مواضيع اليوم

مسرحية وكالات - عمار نعمه جابر

مسرحية وكالات

 

و

( شاشة كبيرة في مؤخرة المسرح ، تتناثر كراسي ، ومناضد مختلفة . ثمة مرآة على اليمين ، مجموعة كبيرة من اجهزة التلفاز على شمال المسرح ، رتب بعضها فوق بعض ، وهناك ايضا مجموعة من لوحات التحكم – الريمونت كونترول – ملقاة على المناضد ، ومعلقة في الهواء . نشاهد مرآة كبيرة اخرى معلقة في الاعلى بموازاة الخشبة ، فيها انحناءة بسيطة ، تجعل الجمهور يشاهد انعكاس صورة الخشبة وما عليها في المرآة .

يدخل مواطن متخفيا ، رجل في منتصف الثلاثين من العمر ، يرتدي معطفاً طويلاً اسود اللون ، ونظارة سوداء ، ويشماغاً منقباً به لإخفاء ملامحه ، يرتدي مواطن أيضا قفازات سود ، وحذاءاً هو الآخر اسودَ اللون . مواطن يدخل متسحبا بخطاً خفيفة ، ينظر يمينا وشمالا ، ثم يتقدم ، حتى يصل الى مقدمة المسرح ، يتحرك الى أقصى يمين الخشبة ، يرى نفسه في المراة فيفزع ، ثم يرتد الى الوراء  ، ومن ثم يتحرك الى اقصى شمال المسرح ، يتاكد من أجهزة التلفاز مغلقة ، يرجع الى الوراء . ينظر مواطن الى نفسه في المراة التي في الاعلى ، يبقى يحدق في صورته ، يتحدث معها بخشوع .. )

المواطن         : تنظر إليَّ .. تراني … أعرف ذلك … تسمعني .. أعرف ذلك .. ولكن أجمل ما فيك يا أنا ، انك تعرفني حتى لو كنت متخفياً . ( يضحك .. ثم يتوقف فجاة ) هس .. إحذر قد يسمعك أحدهم .. إحذر .. أنت تعرفني يا أنا ( يتحرك بحذر ) لقد تعبت جدا .. بل جدا جدا .. نعم تعبت .. نعم جدا و جدا جدا .. لقد تعبت منهم .. لا يملّون من مطاردتي في كل مكان .. كأنهم ظلي الملتصق بي .. لا أعرف طريقة للفرار منهم .. لذا قررت هذا المساء أن أدخل بيتي متخفيا .. نعم متخفيا كي أدخل بيتي ( يضحك .. ثم فجاة يتوقف ) هس .. إحذر سيسمعك أحدهم .. لا ترفع صوتك .. ( يتحرك ) أريد فقط أن أنام .. في بيتي .. نعم .. أنام في بيتي .. أريد أن أضع رأسي على وسادتي .. وأنام .. شهوراً طويلة وأنا لا أستطيع النوم .. يكاد رأسي أن ينفجر .. آه .. رأسي ( يمسك رأسه ) آه رأسي يؤلمني .. يؤلمني بشدة .. أريد النوم .. أحتاج الى نوم عميق يبدد الألم والإرهاق الذي يكاد أن يقتلني .. فكرت أنني إذا تخفّيت لن يعرفونني .. ولن يطاردونني .. أريد أن أعانق وسادتي .. لتحتضن رأسي ومتاعبي .. كأي قلب حنون يحنو على طفل يتيم .. ( ينفعل  ويرفع صوته ) والله أنا يتيم .. نعم يتيم ونعسان .. نعسان ( يقع على الارض .. يكور جسده ويبدا باغماض عينيه وهو يردد )  يتيم ونعسان .. ممم .. نعسان .. ( حين يبدأ مواطن بالنوم .. تبدأ إحدى لوحات التحكّم المعلقة بالحركة ، ثم يبدأ أحد أجهزة التلفاز الكثيرة في شمال المسرح بعرض نشرة أخبار ) 

التلفاز الاول       : ومن الموجز الى التفاصيل .. 

