مسرحية
عبد الله عبد الله
ِAbdulla .... Abdulla
تأليف وحوار: وزارة الدفاع الأمريكية
سيناريو وإخراج : وزارة الخارجية الأمريكية
بطولة: د. عبد الله عبد الله
الكومبارس : حامد كرزاي وآخريـن
تصوير وخدع مسرحية : أبواق الإعلام الرأسمالي وصحفيين براتب مغري مقطوع.
المشاهدين : كل المهابيل والبلهاء
تتلخص المسألة في أن السيد / د. عبد الله عبد الله الذي كان من قبل يشغل منصب وزير الخارجية في حكومة ما بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001م قد دخل على الخط منافسا للرئيس الحالي حامد كرزاي للفوز بمنصب الرئاسة ... وبعد الإسراع بتلفيق النتائج وإعلان فوز كرزاي احتج عبد الله عبد الله بالتزوير فلم يأبه له أحد في البداية ولكن وعلى موجة أوباما فقد رأت الإدارة الأمريكية أن يكون كل شيء متماشيا مع شعارات (التغيير) والعهد الأمريكي الرومانسي الجديد النظيف الشريف المتخم بجوائز نوبل للسلام ..... ومن ثم فقد روجعت النتائج ليتضح بالفعل أن كرزاي لم يحصل على الأغلبية الدستورية التي تؤهله للفوز بمقعد الرئاسة وأنه لابد من انتخابات إعادة يظل فيها منافسه القوي عبد الله عبد الله على الحلبة .. عادت حمى الانتخابات من جديد وبدأ الجميع الاستعداد لخوض المنافسة الشريفة في ظل الاحتلال الأمريكي. ولكن جاءت الرياح هذه المرة بما لا يشتهي بائع الهـشيم المكشوف ؛ فقد تدهورت الأوضاع الأمنية في كافة المناطق الأفغانية وفقدت قوات الاحتلال القدرة على السيطرة وتوالت التفجيرات من كل حدب وصوب وتكدست القواعد العسكرية بتوابيت القتلى من جنود المارينز وغيرهم من الحلفاء ... ومن ثم فقد اتضح أنه من الاستحالة إعادة الانتخابات في ظل هذه الأجواء المنفلتة المثقلة بروائح بارود وأرواح الاستشهاديين ..... ولكن عز الاعتراف بحقيقة الوضع الأمني القائم حفاظا على ماء وجه القوة العظمى السوبر من جهة وتحسبا لواقع أن لا أحد من الناخبين سيتوجه إلى صناديق اإنتخاب وبالتالي يتحول الأمر إلى إعلان أمريكي صريح بالهزيمة الأمريكية في أفغانستان.
وهكذا لم يكن هناك من مخرج سوى الضغط على عبد الله عبد الله من وراء ستار لحمله على الانسحاب بشتى الذرائع تمهيدا لفوز كرزاي بالتزكية وتحاشي إجراء انتخابات لا يمكن إجراؤها في ظل السيادة الطالبانية على الأرياف والأقاليم وكافة الطرق والمخارج والمداخل خارج العاصمة كابول والمدن الكبرى.
وبالطبع خضع عبد الله عبد الله للضغوط وسال لعابه للمغريات فخرج علينا بكلمة حق أراد بها باطلا وهو الإنسحاب بحجة عدم تلبية مطلبه بإقالة رئيس لجنة الانتخابات التي اتهمها بالتزوير واتضح أنه كان صادقا في اتهاماته.
ومما لاشك فيه أن حامد كرزاي وعبد الله عبد الله إنما هما وجهان لعملة واحدة هزلت قيمتها ووزنها ومثقالها لدى الغزاة الأجانب .... بل ولا ضير في أن نطلق على هذا إسم عبد الله كرزاي وعلى ذاك حامد عبد الله .... ومن واقع ضعف وهزال موقف الموالاة الأفغانية في كابول نستطيع القول بأنه لا خير في هذا ولا ذاك..... وأن انتخاب عبد الله عبد الله لو جرى لما كان سوى مسألة تداول سلطة يمنح الواجهة الديمقراطية لحكومة الموالاة الأفغانية بعض الألق.
