عبد الهادي فنجان الساعدي
المسرح له طقوس خاصة وكأنه معبد.. فلا تدخين ولاطعام... ولا كلام ولا أي شيء مما يعكر سير الحياة في هذه البقعة التي تسمى المسرح.
لهذا الحد والكلام داخل الصالة.. اما خارج الصالة فهو صخب وكلام كثير يتناول المسرحية كتأليف وتمثيل واخراج، وهذا يتشعب الى كل جذور التأليف والتمثيل والاخراج.. ولا يذكر المسرح الا ويذكر شكسبير.. ولا يذكر شكسبير الا ويذكر هاملت.. والسير وراء هاملت كالسير وراء تاريخ الانسان وما يشمل من احاسيس ومشاعر وانفعالات وطغيان وظلم وثورة وكفاح وفكر انساني.
وما ذكرناه يشمل هاملت في نسخ عديدة جدا، نقصد وجهات النظر التي ترجمت بها ووجهات النظر التي اخرجت بها. لقد مثلت في انكلترا فقط.. ما مجموعه خمسون سنة.. فلا تخلو سنة مسرحية من شكسبير وان خلت فهي لا تخلو من هاملت كحدث او كمطبوع او كنقد او كفلم حتى إن الناقد الكبير جون دوفر ولسون عندما كلف بالكتابة عن هاملت قرأها عدة مرات وبعدها اكتشف الكثير مما لم يكتشف في السنوات المئة التي سبقته... وكان كتابه الرائع "ما الذي يحدث في هاملت؟ " ترجمة الاستاذ الفذ المرحوم جبرا ابراهيم جبرا.
نترك هاملت لنتجه الى المسرح العربي وعندما نتجه الى هذا المسرح يقف امامنا هاملت مصريا او عربيا ليذكرنا بالجدل الذي بقي قائما لمدة عام كامل.. لاختيار من يمثل هاملت وكان على راس المرشحين الممثل العربي الفذ عبد الله غيث والممثل المبدع كرم مطاوع ناهيك عن الكثير من الممثلين الافذاذ وقد تم اخراجها في السنة التالية ومثلت من قبل ممثلين شباب توالوا على البطولة واصبحوا فيما بعد على رأس ممثلي السينما المصرية. وعندما نلتفت الى الجهة الاخرى من المسرح نجد المسرح الكوميدي والذي يسمى في مصر " المسرح المناضل" فما هو الربط بين الكوميديا والنضال؟.. هذا ما سنعود اليه في اخر المقال.
نجد هنا مسرحيات يدوم عرضها عشر سنوات تدخل وانت ملئ بالكآبة والحزن وتخرج وانت متخم بالامل الضاحك ودفعة الحماس التي شحنتها المسرحية في داخلك. وعندما نعود الى المسرح العراقي... مسرح القمة.. مسرح الجوائز والمهرجانات الكبيرة.. نجد سامي عبد الحميد الاستاذ المتمرس يقف شامخا ويجسد هاملت عربيا فلا نجد بدا من التصفيق الحار على مدى المسرحية.
ثم نجد "تموز يقرع الناقوس" التي حصدت الكثير من جوائز المهرجانات العربية الكبرى.. نترك كل هذا الكم الهائل من البطولات والنضال المسرحي المضني لنتجه الى المسرح الشعبي الذي كان يقسم المسرحية بين الضحك والبكاء، فمن خلال الضحك كان يبكينا على حالات لا بد من عرضها على المسرح ونكتب عن حالات السلب والايجاب في المسرح الشعبي.
يبدأ المسرح الشعبي بالانحدار ليقف على حافة (بيت وخمس بيبان) لنشاهد الضحك فقط.. لقد حاولوا جرنا الى البكاء ولكننا لم نبك وعندما حاولوا اضحاكنا.. ضحكنا.. صحيح اننا لم نضح ملء اشداقنا.. ولكننا على كل حال ضحكنا..
نترك هذه المسرحية التي دام عرضها ما يقارب الخمس سنوات لننحدر وبدل إن يدفعنا الحصار الى بناء مسرح مناضل دفعنا الى هاوية التفاهة بمسرحيات فجة ...وتافهة.. وبأمكانك إن تسميها أي شي الا "مسرحية". وشمل ذلك الانحدار التاليف والاخراج والتمثيل.. واصبح الانتاج اوسع ابواب الثراء او الاثراء وترك الباب مفتوحا امام الطفيليين ليدخلوا الى عالم الانتاج الفني وليزاحموا " اهل الصنعة "من المختصين من الاعلام ومن خارج الاعلام. لقد نمى ما يسمى بالمسرح التجاري كنمو الطفيليات عندما نترك المكان دون نظافة ودون مراقبة. لقد بقيت شماعة الحصار جاهزة لتعليق اعذار القتل الجماعي.. لقتل الوعي الجماهيري ...والرصد الجماهيري والتأهب لتآمر الاعداء.
كان من الصعب الوقوف امام هذه الكتل الكبيرة من المخربين لذوق وثقافة ومسيرة الناس والمسرح..
اننا بحاجة الى كلمة مناضلة.. الى كل حرف يكتب او يقال ليكشف جرائم العصر وما نشهده من تدمير متعمد للبنية التحتية لاخلاق الناس لا الى مجموعة من التفاهات والكلمات الخارجة عن نطاق الذوق والاخلاق ومجموعة من الاجساد المغرية.
التعليقات (0)