بقلم/ ممدوح الشيخ
يعد احتمال انفصال جنوب السودان كدولة مستقلة أحد القضايا التي تشغل المحللين السياسيين وكثير من صانعي القرار إقليميا ودوليا لجهة التداعيات القانونية والسياسية، وربما العسكرية، في حال أصبح الانفصال خيار الجنوبيين. لكن من النتائج المهمة التي يتوقع أن تترتب على الانفصال – سلميا كان أو عنيفا – الغموض الذي يحيط بمستقبل مسلمي الجنوب، تلك الفئة التي لم ينشغل بمستقبلها المجهول أحد. وبخاصة أن البعد الديني كان أحد المكونات الرئيسة في فترة الصراع المسلح وكان كل من طرفي الصراع يرى هويته من منظور يشكل الدين سمة مميزة له.
ومن أهم مشكلات ملف مسلمي جنوب السودان غياب الإحصاءات الدقيقة، ومن المتعارف عليه أنه في عام 1984 من القرن الماضي كان لدى الكنيسة المشيخية الأميركية إحصاءات كانت إلى حد ما موثوقا، وحسب هذه الإحصاءات كانت نسبة المسلمين حوالي 18% مقابل 17 % مسيحيين 65% وثنيين. وهناك اعتقاد بأن هذه النسبة حصل فيها خلل لصالح المسيحية لفترة غير أن التقديرات تذهب إلى أن الإسلام نما في جنوب السودان لتتراوح النسبة حول 25% وربما أكثر. وفي عام 2002 كان هناك مؤتمر لمجلس الكنائس الإفريقي بأوغندا ورد فيه إحصاء يقدر نسبة المسلمين بـ 30%.
من ناحية أخرى فإن اتفاق نيفاشا جعل لغير المسلمين في شمال السودان مفوضية لرعاية حقوقهم ولم يقرر تأسيس كيان مماثل لمسلمي الجنوب رغم أنهما وجهان لعملة واحدة. وخلال السنوات القليلة الماضية سعى مسلمو الجنوب لتأسيس هذه المرجعية الواحدة، وبدأ المسعى على يد منظمات وهيئات وروابط إسلامية كثيرة منطلقاتها مختلفة ليتولى هذا المجلس ترتيب ورعاية مصالح وحقوق مسلمي جنوب السودان في المسائل التعليمية وقضايا الأحوال الشخصية والزكاة والأوقاف والحج والعمرة.
وشهد الأسبوع الأول من مارس 2010 في جوبا أعمال مؤتمر لمسلمي جنوب السودان يهدف المؤتمر لبحث واقعهم بعد الاستفتاء على تقرير المصير المزمع إجراؤه عام 2011، كون هذه القضية على أهميتها سقطت من أجندات النظام والأطراف الإقليمية والدولية التي رعت مفاوضات قضية الجنوب.
وقد حضر المؤتمر رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت وألقى كلمة خلال افتتاحه دعا فيها مسلمي الجنوب للعمل بكل حرية على نشر الدعوة الإسلامية، مؤكدا الحرص على التعايش السلمي بين الأديان في الجنوب، أما رياك مشار نائب رئيس حكومة الجنوب فقال إن المؤتمر استطاع جمع مسلمي الجنوب في صعيد واحد، لتكوين جسم يرعى حقوقهم وإدارة مؤسساتهم.
ورغم أن الأجواء في الجنوب إيجابية بصفة عامة إلا أن ثمة اتهامات بوجود حملات ممنهجة تستهدف المسلمين على يد حكام الولايات الجنوبية بينها حملات تنصير. وكانت وثيقة رسمية صادرة عن رئاسة الجمهورية السودانية عام 2007، كشفت عن ما أسمته "خروقات خطيرة" قامت بها "الحركة الشعبية" تتمثل بمظاهر عنصرية ضد المسلمين وحجاب الفتيات المسلمات.
وفي مسعى لقطع الروابط بين الإسلام والعروبة في الجنوب قال التقرير إن حكومة الجنوب سعت لاستبدال المنهج السوداني العربي بالمناهج الكينية والأوغندية، وكذلك الاستعانة بمدرسين كينيين، فضلا عن اعتداءات متعددة بحق المؤسسات التعليمية للمسلمين. وقالت الحكومة المركزية إنها تدخلت لوقف الانتهاكات ضد مسلمي الجنوب التي تزايدت مع التعداد السكاني الذي كان موضوع خلاف بين الشمال والجنوب.
وكانت "منظمة الدعوة الإسلامية" التي أنشئت مطلع التسعينات من القرن الماضي أهم المنظمات التي سعت لتحسين أحوال مسلمي الجنوب ونشر الدعوة فيه، وقد أنشأت مئات المساجد. ويحذر وجهاء مسلمي الجنوب من أن أوضاعهم ستكون أكثر سوء إذا اختار الجنوبيون الانفصال. فاتفاقية السلام وضعت إطارا نظريا ممتازا للتعايش بين الأديان لكن هناك شعورا عاما بين مسلمي الجنوب بأنها لم تنصفهم كما أنصفت مسيحيي الشمال.
وقد عقد المؤتمر في وقت بالغ الصعوبة قبل أسابيع من أول انتخابات تعددية يشهدها السودان ما جعل البعض يقرأه في سياق سياسي حيث يستهدف الجنوبيون من عقده تطمين مسلمي الجنوب على مصيرهم الغامض بعد الانفصال، فيما يسعى النظام السوداني لاستخدمهم لوقف عجلة الانفصال.
التعليقات (0)