مسلمون.. في ملابس الرهبان والقساوسة!
بقلم: محمـــــــــد رجـــــــب
mo_ragab4u@yahoo.com
لم يزعجني حادث نجع حمادي، ولم تعجبني طريقة عرضه في معظم وسائل الاعلام، فمعظم الذين تناولوا هذا الحادث بلا خبرة في تحليل الجريمة، ولا هم من أصحاب النوايا الحسنة في السياسة! بل الذي يزعجني بحق هم هؤلاء الذين يحاولون قلب الحقائق والصيد في الماء العكر وضرب الاستقرار في مصر.
تحليل هذا الحادث - وغيره - يقتضي ان ننظر إليه دون اغفال بطبيعة البيئة وموروثاتها من ناحية، وشخصية الجناة من ناحية أخري.. ومن ناحية ثالثة طبيعة الدافع إلي الجريمة مع ربطه بالعنصرين السابقين!.. من هنا اقول ان الحادث الأخير يمكن إدراجه ضمن جرائم الثأر وليست الفتنة الطائفية، فنحن امام واقعة سابقة هي الدافع الأساسي لما حدث، واقعة اغتصاب فتاة من احدي العائلات المسلمة مما يجلب العار لكل أفراد العائلة حتي جيل الاحفاد فيها.. ترتب علي هذا ان اصحاب هذه العائلة قرروا الثأر بقدر ما أصابهم من عار سواء العائلة أو القرية التي تعتبر هي العائلة الأم في مثل هذه الجرائم!.. لكن.. وهذا هو حجر الزاوية في الموضوع.. تصادف ان المجني عليها مسلمة والجاني مسيحي.. وبالتالي حاول اصحاب النوايا السيئة اشعال النار في برميل البارود، وتناسوا طبيعة المكان والاشخاص ونوعية الدافع.. ولو كان هؤلاء من حسني النية لتساءلوا.. ماذا كان يمكن ان يحدث لو كانت المجني عليها مسلمة والجاني مسلما؟!.. والجواب الذي لايحتمل أي تأويل وباعتباري من اصحاب الجذور الصعيدية أؤكد انه كان سيحدث نفس السيناريو.. وإمعانا في الثأر كان سيتم اطلاق النار ليلة عيد الفطر أو عيد الأضحي.. وارجعوا إلي جرائم الثأر الكبري وسوف يتأكد الجميع ان اختيار ليلة العيد يكون مقصودا ومستهدفا حتي يحقق الثأر هدفه من سواد الحقد والكراهية التي تملأ قلوب هؤلاء المؤمنين بالثأر في جنوب مصر!
أنا لا أقلل من شأن الحادث ولكنني اطالب بأخذ مرتكبيه بكل شدة دونما رأفة، لكن باعتبار انه حادث جنائي بحت لايمكن صبغه بلون سياسي إلا ممن يتربصون باستقرار مصر وتؤلمهم هذه العلاقة المتينة من الحب والود بين مسلمي ومسيحيي هذا الوطن.
.. وأذكركم بحادث المسيحية التي تزوجت مسلما وانجبت منه طفلا في الاميرية وقام اقاربها باطلاق النار علي الزوج وزوجته واسرته فسالت الدماء وفارق الزوج الحياة.. حدث هذا في قلب القاهرة.. ولم يصب المسلمون بالهياج السياسي ولم يتحركوا للثأر من العائلة المسيحية رغم ان الدفاع كان واقعة زواج رسمي بينما الدافع في واقعة نجع حمادي كان اغتصاب تأباه كل الضمائر.. لكن طبيعة المكان والاشخاص جعلت الحادث جنائيا حققته النيابة مثلما تحقق أي حادث قتل. فلماذا النفخ في النار اذا ما وقع حادث في الصعيد.. بل اذهب إلي أبعد من هذا وأؤكد انه لو كان المجني عليها مسيحية والجاني مسيحيا والواقعة في الصعيد المصري فإن نفس الحادث كان سيتكرر ايضا بين أبناء الدين الواحد.
لاعلاقة إذن بين الحادث والدين، ومن هنا كان عدم انزعاجي ولأنني - ايضا - وأنا أدعي انني متدين كمسلم من شعر رأسي لأخمص قدمي لايطاوعني قلبي ولاتجرؤ يداي علي مجرد القاء طوبة علي كنيسة لأنها دار عبادة لديانة انزلها الله من السماء.. ومن قواعد الفقه المتفق عليها في الاسلام تطبيق الحدود في اشرف الاماكن، فاذا طبق الحد علي أحد الجناه في المدينة كان تطبيقه في ساحة الحرم النبوي، واذا كان تطبيقه في مكة كان في ساحة الحرم المكي.. واذا كان الجاني مسيحيا اتفق المسلمون علي تطبيق الحد في الكنيسة باعتبارها اشرف مكان في عبادته:
ان الذين يشعلون نار الفتنة هم اكثر إجراما من الجناة في الحوادث التي تنسب إلي الفتنة الطائفية.. واعود للتأكيد علي أن مصر اكبر من ان تهتز امام المتربصين بها مهما كانت بشاعة قلوبهم وتآمرهم علي هذا الوطن.
دعوني أروي لكم من هم المسلمون والمسيحيون المصريون، فقد كنت اثناء زيارتي للقدس المحتلة عام ٤٩٩١ في مقابلة مع المطران ابراهيم نائب البابا شنودة في دير السلطان، وحكي لي الرجل قصة يجب ان تكتب بماء الذهب لشعب مصر.. ففي احدي السنوات وقبل الاحتفال بعيد القيامة وحج المسيحيين اكتشف بين مطران القدس ان عدد الرهبان والقساوسة والآباء الذين سيمثلون الأقباط الأرثوذكس في المحفل السنوي داخل كنيسة القيامة يقل عن خمسين شخصا.. وكانت الأعراف تستلزم أن يتم تثبيت العدد في الاعوام القادمة.. فلو دخل الاربعون مسيحيا هذا المحفل في هذا العام، فلن يزيد عدد الرهبان والقساوسة والآباء في السنوات التالية عن أربعين طبقا للعرف السائد.. وكان يهم مطران القدس ألا يقل عدد ممثلي الاقباط الارثوذكس المصريين عن خمسين بأي حال من الأحوال.. وبينما الرجل حزين يفكر في كل الأزمة فوجيء بعدد كبير من المسلمين وقد ارتدوا ملابس الرهبان والقساوسة والآباء، وطلبوا من مطران القدس ان يختار العدد المطلوب من بينهم ليكونوا ضمن المحفل حتي يحافظوا لاخوانهم المسيحيين علي نسبة المشاركة.. وبالفعل تم اختيار عشرة مسلمين متطوعين لهذه المهمة، وبالتالي ظلت نسبة المشاركة كما هي فلم يكتشف أحد أية فوارق بين الاشخاص الخمسين الذين دخلوا ضمن المحفل وهم يحملون الصلبان!
هذا ما رواه لي مطران القدس في الأراضي المحتلة.. وهذا ما يؤكد عمق العلاقة بين جناحي الأمة، وهي علاقة تزعج أعداء مصر فيندفعون بحثا عن فرصة لبث الوقيعة وقطع الجسور بين ابناء الوطن الواحد!
مصر.. كيداهم.. لأنها اكبر من الفتن!
التعليقات (0)