الآن ومهما حاول الغرب الإيحاء بشرعية حامد كرزاي وحث بقية دول العالم على تهنئته والاعتراف به فإن الواقع يؤكد ان موقف حامد كرزاي الدستوري قد بات مثيرا للخجل وأنه ليس سوى صنيعة انتخابات شارك فيها قليل من الشعب الأفغاني وحصل فيها على نسبة لا تؤهله قانونيا أو دستوريا لتولي الرئاسة دون الدخول في جولة انتخابات ثانية .. هذا سيضعف موقفه بالطبع أمام الكافة ويصبح ذريعة لطالبان تدفع من خلاله بأن لا ديمقراطية حقيقية في أفغانستان وبعدم شرعية كرزاي وحكومته بوصفها بنيت على باطل.
ولكن هل افغانستان وحدها هي التي تدفع أو ستستمر في دفع فاتورة الغباء والعناد الأمريكي! أم هناك كثر سيدفعون الكثير مقابل القليل؟؟
في واقع الأمر سيكتشف الجميع بعد هذه المسرحية الهزلية التي تم خلالها القفز فوق كل الحواجز القانونية والدستورية والديمقراطية بما في ذلك مساومة المرشح عبد الله عبد الله وممارسة العديد من الضغوط عليه لإجباره عن التنازل لمصلحة الحلقة الأضعف كرزاي .. سيكتشف الجميع ممن تورط في هذه الحرب المجنونة من حلفاء وأصدقاء غربيين (في مجموعة الممتلكات العقارية الأمريكية) وكذلك باكستان ، أن دخول الحمام ليس كخروجه . وأن الهزيمة لم تعري قدرات وإمكانات الولايات المتحدة الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية والبشرية الحقيقية عند خوض معارك حربية على المدى الطويل فحسب . بل تؤكد ان أرادة الشعوب فوق كل قوة وأنه إذا أراد الشعب يوما الحياة فلابد أن يستجيب القدر ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر ......
هزيمة الولايات المتحدة الهادئة في العراق أو الساخنة المجلجلة في افغانستان ليست بالغريبة أو الجديدة عليها فقد سبق لها أن تجرعت كؤوس الهزائم في كل اركان الدنيا الأربعة سواء في كوبا وتشيلي وفنزويلا وغيرها من دول أمريكا اللاتينية أو في فيتنام وكوريا في آسيا ؛ وكذلك في لبنان ثم الصومال في حوض البحر الأبيض المتوسط والقرن الأقريقي على حد سواء.....
الآن تحاول الخارجية الأمريكية عبر تصريحات هيلاري كيلنتون خلال جولتها الأخيرة في المنطقة العربية وإتساقا مع مناسبة العرض الأول لمسرحية عبد الله عبد الله .. تحاول تصوير الأمر وكانه انتصار للشرعية والديمقراطية في أفغانستان .. ولا تنسى إدعاء البراءة وإصطناعها حين تطالب كرزاي بمزيد من الشفافية في محاربة الفساد ..... أية شفافية هذه يمكن أن يمارسها رئيس دولة لا حول له ولا قوة ؟
ولكن .... هل هذا نهاية المطاف ؟؟؟
في واقع الأمر بات الآن موقف حامد كرزاي أشد ضعفا من قبل من جهة مصداقيته أمام شعبه والعالم أجمع .. وهو ما سيعزز من زخم طالبان ويبرز أنها باتت بالفعل اللاعب الأقوى إن لم يكن السوبر المحلي في الساحة الأفغانية الداخلية وداخل باكستان على حد سواء وهو ما سيوفر لها تدفق المزيد من الأموال والسلاح والشباب الاستشهادي المفخخ والمقاتل على حدٍ سواء في سبيل الله وفق القناعة الفكرية والعقائدية للحركة المتجددة .....
كل من كان مترددا في تأييد طالبان او مد يد المساعدة لها من الجانب الآخر في روسيا وإيران وربما حتى الهند والصين سيكتشف انه يمضي في الطريق والإتجاه الصحيح ....
الآن وافق الكونغرس على منح وزارة الدفاع الأمريكية الحرية في دفع رشاوي وأتاوات لزعماء القبائل والمليشيات المسلحة المعارضة في افغانستان لتقاتل إلى جوارها أو تمدها بالمعلومات أو تحجم على أقل تقدير عن مهاجمة القوات الأمريكية وحلفائها والجيش الأفغاني الوليد على غرار ما يعتقد أنه أتى بحلول ناجعة في العراق .... فهل تفلح الرشاوي في معالجة ما فشل فيه بارود العسكر الغازي؟ ..... لا جدال في ان للدولار الأمريكي الأخضر رائحته الجذابة المنعشة .. ولكن إلى أي مدى ؟ .. وهل فكر طالبان وقناعات البشتون على استعداد لاستيعاب مثل هذه الأساليب؟
ومن ناحية أخرى نرى الخارجية الأمريكية ترشو الباكستان بسبعة مليار ونصف المليار دولار لتحارب لها الطالبان بالوكالة دون ان تعي الخارجية الأمريكية في خضم الفوضى والهلع أن الطالبان قد نمت مثل كرة الثلج وبات هناك أكثر من طالبان في المنطقة المحيطة بأفغانستان وأن القاعدة وفقا لما يستشف لدى المتابع لضرباتها قد ذابت هذه المرة في داخل طالبان واصبحت تيارا من ضمن التيارات المتشددة المتعددة وسط صفوفها ..... ومن ثم فلاشك أن باكستان حين سمحت لنفسها بلعب مثل هذا الدور الخطر فإنها باتت كمن ابتلع أصابع ديناميت وقنابل عنقودية في جوفه .. وسيكون من المحال الاستمرار على هذا الوضع على المدى الطويل . والآن وبعد تذمر الجيش الباكستاني وإعتباره هذه الرشوة جرحا له في كرامته والغرض الذي أنشيء من أجله فإن المستقبل ينذر إما بإنقلاب عسكري يطيح بالأحزاب أو تقسيم لباكستان وتشظي يكون فيه لطالبان القدر الأوفر من أشلاء أرضها.
الطريف أن زعيم الأقلية الجمهورية في الكونغرس الأمريكي خرج علينا امس وهو يحث الرئيس أوباما على الإسراع بإرسال المزيد من الجنود والسلاح والرصاص والعتاد إلى أرض أفغانستان .... ربما لضمان أن تدور عجلة الانتاج الحربي في داخل الولايات المتحدة التي يحتكر حيتان الحزب الجمهوري ملكية مصانعها أو النسبة الغالبة من المساهمين في رؤوس أموالها..... إنها بالفعل واحدة من مهازل الحروب حين يغني كل فريق على ليلاه وحدها.
ولكن الأطرف من كل هذا هو إدعاء محلل عسكري أمريكي مقرب من وزارة الدفاع الأمريكية بأن قوات الغزو في أفغانستان قد أنجزت المهمة الموكلة لها بنجاح بوصفها قد طردت القاعدة إلى الجبال وعلى اعتبار أن القضاء على تنظيم القاعدة كان الهدف الأساسي والرئيسي من التدخل الأمريكي في أفغانستان ......
وبفرض أن تحليل هذا الخبير العسكري كان منطقيا على المدى القصير فإن التساؤل الذي يطرح نفسه هنا هو .. هل يعني لجوء القاعدة إلى الجبال الوعرة بعد طردها من السهول وظلال أشجار الفاكهة .. هل يعني أنها لم تعد قادرة على النزول وهي الراجلة الحافية الغبراء الشعثاء؟؟؟
ربما لو حاولت القوات الأمريكية الغازية وحلفائها الغربيين (في مجموعة الممتلكات العقارية الأمريكية) الانسحاب من أفغانستان أو تقليل أعدادها ومستوى تسليحها .. لربما أدركوا الإجابة الصحيحة على مثل هكذا سؤال.
أخشى أن واقع الحال يقول بأن طالبان والقاعدة باتتا الآن طليقتان تبيضان وتصفران وأن القوات الأمريكية الغازية والحلفاء هي التي إنسحبت إلى داخل القواعد العسكرية والمدن الكبرى.
التعليقات (0)