تقوم على أسس وطنية تحافظ على مصالح الشعب الفلسطيني وتعزز صموده وتساعد لتحقيق أهدافه سلميـــا" فلقد رفض إطلاق الصواريخ التي كانت تٌطلق من غزة من قبل حماس وغيرها وها هي الآن حمـــــاس وغيرها ترفض إطلاق الصواريخ من غزة وتعتبره خيانة كما جاء على لسان الزهـــار ....ولقد رفض الرئيس الفلسطيني العمل المسلح ضد الاحتلال واعتبره فرصه للاحتلال لضرب صمود شعبنا وتحطيم منجزاته على الأرض وها هي الضفة المحكومة من الشرعية وغزة المحكومة من حمــــاس كلاهمـــا بالسلطتين القائمتين يهما لا تسمحان بالعمل العسكري ...واعتبر الرئيس بكل مداخلاته ومواقفه وبغض النظر عن الظروف السياسية الضاغطة عليه بان العمل العسكري ضد الاحتلال ليس هو الحل بل الحل فقط يكمن فقط بالمقاومة الشعبية السلمية وان المفاوضات ليست هدف وإنما وسيلة تحقق السلام الدائم والعادل ...وها هي حماس صاحبة الأحكام المطلقة القائمة على (حلال وحرام ) (يجوز ولا يجوز) ...حماس بنفسها وعلى لســـــــــان رئيس مكتبهــــــــا السياسي خالد مشعل تعترف بجدوى (المقاومة السلمية والاحتجاجات الشعبية ) فيقول خالد مشعل بأن للمقاومة السلمية (قوة تسونامي ) ويستشهد مشعل بحديثه عن الثورات السلمية العربية التي أطاحت بأنظمة عربية ...وبهذا يلتحق مشعل وحركة حمــــاس بركب المقاومة السلمية المستندة إلى الاحتجاجات الشعبية وهو ما يؤكد عمق رؤية الرئيس أبو مازن ومن خلفه حركة فتـــح .
إن التحــــاق حماس بنهج المقاومة السلمية القائم على الاحتجاجات الشعبية تأكيد على أن هذا الخيـــــار ذو جدوى ولكن حماس تحتاج لمصارحة الشعب بجدوى هذا الخيار وحماس بحاجه للتوقف عن لعبة التصريحات المتناقضة وحماس بحاجه لٌتعلن لكل العالم بأنها قد اعتمدت هذا الأسلوب للتعامل مع الاحتلال وحماس بحاجه للتوقف عن استخدام الدين وسيلة لخداع الجماهير فتارة تجد حماس تتحدث عن الجهاد كفرض عين وعن التحرير من النهر للبحر وتارة أخرى تجدها حركة واقعية تتحدث عن دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام67 وبل إنها تتحدث عن مقاومة سلمية....إن نهج المقاومة السلمية لا يٌعيب مستخدميه طالما هو من اجل الوطن والمواطن وعلي الجميع أن يعي تجارب الشعوب وعلى الجميع أن يتعلم من تجارب الآخرين في الهند وجنوب إفريقيا وأوروبا الشرقية سابقا" ومن ثم تونس ومصر واليمن وغيرها ....لقد أمنت بجدوى هذا النهج منذ زمن وأمنت بخطورة هذا النهج على الاحتلال وتأثيره العميق عليــه ولاحظت هذا منذ أن قامت إسرائيل بإبعاد مبارك عوض من فلسطين ...لقد أمنت أكثر وأكثر الآن بان سلمية المقاومة في ظل تحول العالم إلى قرية صغيرة بفعل وسائل الاعلام قادرة على تحطيم اكبر الأنظمة وهذا حتمـــا قادر على إجبار إسرائيل على التعاطي مع القرارات الدولية مما سيؤدي حتما" إلى قيام دولتنا الفلسطينية على الأراضي المحتلة عام 67 وعاصمتنا القدس الشرقية لنعيش بسلام وجنبا" إلى جنب كل الدول ...أخيرا" أقـــول بان المقاومة السلمية الشعبية تعززت بمطالبة القائد مروان البرغوثي لاعتبار عام 2012 عام المقاومة السلمية الشعبية وقد أكد الأخ مروان من معتقله وبين سجانيه على أن طريق شعبنا للتحرر هو المقاومة السلمية الشعبية لعلنا نصل إلى حل والى سلام نرجو من خلاله أن يكون مستقبل المنطقة أفضل وان يكون مستقبل أطفالنا وأطفالهم أفضل ....داخليا" وبالتعامل مع الانقسام الفلسطيني ستبقى الديمقراطية هي الحـــــل أما المقاومة السلمية الشعبية فستبقى هي الأفضل للتعامل مع الاحتلال ولتعزيز الضغط الدولي على حكومة نتنياهو لعلنا نصل لمفاوضات تجعل من قيام دولتنا واسترداد حقوقنا أمرا" واقعــــــــــــا يعود بالنفع على هذا العالم المضطرب ...
إيهود إيعاري أو إيهود ياري: هو صحفي إسرائيلي ولد سنة 1945 متخصص في قضايا الشرق الأوسط. أجرى مقابلات مع عدد من الشخصيات المهمة والمرتبطة بالصراع العربي الإسرائيلي كالزعيم الفلسطيني ياسر عرفات والملك حسين بن طلال وحسني مبارك وعدد من رؤساء الوزراء الإسرائيليين.ساهم في تأليف كتاب انتفاضة مع زئيف شيف، كتاب يظهر وقائع الانتفاضة الفلسطينية لعام 87.
التعليقات (0)