مواضيع اليوم

مسخرة تقييد تعدد الزوجات

ممدوح الشيخ

2009-02-27 20:38:58

0

بقلم/ ممدوح الشيخ

mmshikh@hotmail.com

الفكرة ليست جديدة فقد سبق بها النظام الأكثر علمانية في العالم العربي (تونس) والخبر عن مشروع قانون تعده مؤسسات حقوقية ليس جديدا أيضا، لكن الجديد الخطير المعلومات المنشورة عن تنبي "أمانة السياسات" بالحزب الوطني مشروع القانون وهو ما يعني أن الدولة قررت أن تدخل غرف نوم الناس وأن تتولى بنفسها تنظيم علاقاتهم بزوجاتهم، وسيبدأ الدور بـ "تنظيم" حق الرجل في الزواج بأكثر من زوجة، وسيمتد في مرحلة تالية لتحديد عدد الأطفال بشكل ملزم، حتى لو لم يحدث هذا في هذه المرحلة، وحتى لو أقسم المسئولون بأغلظ الأيمان أن هذا لن يحدث.

لكن الفرض الأكثر ثورية هو أن تتفوق الدولة على نفسها وتفكر – حقيقة – في مراقبة العلاقة الخاصة بين الزوج وزوجته للتأكد من مطابقتها للقانون!

والريبة التي يثيرها إصدار هذا القانون الآن تتجاوز حدود السجال الفقهي الذي يمكن أن يثور حول مشروعية التعديلات المقترحة، لأنها تطرح الكثير من علامات الاستفهام حول قانون "تقنين الفتوى" وهو كلمة حق يراد بها باطل، وصدوره "تمهيد نيراني" لصدور مجموعة من القوانين ستجعل الأحكام الشرعية مجرد "وجهة نظر" وستكون هذه القوانين ثورة في التشريع باتجاه "أوربة" مصر. والحكاية ببساطة أن النظام وجد نفسه أمام مفترق طرق في علاقاته الدولية: تحالف مع الأوروبيين لا يعطي أي أولوية للتغيير الديموقراطي أو الإصلاح السياسي وبالمقابل يفكك آخر ما بقي من معالم الإسلام في البيئة القانونية المصرية. والخيار الثاني تحالف مع الولايات المتحدة أول استحقاقاته تحول ديموقراطي يستوعب الإسلاميين المعتدلين وبصفة خاصة الإخوان المسلمين، وبالتالي المزيد من الحضور "المقنن" للدين في الشأن العام: السياسي والثقافي والاجتماعي.

وصدور هذا القانون واحد من المؤشرات على أم الدولة قررت التحالف مع الأوروبيين والتخلص من "بقايا" الدين في الهوية الوطنية المصرية دستورا وقانونا وثقافة، ما يعني أن مصر ستتحرك بشكل مخطط سلفا لتقترب أكثر من النموذج التونسي.

وعندما تتحرك العربة في هذا الاتجاه الانتحاري فمن الضروري جدا أن يكون سيف القانون فوق رقاب القادرين على كشف عورات هذا النهج من دعاة ومثقفين ومفكرين إسلاميين، وبقدر الإقرار بخطورة فوضى الإفتاء، ينبغي الإقرار بخطورة تجاوز عملية التنظيم حدودها لتصبح تكميما وترهيبا وتخويفا و.....باسم الدستور والقانون وحق السلطة في التنظيم. والانحراف بحق التنظيم خطر كبير لأنها يفتح الباب للقهر بسيف القانون.

والغريب أن يطرح مشروعا القانونين: قانون تنظيم الإفتاء وقانون تقييد تعدد الزوجات في هذا التوقيت المتقارب إلا في حال ارتباطهما، والغريب أيضا أن ينصرف التوجه إلى هذه القوانين ويتم "سلقها" – كما هي تجربتنا مع المجلس الموقر لدورات متعاقبة – بينما قضايا كثيرة جدا تحتاج اهتماما من المشرعين ومن أمانة السياسات.

فلو أن أمانة السياسات شغلت نفسها بتشريعات تعالج قضايا تجمع بين كونها مهمة لحاضرنا ومستقبلنا، وبين كونها مشكلات مزمنة لا يستطيع أي منصف أن يدعي جهله بوجودها، فقد كنا أحوج ما نكون إلى مشروعات قوانين تكمل استقلال القضاء أو تغلق أبواب تزوير الانتخابات أو توقف طوفان الفساد أو تصلح العلاقة المختلة بين المالك والمستأجر، أو تعزز الحريات عموما أو تحسن مناخ الاستثمار أو تستكمل استقلال الجامعات أو. . . . . . . . . . . .

وحتى من يشغلهم حال المرأة في مصر كان أمامهم لو أنهم صدقوا الكثير من القضايا التي تمس المرأة بشكل أخطر ولا يكاد أحد يجادل في كونها نتاج أوضاع ظالمة بالمعايير الدينية والإنسانية والأخلاقية كجرائم الشرف، والحرمان الجزئي أو الكلي من الميراث وغيرها من القضايا.

أما مسخرة تقييد تعدد الزوجات فلا معنى لإعطائها كل هذا الاهتمام إلا بمقدار ما تكون العيون متعلقة برضا السادة في الاتحاد الأوروبي الذين لم يفوتوا فرصة "الرعب" الرسمي المصري من الديموقراطية ليوهموا الدولة أن الحل عندهم والثمن بسيط: أن نمحو من البنية التشريعية كل ما يمت بصلة للإسلام، دون أن يكون لذلك أي مردود إيجابي على الأوضاع الديموقراطية، وقريبا – وتحت تهديد سكين تنظيم الإفتاء – سيكون الحجاب ممنوعا بالقانون وهي محطة على طريق "الأوربة"، سبقتنا إليها تونس وتركيا.

ولعلها مفارقة طريفة أن تتزامن إشارتان: الأولى أن الرغبة في التقارب مع أوروبا ثمنها جريمة في حق الشرع هي قانون تقييد تعدد الزوجات، والثانية أن التقارب مع أمريكا ثمنه رفع الظلم عن المعارض المصري أيمن نور الإفراج عنه، ففي أي الطريقين تعبر مصر مفترق الطرق التاريخي.

وأيضا، لماذا يصر التنويريون العرب على أن يغمضوا أعينهم عن الشرور التي أتتنا من "القارة الشمطاء" منذ أسس الطهطاوي مذهب "الإسلام الأوروبي"، حتى قانون تقييد تعدد الزوجات؟




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !