بعد سقوط نظام طاغية قرطاج بن علي وبعده فرعون مصر مبارك، إستبشرنا خيرا بهذا الوعي السياسي النضالي الحقوقي الذي وصلت إليه الشعوب العربية في معالجة قضاياها وإعلاء كلمتها التي طالما ألجمتها أنظمة ديكتاتورية مستبدة جثمت على حريتها وكرامتها حقبة من الزمن الأسود تحت وطأة سيف القهر والتنكيل والتهميش لم ينلها من الحقوق والديمقراطية والكرامة إلا الأقنعة..؟ القاعدة فرضت نفسها عربيا بفكر ثوري رغم رفضنا لها كشعوب عُقد قِرانها كاتوليكيا مع حكامها مستحلة ولاء وطاعة الطاغي..، لا أريد هنا مرور الكرام بدون الإشارة إلى أن التمرد على الحاكم الجائر عربيا ليس هدفه الإصلاح والتغيير كي نكون واقعيين مع أنفسنا أولا ومع من نريد بيعه صورة الشعوب الواعية الثائرة.. بل جراء تراكمات الذل والقهر والتنكيل التي عاشتها هته الشعوب إبان حكم النظام المستبد وهذا من حقها لكن ليس على حساب مصالح البلد والأغلبية الساحقة، فالثورة التي يغيب عنها التأطير السياسي المخضرم لا نجني من ورائها إلا الحروب الأهلية والدمار..، بل وتعيدنا بآلاف الخطوات إلى الوراء بعد الأشواط التي قطعناها ولو تحت حكم نظام ديكتاتوري لا ينبغي لنا أن نتبنى فكر ثوري شعاره الضغط يولد الإنفجار بمفهوم الإنفجار الميكانيكي العشوائي يأتي على من حوله مخلفا أثرا بطبيعة الحال سلبي لا يخدم مصلحة البلاد والعباد
ما حدث في ليبيا الشقيقة منذ إندلاع ثورة السابع عشر فبراير من قتل وتصفية بعد الإعتقال، وتخريب ودمار بدافع إنتقامي في الدرجة الأولى غابت عنه مصالح البلاد، وهذا إسقاطا على الطرفين - الثوار والقدافيين أنصار العقيد - لا يمث إلى الإصلاح والتغيير والإنتقال الديمقراطي بصلة، إنما هي حرب أهلية المراد من خلالها الوصول إلى سدة الحكم على حساب الشعب الليبي المنكوب، هذا إذا تجاهلنا المشروع الأمريكي المزمع تنفيده في المنطقة..؟ فقد إتضح لنا جليا الكارثة التي حلت بهذا البلد المغاربي الذي عصفت به نسمات الربيع العربي إلى مصير مجهول بين يدي صعاليك الثورة العاثون في الأرض فسادا لا رسالة الأنبياء تعضهم ولا زُبُر حديد ذي القرنين يحبسهم..، وهذا ليس إعتراضا على الثورة الليبية ونصرة للديكتاتور العقيد وإنما منطق جسد نفسه إنطلاقا من الأحداث المأساوية الدامية التي عاشتها بلاد (المختار) مذ إعلان التمرد على نظام العقيد من مصراته الليبية بقناع الإصلاح والتغيير.. قُبيل إعدام صاحب الكتاب الأخضر بسبعة أشهر حيث كان الليبيون ومن إستوطنوا بهذا البلد يعيشون تحت مطرقة جهل وقمع وٱستبداد نظام الرئيس وسندان المصالح الضيقة وطمع من أسمون أنفسهم الثوار الذين أساءوا لمفهوم الثورة ومبادئها، اليوم تدخل ليبيا بعد تصفية الديكتاتور معمر حقبة ديمقراطية بين قوسين برعاية فكر دموي إنتقامي متشدد، فطريقة إعدامه في ظروف غامضة والتشهير بجثته مؤشران كافيان لإستنتاج مصير مستقبل البلد وشعبه
