كم هو من اللافت تفردنا دون شعوب الارض بتلك القدرة العجيبة على استخلاص الغث من السمين..وكم هو معجز تلك الموهبة الفذة التي نتحلى بها في التقاط الذي هو ادنى من كل غزارة الذي هو خير في ما اشتملت عليه ايامنا من احداث..فكأنما كتب على أهل هذه الأرض أن لا يتجاوزوا تراقي استخذائهم المازوخي متلذذين بالم انسحاقاتهم تحت عقب وهم القوة لبقايا جلاديهم المتجرذين..وبدون التوقف المنقطع الانفاس من أجل البحث عن السؤال..ولا للتخفف قليلا مما اثقلنا من زخرف القول واجترار ما ابهم وبهت من شعارات لا تكاد تخرجنا من حيرة ما الا لتركسنا في تيه آخر..
من رحم الانتصار الليبي العظيم لم يجد القوم الا شيخوخة القذافي وضعفه امام جبروت وتغول وتطاول الشباب الذي ازكمته رائحة البارود واللحم البشري المتفحم ودخان الحرائق التي اشعلها العقيد بتساؤله عمن يكون هذا الشعب ولم تطفأ الى بسؤاله الاخير عما يجري..ومن كل هذا الضجيج وقعقعة السلاح لم ينصت العرب الا لقول القذافي مناديا الثوار" خيركم خيركم شوفيه"متناسين ما قذفه في وجه الشعب الغاضب بانه لن تكون هناك اي رحمة بانتظارهم ولا شفقة وانه سيطاردهم "زنقة زنقة دار دار"في زعيق قد يكون رسم من خلاله الصورة المأساوية التي انتهى اليها..
من تداعيات الزهو العظيم الذي غمر مدن وقرى ليبيا لم يجد الاعلام الرسمي العربي الا عبارات لوم الشعب الليبي واحرار العالم على فرحهم بخلاصهم من الطاغية الذليل الذي كان قبل سويعة او دونها يقود ركبه الهارب متمنطقا بسلاحه المذهب متصلا باتباعه في سوريا محرضا على المزيد من قتل الليبيين..
لوم وهزات رأس آسفة اسرف الاعلام العربي في نثرها ضمن تغطيته المتطاولة للحدث عن المنتظر من ثورة تقتل الاسارى ولا تحترم الشيبة المخضبة للعقيد الذي حكم لاربعين من جمر خافيا صلعته عن شماتة الشعب الجحود..مطالبين الثوار بان يعضوا على جروحهم وكرامتهم المغتصبة وعرضهم المهان بتفلتات المفكر العظيم ومن والاه..
قضي الامر..وحصحص الحق ..وتم القول في نهاية العقيد التي ابى الله ان تتم حتى يكابد الرجل اسوأ كوابيس الطغاة العرب –واكثر اماني الشعوب المقهورة-بان يقع في ايدي الثوار الذين انتهكهم وسحقهم لعقود..جروه من رجليه كالجرذ..واخرجوه من انبوبه بائساْ ذليلاْ كالمتشردين المتقعرين على أرصفة وشوارع المدن الباردة..وكذلك كان سيجري على صدام لو طالته يد الشعب العراقي..وكذلك سيجر الاسد لو وجد نفس المصير..وصالح وخليفة وكل جبار عنيد ادمن القتل والتنكيل واستأثر بالفئ والارزاق وجابه آمال شعبه بالحرية والانعتاق والحياة الحرة الكريمة بآلة القتل والعدوان واستعداء المرتزقة وشذاذ الآفاق..
لم يجر القذافي من ميدان حرب شريفة دفاعا عن عرض او ارض او كرامة..ولم يقتل راكعا على سجادة صلاته لتذرف عليه الدموع او يرحم..بل القي عليه القصاص وهو هارب من جرائمه التي امعن في ارتكابها فى حق شعبه ، وفظاعاته في استباحة الشعب الليبي وتسليط مرتزقته ونزق اولاده عليهم ..وقتل بعد ان حول شعبه كجسر"مازاريك"الهش.. الذي يداس بالاقدام قي زمن السلم ..وينسف بالقنابل في أوقات الحرب ..
لعله قد أسدل الستار عن الفصل الأخير من تلك المأساة الدموية التي عانى منها الشعب الليبي البطل لشهور من دم ودموع ومخاض عسير انسلاخا من اربعة عقود من اطار تراجيدي لحكم العقيد كانت حافلة بالقمع الدموي رسمت ليبيا بتضاريس وجه ملك الملوك تاركة خلفية مضببة لنساء ورجال بوجوه غير واضحة الملامح والسحنات والاحلام..
ولعل تلك النهاية التي نزلت بردا وسلاما على قلوب ومشاعر الليبيين..وارق وغصة قلب وريق ناشف على جميع الطغاة العرب هي التي ستعيد اكتشاف هذا الشعب الذي غيبته بداوة العقيد وذهانيته العضال ودمغته بصورة الشعب الزاعق الناعق مع كل ما يتساقط من فم الصنم المعبود..
سيكون هناك الكثير مما سيقال..وبالتأكيد..سيكون هناك العديد ممن سيبعثرون اوراق القضية ويعيدون جمعها..وسيكون هناك متسعا للجميع في وضع مبضع الجرح والتعديل في الاحداث..وسيجد المحللون ما يربطونه كما سيجدوا ما سيقطعونه عن جذوره..وسيفسرون ويعللون،ويعيدون ترتيب الأحداث من جديد رأسا على عقب..وقد يختلفون فيما بينهم..او يتفقون ..وستكون هناك أسئلة كثيرة وأجوبة أكثر تملأ صحف المؤرخين وتشغل الأجيال القادمة حول الظاهر والباطن وما اشيح البصر عنه..ولكن من المؤكد ايضا ان الاسئلة ستتحول من كيف قتل العقيد..الى ماذا كان سيدفع الليبيون من دمهم وشبابهم لو لم يقتل العقيد.. ورغم اليقين بشدة التباين واختلاف السيناريوهات الممكنة للإجابة..ولكنها لن تعدو الاشارة الى ان هذا الحدث سيذكر على انه اليوم الذي انتصف فيه الشعب من الجلاد..وانه اليوم الذي زاغت فيه الأبصار.. وبلغت القلوب الحناجر..وتحرر فيه الشعب الليبي العظيم من حكم المفكر الاممي الكبير ذو السلاح المذهب والصلعة المخفية لعقود..
التعليقات (0)