مواضيع اليوم

مسرحية مقبرة - عمار نعمه جابر

مسرحية مقبرة

 

( رجل يجلس في وسط المقبرة ، حوله تنتشر شواهد القبور ، الرجل يشرب الخمر،  من مجموعة مختلفة من القناني أمامه )

الرجل   : ( ثمل جدا ، يتحدث مع الموتى  ) أتمنى أن لا أكون قد أزعجتكم ، أصدقائي الموتى ، وأنا أجيء كل يوم ، الى المقبرة ، كي أستطيع أن أشرب الخمر ، بالكمية التي أحبها ، وبالوقت الذي أحبه ، أعرف أنني أضايقكم في مكان راحتكم الابدية ، ولكني لم أجد في كل هذه الدنيا ، أشخاص يتقبلوني بكل عيوبي ، ولا يتذمرون من أي تصرف أقوم به . كل الذين أعرفهم حولي ، يحاولون أن يفرضوا عليّ تصرفات ، هم يحبونها ، وكلهم مع الاسف الشديد ، يكرهون أنني اشرب الخمر ، حتى زوجتي لا تطيق ذلك ، وتقول لي : أبعد هذه الطهارة عن بيتي واطفالي ، مع أن كلمة طهارة ليست كلمة سيئة ، ولكنها تقصد بها البول والغائط ، أما أنا فدائما أحاول أن اقنعها ، أن هناك فرق في الطعم ، بين الخمر والبول . زوجتي كانت دائما تأخذ اطفالي بعيدا عني ، حين أشرب الخمر  ، ولا تكف عن شتمي واسماعي كل كلمة بذيئة في قاموسها المليء جدا بالطهارة واخواتها الخمسة . لذلك قررت أن أشرب في بلاطكم أيها الاحبة الصامتون . بصراحة ، ربما يكون هناك سبب آخر ، لشربي في حضرتكم ، لا أريد أن أخفيه عليكم ، فأنتم ، مع الاسف ، لم تعرفوا بالقوانين الجديدة التي صدرت في هذا البلد ، قوانين لحماية المستهلك ، واخرى لحماية الطبيعة وثالثة لحماية الحيوانات ، والى جنبها هناك قوانين لاضطهاد شاربي الخمر ، فالقانون يعاقب شاربي الخمر بالسجن ، وأنا أخاف من السجن ، أنتم لن تبلغوا الشرطة عني ، لأنكم ببساطة لا تملكون جهاز محمول ( لحظة ) أتمنى أن لا تكون رائحة الخمر النتنة ، قد ازكمت أنوفكم ، صحيح ، لقد نسيت ، أنكم فقدتم أنوفكم ، أكلها الدود ، أكلها عندما أكلكم . أنا دائما أعيب على هذا الدود الذي يأكل الموتى ، كونه بلا أخلاق ، وبلا ناموس ، لا يخجل أبدا من الموتى ، حيث تدنوا نفسه الدنيئة على أعضاء الميت التناسلية ، ويأكلها كلها ، بحيث لا يبقي لها ذكر ، أمر فضيع ومخجل ، صحيح ، ربما يكون الدود جائعا ، لكن ذلك لا يعطيه الحق أبدا ، في التعدي على أعضائكم التناسلية ، أنا حزين جدا من أجلكم أصدقائي ، ولكن دائما أسأل نفسي ، وأنا أجلس هنا بينكم ، وانتم أحبتي ، ماذا ستفعلون بأعضائكم التناسلية في القبر ، ما نفعها وأنتم لا تملكون ألسنه وشفاه ، كي تتحدثوا مع زوجاتكم ، أو عشيقاتكم ، كيف ستنجح علاقاتكم الحميمية . صحيح أنكم فقدتم أي أمل في علاقاتكم الحميمية ، ولكنكم أيضا تخلصتم بشطارة من طائلة هذه الحياة ، وكل قوانينها ، سواء قوانين الدستور أو المجتمع ، أو القانون الجائر لزوجتك ، سليطة اللسان ، العاهرة ، ( ينفعل ) والله ، الموت أرحم من العيش معها تحت سقف واحد ( يصمت لحظة ) جميلة هذه ، السقف الواحد ( يتحرك ) دائما أشعر بنفسي أتحدث بلباقة ولياقة حين أشرب الخمر ، وحتى المفردات التي استخدمها ، احسها جديدة ، لم اعرفها من قبل . كأنني شخص آخر ، احترم نفسي جدا وأنا سكران ، أرى أنني أستحق حياة أفضل ، ووظيفة افضل ، وزوجة أفضل ، وناس من حولي يفهمونني أفضل ، لماذا يحدث ذلك لي ، هل منكم أحد يستطيع أن يخبرني ، أنا أستحق حياة أفضل ، أنا رجل طيب ، قلبي هذا مليء بالحب فقط ، لماذا يحدث لي كل ذلك . أخبروني يا سكان هذه المقبرة ، ليتحدث معي أحدكم ، ( ينادي ) لماذا لا تنطقون ، هل أنتم أموات ؟ ( ينتبه ) أنتم أحلى أموات ، أنتم أرق أموات ، أنتم أجمل ما وهبني ربي . ( يسمع صوت جلبة ، يتلفت يمينا وشمالا ، ينادي ) من هناك ، من أنت ؟ ، من هناك ( يدخل رجل 2 )