إن ما أقدم عليه الثوار بقتل العقيد وإبنه بعد إعتقالهما أحياء والتشهير بجثتيهما في شماته صارخة أمام عدسات الكاميرات وأنظار العالم يتبرأ منها ديننا الحنيف والإنسانية جمعاء وإن إعتبرنا صاحبيها اللهم لا شماته أنذل خلق الله وأطغاهم فلا يحق لنا كبشر أن نخرق أو نتجاوز المنطق الإنساني ونسيئ إلى أمواتنا بهذه الطريقة الشنيعة التي لم تُنزّل بكتاب سماوي ولم تأت في سنة رسول مرسل
من الناحية الدينية فالإسلام بريئ من ما إقترفه الثوار في حق القذافي ونجله بعد تعذيبهما وقتلهما والتشهير بجثتيهما إستنادا لقول الله تعالى فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة الآية، وما جاء في سنة رسولنا الكريم بخصوص الحرب التي يُحرم فيها قتل الطفل والمرأة والشيخ والأعزل إلخ.. فإن قاتلوكم فٱقتلوهم الآية، ولا نتجاهل توصيات ديننا الحنيف فيما يخص الإحسان بالأسرى يعني الكفار حاملي السلاح وأسطر أكثر من سطر على حاملي السلاح ..؟ إذا كان هذا يتعلق بالحرب مع الكفار فما بالنا بأناس ينطقون الشهادة ويوحدون الله، أن يُقتلوا شر قتلة وتُنكل جثتهم في غياب غير مفهوم لعلماء الأمة الإسلامية الذين أبانوا عن طول كعبهم في الإفتاء بقتل العقيد وهدر دمه على رأسهم الشيخ (القرضاوي) أن يُصدروا اليوم في خضم هته الصورة المشينة والسيئة التي يُروج لها ثوار ليبيا عن الإسلام من أفعال وجرائم ضد الإنسانية على مرأى من العالم بفتوى تدين ما يحدث في هذا البلد المحسوب على الإسلام ليحفظوا ماء وجه ما تبقى من سمعة ديننا الحنيف بعدما أساء إليها المتطرفون وثوار ليبيا
المعاهدات الدولية واضحة بخصوص معاملة أسرى الحرب إعتبارا أن العقيد القذافي أُسر أثناء إندلاع حرب بينه وبين المتمردين على نظامه بموجب إتفاقية جنيف الثالثة التي وقعت في مؤتمر دبلوماسي بشأن معاملة أسرى الحروب سنة تسعة وأربعين تسعمائة وألف، تدين العمل الإجرامي الذي قام به الثوار في حق العقيد ونجله والمحسوبين على نظامه وتُعتبر جريمة أخرى في حق الإنسانية إشارة إلى التصفيات الجسدية والإعدامات التي طالت الأسرى أنصار النظام السابق بدون تمتيعهم بالمحاكمة العادلة والقصاص منهم بموجب قانون وقضاء نزيه يضمن لهم حق الدفاع والحكم المستقل..؟
مصير ليبيا بات مجهولا بعدما أوكل إلى شرذمة صعاليك الثورة لما إقترفوه من تجاوزات وجرائم ضد الإنسانية على التراب الليبي وعدم إلتزامهم بالأسس والقواعد التي إندلعت من أجلها الثورة منذ السابع عشر من فبراير، بهذا تكون أمريكا وحلف الناتو أقاموا الحجة على الثورة الليبية ومن تزعمها لما شهدته من خروقات سافرة لحقوق الإنسان وعدم إلتزامها بإحترام المواثيق والمعاهدات الدولية في هذا الباب يمهد لها الطريق لإحتلالها بدريعة ترسيخ الديمقراطية البترولية خصوصا بعد الإعلان المفاجئ لرئيس المجلس الإنتقالي الليبي إلغاء جميع القوانين التي لا تُستمد من الشرع في مؤشر واضح بقيام دولة دستورها الشريعة الإسلامية وهذا ما لا يتوافق مع أجندة أمريكا وحلف الناتو في المنطقة التي ستعيد تجربة أفغانستان إبان حكم طالبان ولن تقوم لليبيا قائمة لأن الزمان والتجارب علمتنا أن أمريكا وحلف الناتو إذا إحتلوا أو دخلوا دولة أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون...؟
التعليقات (0)