( ينهض موطن مفزوعا من مكانه .. يقف على قدميه ، وهو يصرخ ) 

المواطن.           : انا لست مواطناً .. لست مواطناً .. ماذا يجري هنا .. أنا لست مواطناً ..

التلفاز الثاني       : بدأ سيادة الرئيس ، رعاه الله ، وسدد خطاه ، بجولة جديدة … 

المواطن            : أيُّ رئيس !  ، أقول لك أنا لست مواطناً .. مواطن ترك هذا البيت الى الأبد .. أنا الساكن الجديد .. رجل لا أحب مشاهدة التلفاز أبداً .. هل تفهم ؟.. أُحب أن أستمتع بوقت وحدتي .. أرغب في أن أحضى بما أرغب ( يتحرك .. ويغير نبرته ) أنا .. أنا لست ضد احد او ضد التلفاز .. لا .. أبداً ..  ثم أن أمي طلبت مني حين كنت صغيراً ، أن أبقى طوال حياتي بجانب الحائط ، وقد وعدتها بذلك .. ( يتحرك ) ولكنني ضد أن يأكلني … عفوا .. أقصد أن يأكل وقتي .. ويصبح حبلاً يلتفُّ على عنقي .. لا أريد أن أراه كل الوقت .. أريده فقط وقتَ ما اشتهيه .. مثل الطعام ، مثلا .. هل يمكنك يا صاحب الفخامة أن تأكل الطعام ، في وقت كانت فيه معدتك قد أُتخمت بشتى أنواع الطعام ؟ هل يمكنك ذلك ؟ لقد أُتخمت من التلفاز .. أريد أن أحضن وسادتي .. أريد ان أنام يا اصحاب الفخامة والعظمة .. أرجوكم ..

التلفازالاول        : وفي موضوع مرتبط .. 

المواطن           : توقف .. لا أريد أن أسمع شيئا توقف .. لم أعد أهتم بأي موضوع .. ولا بما يرتبط به .. هل تفهم .. صارت كل المواضيع متشابهة عندي .. كل الأبطال في الاخبار صاروا متشابهين .. كل الأحداث متشابهة .. ( يتحرك ) تكرار مقيت لما يجري لملك الدولة التي تقع في أقصى الشمال ( يتحرك ) .. نفسه الذي حصل لزعيم الثورة في الدولة التي تقع في أقصى الجنوب .. ( يتوقف ) أنا أعرف كل ذلك .. لقد أصبحت أعرف كل ذلك .. أرجوك سيدي المذيع .. لم تعد كل قنوات الأخبار تشغلني .. لا أريد أن أسمع نشرات الأخبار .. سأموت من  تخمة نشرات الأخبار .. في السادسة .. والسابعة .. والثامنة والتاسعة ..       ( يتحرك ) أريد أن أنام .. أريد أن أرتاح .. ( يأخذ جهاز تحكم ويحاول إغلاق التلفاز ) إسكت .. إسكت أرجوك .. ( يبدا تلفاز اخر من المجموعة التي في شمال المسرح بالعمل .. فيبدأ كلا التلفازان  بقراءة النشرات بشكل متداخل ) ماذا يحدث ؟ .. ماذا يحدث هنا ..؟ 

التلفاز الثاني : ومن الموجز الى التفاصيل .. 

مواطن            : أرجوك .. لا أرغب في سماع أي تفاصيل .. توقف.. لا أريد التفاصيل ..        ( يحاول البحث في أجهزة التحكم المعلقة .. ويضغط الأزرار .. ويضغط )

التلفاز الأول والثاني: وللمواطنين كل الحق في إتخاذ أي قرار يرون أنه صوابا ..

مواطن         : ( يتوقف مواطن عن ضغط الأزرار فجأة .. ثم يقترب أكثر من التلفاز )       للمواطنين كل الحق ؟ توقف اعد ما قلت ..

التلفاز الاول والثاني: ومن جهة اخرى ..

مواطن           :  لا.. لا .. أرجوكم لا تذهبوا للجهة الأخرى .. دعونا نهتم بحق المواطنين أولا لقد ذكرتم حق المواطنين ..( يغير من لهجته .. ويبتسم )  أنا كنت أضحك معكم فقط .. نعم .. صدقوني .. أنظروا ( ينزع قبعته ونظاراته ) أنا مواطن .. نعم مواطن .. صاحب هذا البيت .. فقط كنت أضحك معكما .. ( يضحك ) ها .. هل تعرفتم عليَّ ( ينزع المعطف ) أنا مواطن .. دعونا نتحدث عن حق المواطن الذي تكلمتم عنه الآن  .. لنناقش الموضوع .. ( يضع يديه خلف ظهره ويسير جيئة وذهابا .. ويتكلم بتكلف ) .. نعم أتفق معكم في أنَّ لي حق القرار .. معكم جدا جدا .. فالمواطن إنسان ، وهو لذلك بحاجةٍ الى منحةٍ من القرارات ، وخصوصا تلك التي لها علاقة بخصوصيات حياته .. نعم .. انها خصوصيات .. خصوصيات هل تفهمون ؟ .. خصوصا في الصالة ، في وسط بيتي .. هل هناك ماهو أكثر خصوصية من الصالة وسط بيتي ؟ .. ( يتحدث مع التلفاز وجها لوجه ) هل هناك .. نعم .. ماذا مخدع النوم ! .. معكم في ذلك غرفة النوم اكثر خصوصية .. هذا صحيح .. ماذا .. هناك ماهو أكثر خصوصية ! .. لا .. لا .. لا تقل ذلك .. لا أرجوك .. هل تريد أن تكون معي في الحمام ايضا .. هل يعقل هذا .. نشرة أخبار في الحمام ! .. وعن أي الموضوعات تتحدث نشرة الحمام ؟ ها .. هل تقدم النشرة بالتفاصيل أم تكتفي بالموجز ( يضحك .. ثم يتوقف ليصبح أكثر جدية )  .. أيها السادة .. أنا مواطن وأرغب في الحق الذي تكلمتم عنه .. نعم .. حق اتخاذ القرار في الصالة .. في غرفة النوم .. وحتى في الحمام .. وحق القرار في الساعة التي أشاهد فيها التلفاز .. وفي نوع الأشياء التي اسمعها .. وأشاهدها .. وأتعانق معها .. وأتقيأها .. هل هذا مفهوم ؟

التلفاز الاول      : وقد تعذّر فهم هذا الموقف من جانبنا ..

مواطن            : ( غاضبا ) ماذا تقول .. تعذّر .. ماذا تقصد ! أنت من يقول عن حق المواطن .. هل تذكر ؟ لا تحاول أن تتملص عن كلماتك .. أنا مواطن ولي حق .. نعم لي كل الحق أن أختار في ايِّ وقت أستمتع وأشاهد التلفاز .. ولا أرغب أبداً أن يتحكّم بي كائنا من كان .. ( يتحرك ) أنا تعبت من كلِّ إختياراتكم .. خذوا رأيي في فقرات قنواتكم .. إصنعوا إستبياناً عن .. عن رأي السادة المشاهدين في كل ما تطرحون .. نعم .. في كل البرامج التي تضطهدون بها مواطناً مسكيناً مثلي .. خذوا رأي الناس .. اتركوا الناس تراكم في الوقت الذي يرغبون ..

                    ( ينظر الى صورته في المراة العليا ) لماذا تنظر اليَّ هكذا ؟ لا تنظر اليَّ هكذا .. إبعد عينيك عني .. يجب أن أقول كل ما في داخلي .. صدقني يا أنا .. تعبت جداً .. تعبت ، وأنت أكثر من يعرف ذلك .. لقد تحولت حياتي الى جحيم إسمه القنوات الفضائية .. إنهم يمارسون نحوي شتى أنواع الاضطهاد .. ( يرفع يده بإتجاه المرآة في الأعلى ) قلت لك يا انا لا تنظر اليَّ هكذا .. لقد فقدت كل توازني .. هل تفهم .. ؟