رجل2   : أنا ، أنا هنا ، لا تخف يا جاري .

رجل1   : جاري العزيز ، ومن جاء بك الى هنا ؟

رجل2   : أنا هناك ، خلف ذلك القبر ، أجلس كل يوم .

رجل1   : وماذا تفعل كل يوم خلف ذلك القبر !

رجل2  : مثلما تفعل انت كل يوم ، أجلب الكمية المناسبة من قناني الخمر ، لأشرب بدون أن يزعجني أحد ، أو يضايقني أحد .

رجل1  : ( متعجبا )  كل يوم انت قريب مني تشرب ، وتشاهدني هنا ، وتسمع كل ما أقول وأنا سكران  !

رجل2  : ولست وحدي في هذه المقبرة ، كل جيرانك وأقاربك ، بل وكل أبناء البلد ، يجلبون قنانيهم الى هذه المقبرة ، كل قبر في هذه المقبرة ، خلفه يختبئ شخص يشرب الخمر ، بدون أن يضايقه أحد .

رجل1   : ماذا تقول أنت ، كل أبناء البلد هنا ! كلهم يشربون الخمر مثلي !

رجل2   : كلهم مثلك ، يعتقدون أنهم لوحدهم هنا . كل ليلة هنا ، يتحدثون وهم سكارى ، يسبّون ويشتمون ، ويرقصون ويغنون ، ويبكون ويلطمون .

رجل1    : وكيف عرفت أنت ذلك ؟

رجل2  :  لقد اكتشفت ذلك بالصدفة ، ففي ليلة ما ، كان فيها الخمر الذي جلبته مغشوشا ، ولم أسكر بالدرجة المطلوبة ، فسمعتكم ورأيتكم وعرفت كل مشاكلكم ومصائبكم .. لقد رعبت حين عرفت الحقيقة .

رجل1   : لماذا لم تخبرنا ؟

رجل2   : كلا ، لا أريد أن أحرمكم من أفضل مكان لديكم ، في هذه المدينة ، المكان الوحيد الذي يمنحكم كل ما تحبون ( يتحرك ) لقد كنت أتألم كثيرا حين اسمع مشاكلكم ، وكلما تألمت لذلك ، شربت كمية أكبر من الخمر ، حتى أسكر مثلكم تماما ، وأبدأ أنا بالحديث مثلكم تماما ، عن مشاكلي  . فتغدو هذه المقبرة ، لشدة همومنا ، وصوتنا الموجوع ، طوال الليل ،  لها دوي ، تماما مثل دوي النحل .

ستار –

تركيا / سامسون

3/11/2018




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !