حي صلامندر بمدينة مستغانم الذي يستقبل السياح بكثرة منذ بداية موسم الاصطياف هذا، من المنتظر أن يستقبل "ضيفا" آخر، يتمثل في الجرافات التي يفترض أن تسوي مسرح الموجة بالأرض في دقائق معدودات والبناية كلها على صغرها لا تحتاج في النهاية إلا إلى جرافة واحدة. ومع انهيار تلك البناية الخشبية البسيطة قد لا يدري قائد تلك الآلة العمياء أنه بصدد تهيم تراث مسرحي كبير يمتد إلى أكثر من ثلاثين سنة، وبعدها يتحول مسرح الموجة إلى مجرد ذكرى جميلة مثل كل الذكريات الأخرى التي تعود على الزمن الماضي في بلادنا ويصبح حي صلامندر واجهة بحرية عصرية "تليق" بزمن العولمة هذا الذي لا يعترف بالخصوصيات الثقافية ولا بالمباني العتيقة التي يتشبث الشعراء والفنانون بها، وسينتقل الفنان جيلالي بوجمعة إلى مدينة البيّض بوابة الصحراء من الجهة الغربية، وهناك يعيش في صمت إلى أن يأتيه المنية مترجلة ذات سنة. وفي النهاية ستربح مدينة مستغانم واجهة بحرية "تليق بها" وبهذا الزمن الجديد، وبالمقابل ستخسر معلما ثقافيا كبيرا على صغر حجمه وتواضع بنايته.
والأمر في النهاية ليس "مؤامرة" على الثقافة ومعالمها ي تلك المدينة الجميلة التي اشتهرت بالمسرح، ولكنها حسابات المرحلة لـ"رجال" المرحلة الذين لا يعترفون بالثقافة والفن و"تكسار الرأس" وإنما يريدون مدنا عصرية كالماء بلا طعم ولا لون ولا رائحة، لكنها تحتوي على مساحات تجارية كبيرة وسلع تأتيها من كل بلاد الدنيا حتى تتحول بلادنا إلى بازار كبير، وما صلامنر و"مسرح الموجة" إلا واجهة لما يحدث، والكثير من المدن الجزائري، تخلت على أشجارها وبناياتها ومعالمها بعد أن استولى على زمامها "الأثرياء الجدد" من البقارة وأصحاب الشكارة وأعطوها محتوى عصريا يليق بمقاماتهم "العالية". في مدينة سطيف مثلا تم القضاء في زمن مضى على تراث حقيقي له ارتباط بتاريخ المنطقة وما حدث في ماي 1945 الذي غيّر وجه تاريخ الجزائر المعاصر، وتم تشييد "حديقة الحيوانات" فوقه، والآن بدأت كل المعالم العمرانية العتيقة تزول من أمام عين الفوارة وتعوض ببنايات شاهقة منها فنادق بعدد من النجوم في انتظار إزالة عين الفوارة نفسها عندما يحين دورها، وحظيرة القالة المصنفة عالميا يهددها الطريق السيار الذي ينتظر أن يقضي على تلك الثروة الطبيعية والحيوانية، وكل ذلك يهون في سبيل هذه العصرنة العمياء التي لا تؤمن بثقافة ولا خصوصية، فاليوم سينهار مسرح الموجة وغدا ستأخذنا هذه الموجة العمياء إلى الهاوية.
التعليقات (0)