( تظهر على الشاشة الكبيرة مشاهد مكتوب في أسفلها – بلا تعليق – وفيها صور مختلفة لاحداث ، فيضانات ، كوارث طبيعية ، وزلازل ، ومجاعات .. يفزع مواطن ويتراجع الى الخلف .. ثم يقع ) 

مواطن.            : يا إلهي .. يا إلهي .. سترك يارب .. ما هذا ! .. كل هذا وبلا تعليق ! .. يا إلهي .. ما هذا الذي يحصل .. الموت يحاصرهم .. يحاصرنا مثلهم .. يفقدنا معاني الطمأنينة .. يشعرك وكأن العالم .. العالم كله ، قد تحول الى واد سحيق ، أمام عينيك وأنت تقف أمامه .. تقف على حافة الهاوية .. ( يدير وجهه بعيدا عن الشاشة الكبيرة ) لا .. لا أرغب في أن أرى ذلك .. إنهم يموتون .. يتشردون .. دموعهم تحاصرني .. انهم جزء مني .. نعم .. قد لا أعرفهم .. ولم يتم لي ان أزور مدنهم .. بل وحتى أنني لا اعرف اسماء مدنهم .. ولا موقعها على خارطة العالم .. ولكنهم يملكون جسدا يشبه جسدي .. تماما .. وعيونا مثل التي أملكها .. واذرعاً ، تماما مثل ذراعيَّ هاتين .. نعم .. ولهم أطفال مثل أطفالي ( تتوقف الشاشة الكبيرة عن بث المشاهد التي بلا تعليق ) أطفالي .. كم كنت احبهم وهم يملأون الصالة هذه بالبراءة .. والضحكات ( يتحرك مثل الاطفال ) يمرحون ..بابا .. بابا .. يلعبون بكل تلك الأزرار .. بابا.. ويضغطون على ارق جزء في قلبي .. فافرح .. افرح مثلهم .. واحاول ان ابدو طفلا مثلهم .. ببرائتهم .. بما فيهم من صدق .. طهارة .. ( تبدأ وبشكل متسلسل كل مجموعة اجهزة التلفاز بالعمل ، واحدة تلو الاخرى ، وبإيقاعٍ متصاعد ، حيث تقوم بعرض لقطات لمشاهد من مسلسلات الكارتون العنيفة والقاسية ، التي نسمع فيها أصوات إطلاق النار والصراخ .. وفي كل هذه المشاهد نرى مواطن وكأنه يصاب في كل مرة بطعنة .. مرة في خاصرته .. وأخرى في قلبه .. ومرة في ظهره ) آه .. آه .. لا .. ياإلهي .. آه ..  لا .. آه .. أرجوكم لا .. آه .. يا إلهي .. ( يغلق اذنيه بكلتا يديه ) كفى .. كفى .. توقفوا عن هذا الخراب .. ( يتحرك ) كان أطفالي يجلسون هنا .. يتوسلون بي : بابا لقد بدأ مسلسل  الكارتون .. أعطنا جهاز التحكم .. فأقول لهم : ولكن ! .. فيتوسلون بي : أرجوك يا أبي .. فأعطيهم جهاز التحكم .. وفي كل مرة ، أبقى معهم .. هنا في الصالة ، لاشاهد معهم مسلسل الكارتون ( يضحك .. ثم يتوقف .. ويصرخ ) هل جن جنون العالم .. سنغلق افواه قنواتكم ، فأطفالي لا يعرفون بعد كيف يغلقون آذانهم … سنمنح الأطفال قصصاً للحب والمعرفة والسلام .. لماذا ترشقون ارواحهم بقصص للموت ..  ؟  

( يقاطعه صوت التلفاز الأول )

التلفاز الاول     : وفي مكان منفصل .. 

التلفاز الثاني    : تراجعت وبشكل ملحوظ ، أسهم البورصة في حركة هذا اليوم .. 

مواطن           : ( يلتفت الى التلفاز الأول والثاني ) هل هذا ما يهمكم فعلا .. هذا فقط !

التلفاز الثالث    : ورافق ذلك ، إرتفاع كبير في أسعار النفط .. 

مواطن.          : وماذا عن سعر الإنسان … ألا يريد أن يرتفع .. ( ينظر الى صورته في المرآة العليا .. حيث نشاهد موطن بصورته المقلوبة ) أنظر لي يا أنا .. أنظر كم أنا بلا قيمة في البورصة .. بلا أيِّ قيمة .. بلا أيِّ قيمة .. كم يهتمون ، لكل دينار في الأسواق .. يعتنون به .. يُنظّمون له أحلى المصارف ، وأرقى الأسواق المالية .. وينسون الإنسان .. بلا مأوى .. بلا عمل ، وبلا طعام .. يموت كأي كلب أجرب .. في منتصف ليل شتائي ، قارص البرودة .. وكأن العالم صار بلا قلب ..  بلا رحمة ..

التلفاز الاول     : وفي تصريح آخر ، اكد مسؤول الأمن على سلامة المال العام أنه .. 

مواطن.          : ( يضحك بصوت عال .. ثم تتحول ضحكاته الى ما يشبه الهستريا ) المال العام .. امن المال .. العام .. ( يضحك ) مسؤول … أمن … المال .. العام .. ( يضحك ) ومن هو هذا المسؤول عن المال العام .. ( يضحك ) ثم ماذا بقي من المال العام .. تكلم أنه ماذا ؟

( تبدأ الشاشة الكبيرة بعرض منصة الخطابة لقائد في سلك الأمن .. وهو صامت ويحدق في مواطن .. حيث يبدا المواطن بالتوقف عن الضحك .. شيئا شيئا .. حتى يتوقف تماما.. ثم يبدأ بالتراجع .. )

التلفاز الثاني    : وأكد سيادته .. أن التعامل بحزم وشدة .. سيسهم في فرض القانون ، ويُنهي حالة التمرد .. يُنهيها بشكل كامل ( يسقط مواطن على الأرض على قفاه وهو خائف .. يرتجف .. )

مواطن.           : لست أنا .. لم أفعل شيئا .. أرجوك يا سيدي .. المسألة ليس كما تفهم … القضية هي أنني فقط .. ( ينظر لنفسه في المرآة العليا .. ثم يصرخ بصوت عال ) قلت لك لا تنظر إليَّ بهذا الشكل .. الجميع هنا يخافون .. ويتراجعون دائما عن كل ما يقولون .. ويترددون حين يرون مسؤولا للأمن .. ويسقطون على قفاهم مثلي .. الجميع لا يرغب أن يكون ضحية من أجل لا شيء .. نحن جميعنا كذلك .. هل تستطيع أن تُنكر ذلك ؟ .. أخبرني .. هل تُنكر ؟ .. ( ينهض من الارض ) كيف أستطيع أن أنام وكل هذه الجبهات مفتوحة من حولي ، تحاصرني .. تفرض عليَّ كل أشياءها .. أريد أن أنام .. أريد أن أرتاح .. لقد تعبت من كل ما يقولون .. ومن كل ما يصنعون بحياتي ..

التلفاز الأول      : وفي دعوة مخلصة ، ومكرمة سخية .. منحت وزارة الاعلام وجميع مؤسسات الإعلام في الدولة .. عطلة لكل القنوات الفضائية .. لهذه الليلة ..

مواطن              : ( يصاب بالصدمة لسماعه الخبر ) ماذا ؟ .. عطلة .. عطلة لجميع القنوات الفضائية .. ماذا تقصد يا سيدي ؟ .. هل تقصد أنه لن تكون هناك أية قنوات فضائية ؟ .. هل تقصد أنه يمكنني أن أنام بهدوء .. كأي كائن حي آخر ؟ أرجوك .. هل يمكنك أن تكرر ما قلت ؟ .. ( يتحرك .. ويتحدث مع كل أجهزة التلفاز ) أنت قل لي يا سيدي .. وأنت هل يمكنك أن تكرر ما قال زميلك ؟ هل يمكنك ذلك ؟ ..

التلفاز الثاني     : والآن سيتوقف بث جميع القنوات الفضائية حتى صباح الغد .. تصبحون على خير ..

مواطن             : ( وهو يرقص من الفرح ) نعم .. نُصبح على نوم عميق .. خالٍ من كل الاخبار والتقارير ، ومن كل المباريات الخاسرة .. والأفلام والمسلسلات المكررة .. نعم .. ومن الحروب والكوارث .. ومشاهد الموتى والجثث المتفحمة .. ( يتحرك ) انها ليلتي .. ليلتي أنا وحدي ، لن يشاركني فيها أحد .. سوى وسادتي الغالية .. نعم .. سأحتضنها بحب وبشوق .. وساغفوا على جسدها الناعم والرقيق ، دون أن يزعجني صراخ خطبة سياسية .. شكرا لكم سادتي أصحاب القنوات الفضائية ، لهذا القرار الجريء .. شكرا لكم .. لقد قلت لجاري أن الأمر لن يستمر .. ( ينادي ) هل تسمعني يا جاري العزيز ؟ .. لا قنوات .. لا نشرات ..

( يهرول مواطن ليسحب سريراً ، عليه فراش ليضعه وسط المسرح .. ويتمدد عليه .. ينظر الى صورته في المرآة العليا )

مواطن            : ( يتحدث مع صورته المنعكسه في المرآة في الأعلى ) وأخيرا يا أنا .. ننام على فراشنا .. دون أن يحاصرنا أو يقلق مضاجعنا أي فرد .. أو قناة .. أنظر اليَّ جيدا ..أضع رأسي على الوسادة .. آه .. وأنظر الى منظرك وأنت تنام بالمقلوب على الفراش .. مدهش .. ( يمزح ) ولكن تماسك فقد تقع عليَّ        ( يضحك ) حسنا دعنا لا نضيِّع الكثير من الوقت .. هيا لننم .. نعم هيا لننم .. تصبح على خير يا أنا العزيز ..

( يغمض المواطن عينيه .. وتبدأ الإضاءة بالخفوت شيئاً فشيئاً .. لحظات .. تعمل ولمرة واحدة الشاشة الكبيرة وكل أجهزة التلفاز .. يظهر فيها جميعا أشخاصاً ملتحون .. ويتكلمون بشكل متداخل )

اجهزة التلفاز معا           : إنهضوا من نومكم وإنكفائكم .. لا .. لا تصمتوا .. صراخ .. صراخ .. ندعوكم .. نريد ونريد ونريد .. صراخ .. المرتدون .. المناهضون .. أعداء الله  .. المجاهدون .. لا .. لا .. صراخ .. صراخ ..

( ينهض مواطن من سريره مفزوعا .. وهو يصرخ .. ويهرول في كل الاتجاهات )

مواطن             : آه .. ماذا يحصل ؟ .. ماذا ؟ .. من .. من .. ماذا يحصل ؟ .. لست أنا .. لم أفعل شيئا .. آه .. ماذا يحصل ؟ ( يقع على الأرض )

التلفاز الاول : وقف سماحته خطيبا من فوق منبره صارخا ..

مواطن                 : يا إلهي .. ماذا حصل ؟ .. لماذا عادت كل القنوات للبث ؟

التلفاز الثاني : إن الديمقراطية الجديدة التي جاءت بالصوت والصورة الجديدة ..

مواطن                : من أنتم ؟ من أين ظهرتم ؟ لا أعرف من أنتم ؟

( تظهر في الشاشة الكبيرة إمرأة منقبة تضحك بانفعال كبير )

المرأة في الشاشة الكبيرة : فاصل ونعود ..

مواطن               : فاصل ..  وتعودين ! .. كيف تعودين ؟ وأين تعودين ؟ ثم .. من أنت ؟ تعالي الى هنا .. لا أريدك أن تعودي ..هل تفهمين ؟  أنا أريد الذهاب الى فراشي .. أريد أن تهدأ روحي وأنام .. لا أريد أن يعود أحد منكم الى صالتي .. هل هذا واضح ؟ ( يتحرك ) لقد كنتم فيما مضى قناة واحدة ..  كانت تكفي .. كنت أعرف كيف أتعامل معها .. فأبدد ما فيها من سخافات .. بألف طريقة .. كنت أعرف كيف أُخرس الصوت القادم منها .. ولكن حين تناسل هذا العالم ليطرح لنا آلآف القنوات منكم .. فقدنا سيطرتنا على ما نسمع وما نرى .. فقدنا اشياء حلوه كنا ندمنها .. ( يتحرك ) كانت تُسحرنا أُغنية رُسمت كلماتها على مهل .. ولها لحن صيغت نوتاته على مشاعر هادئة .. كانت حكاية مسلسل هادئ ، تفرش كلماتها على مساءات العمر زهورا .. وكنا نستمع أخبارا قصيرة ومختصرة ، وقريبة جدا مما نرغب أن نسمعه .. ونعشق وجوها نالفها لسنين .. من جاء بكم الى صالتي ؟ .. من سمح لكم أن تسحقوا أيامي ؟  ( ينظر الى الأعلى يحاول أن يتكلم .. لكنه يسكت .. ثم يتحدث مع اجهزة التلفاز  )  إخرجوا من هنا .. لا أريدكم هنا .. إخرجوا ..

التلفاز الاول      : وأكد سيادته أن المواطن فقد السيطرة على نفسه ..

التلفاز الثاني     : وعبر أيضا عن إستغرابه من تصرفات المواطن تجاه الطرح الجديد .

التلفاز الثالث والرابع : وأشار الى ضرورة وضع حدٍّ لهذه القرارات المستعجلة .

جميع اجهزة التلفاز : قرار .. قرار .. قرار

( في هذا الوقت يظهر على الشاشة مقطع فيديو لمجموعة من الجنود يعدمون رجلا يقف معصوب العينين على جدار .. وصوت إطلاق نار كثيف  )

المواطن               : ( غاضبا بشدة ) تفو عليكم جميعا .. لن أسمح لكم أن تعدموا فيّ الإنسان .. سأتخلص منكم جميعا .. هذا قراري أنا ..

( يهرول المواطن ليلتقط أجهزة التحكم المعلقة .. والملقاة هنا وهناك .. ويمسك واحداً في يده اليمنى وآخر في يده الشمال .. ويغلق جهازين من أجهزة التلفاز .. ثم يلقي جهازي التحكم بعيداً .. ثم يأخد جهازي تحكم بكلتي يديه ويغلق جهازي تلفاز آخرين .. ثم يلقيهما بعيداً .. ويكرر ذلك حتى تبقى الشاشة الكبيرة فقط .. حيث يمسك مجموعة كبيرة من اجهزة التحكم ويُلقيها باتجاه الشاشة فتُغلق .. )

مواطن                   : هذا هو قراري .. هذا هو ربيعي القادم .. هذا ما أُريد .. هل فهمتم ؟

( يتحرك مواطن ليذهب باتجاه سريره .. ويلقي بنفسه عليه .. وتبدأ الإضاءة بالخفوت .. ينظر مواطن الى صورته في المرآة التي في الأعلى .. يبتسم .. )

مواطن                   :  هل تفكر في ما أفكر فيه يا عزيزي ؟ .. ( يبتسم ) حسنا ..

( يخرج مواطن من تحت وسادته جهاز تحكم .. ويوجهه باتجاه الشاشة الكبيرة .. فتبدأ الشاشة بالعمل .. حيث نشاهد سماءاً صافيةً .. نجوماً كثيرةً .. وهلالاً صغيراً .. ثم يرتفع بشكل تدريجي صوت فيروز منسابا بهدوء :

” من زمان وأنا زغيرة كان في صبي

يجي من الاحراش ألعب أنا وياه كان أسمه شادي

أنا و شادي غنينا سوى

لعبنا على التلج ركضنا بالهوا

كتبنا عالحجار قصص زغار و لوحنا الهوا

و التلج إجا و راح التلج

عشرين مرة إجا و راح التلج

و أنا صرت إكبر و شادي بعدو صغير

عم يلعب عالتلج ” )

( تخفت الإضاءة شيئا فشيئا .. مع بقاء صوت الأغنية )

  • ستار –

الناصرية

16 / 4 / 2013 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !