عبـد الفتـاح الفاتحـي
يؤكد عدد من الباحثين في أولى تحليلات خطاب الملك محمد السادس بمناسبة اعتلائه عرش العلويين بأن المغرب مستوعب للخيارات المطروحة على الطرف الخصم، وتكتيكات جبهة البوليساريو وأجندة الجزائر الرامية إلى تأمين منفذ لها على المحيط الأطلسي.
واستيعابا لهذه المحاذير، هو الذي جعل خطاب العرش الأخير يتحدث صراحة عن تحميل الجزائر مسؤولية عرقلة البناء المغاربي، حين يقول: "إننا حريصون على مواصلة التشاور والتنسيق، لتعميق علاقاتنا الثنائية مع الدول المغاربية الشقيقة. وذلك في انتظار أن تتخلى الجزائر، عن معاكسة منطق التاريخ والجغرافيا والمشروعية، بشأن قضية الصحراء المغربية، وعن التمادي في مناوراتها اليائسة، لنسف الدينامية، التي أطلقتها مبادرتنا للحكم الذاتي لأقاليمنا الجنوبية.
في هذا الاتهام ما يعزز به المغرب طرحه بأن نزاعه في الصحراء مع الجزائر لا البوليساريو. كما أن وصف محمد السادس معاكسة الجزائر لوحدة المغرب الترابية بـ"المناورات اليائسة"، فإنما يعكس عزم وثقة المغرب في سيادته على الأقاليم الجنوبية وإعلان مبدئي على أن ترسيمة الجهوية المتقدمة/الحكم الذاتي في الصحراء المغربية ماضية نحو التفعيل من جانب واحد.
وتبرز هذه الإشارة في "وسنمضي قدما في تفعيل الرؤية الطموحة، التي حددناها في الخطاب الأخير للمسيرة الخضراء، سواء بجعل الصحراء المغربية في صدارة إقامة الجهوية الموسعة، أو بمواصلة جهودنا الدؤوبة، للتنمية التضامنية لأقاليمنا الجنوبية، أو بحرصنا على إعادة الهيكلة العميقة، للمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية".
ولقد كانت كلمات الملك جد واضحة، إذ لا تراجع عن حق المغرب في سيادته على الصحراء المغربية، ولا بديل عن الحكم الذاتي كصيغة أممية لتقرير المصير. وفيها إشارات قوية أن المغرب لا تحدي له في قضية الصحراء على المستوى الدولي، بقدر ما أن تحدياته تحقيق الرفاه الاجتماعي والاقتصادي للصحراويين من خلال مواصلة سياسة الأوراش الكبرى.
وتضمن الخطاب الملكي أن معركة المغرب الدبلوماسية على المستوى الدولي ستتركز على مطلب المغرب بحل مخيمات تندوف ورفع الحصار عن المحتجزين فيه، وفي هذا الصدد يقول: "سنكثف جهودنا، لرفع الحصار عن رعايانا بمخيمات تندوف، وتمكينهم من حقهم المشروع، في العودة إلى الوطن الأم، وجمع شملهم بعائلاتهم وذويهم، طبقا للاتفاقيات الدولية، ذات الصلة".
وهي أحد المعارك الذي يعتبرها المغرب حاسمة لكسر شوكة جبهة البوليساريو، ولعزل مقاتليهم حيث يمكن للمغرب سحقهم في معركة عسكرية جوية. حيث يعتقد المغاربة أن بقاء المخيمات تحت قبضة البوليساريو الجزائر من الممكن أن يستعملوا دروعا بشرية، وبالتالي اتهام المغرب بشن الحرب على اللاجئين المدنيين.
ولعل ما يوحي بأن المغرب واعي بإمكانية الخوض في معارك عسكرية ضد من ينازعونه شرعية السيادة على الأراضي الصحراوية، يستشف بوضوح في ثناء جلالة الملك على القوات المسلحة الملكية، والدرك الملكي، والأمن الوطني، والإدارة الترابية، والقوات المساعدة، والوقاية المدنية، على تفانيهم في الدفاع عن حوزة الوطن وسيادته وأمنه.
والمعلن أيضا في خطاب جلالة الملك أن لا نجاح في إستراتيجية الجزائر بعزل المغرب عن فضائه الجغرافي المطل على الصحراء، ليؤكد محوريته عضوا يتهدده تنظيم القاعدة ومهربي البشر والمخدرات في الصحراء الإفريقية.
ووجد الخطاب الملكي في العملية العسكرية الموريتانية المسنودة فرنسيا ضد تنظيم القاعدة، مناسبة سانحة ببرد على محاولات الجزائر بعزل المغرب عن الصحراء، وذلك في خططتها لتأسيس تنسيقية عسكرية من دول الساحل والصحراء دون المغرب لمكافحة تنظيم القاعدة، تحت مبرر سياسي مفادها أن المغرب لا علاقة له جغرافيا بمشاكل الصحراء، في غمز ولمز إلى أن لا سيادة شرعية للمغرب على الصحراء الغربية.
فكان الخطاب الملكي واضحا في هذه النقطة حين يقول: "وتجسيدا لانتمائه الإفريقي، فإن المغرب سيظل وفيا لانتهاج سياسة إفريقية متناسقة، هادفة لتحقيق التنمية البشرية، وتعزيز الأمن الإقليمي، خاصة في إطار التعاون مع بلدان الساحل والصحراء، ومع الدول الإفريقية الأطلسية، لمواجهة المخاطر الأمنية المتعددة".
وكعادتها لم يمر الكثير من الوقت حتى أصدرت جبهة البوليساريو بيانا قالت فيه أنها تستنكر خطاب العاهل المغربي محمد السادس حين جدد تمسكه بكل "شبر" من الصحراء على أساس مقترح الحكم الذاتي الذي ترفضه الجبهة والجزائر فيما يحظى بتأييد الدول الكبار.
ووصفت الخطاب بأنه يؤجج نار الحرب في منطقة المغرب العربي، في سياق حملة إعلامية شرعت فيها البوليساريو طويلا حيث دأبت على التهديد بخرق وقف إطلاق النار الذي تراقبه الأمم المتحدة عبر بعثة المينورسو منذ سنة 1991، في انتظار أن تعمل الأمم المتحدة على إيجاد حل لقضية النزاع في الصحراء.
وأضافت البوليساريو في بيانها أن ما قاله الملك محمد السادس يمثل "تكرارا لمنطق التعنت والتمرد على قرارات الأمم المتحدة وانتهاكا للشرعية الدولية"، كما أنه "بعيد كل البعد عن أي رغبة صادقة أو إرادة حسنة في التعاون البناء لبلوغ السلام العادل والنهائي المنسجم مع مقتضيات الشرعية الدولية".
إن المتتبع للبيان الذي أصدرته جبهة البوليساريو عقب خطاب العرش الأخير الذي ألقاه العاهل المغربي محمد السادس بمناسبة اعتلائه عرش المغرب يجده لا يخلو من نبرة يأس واضحة من استمرار واقع الجمود الذي يطبع ملف النزاع في الصحراء. وعليه فإن صبر الجبهة بحسب المراقبين قد فُقِد.
ويبدو من خلالها أن الجبة تكاد تكون قد استنفذ كل الخيارات الدبلوماسية والسياسية والإعلامية، حينما لم تستطع بحملتها الإعلامية توسيع صلاحيات بعثة المينورسو في الصحراء لتشمل حقوق الإنسان، ولذلك فهي اليوم تبدو في بيانها بدون خيارات بديلة للمساهمة في حل مشكل النزاع في الصراع سوى ترديد لازمة الإعلان عن الحرب ضد المغرب.
ولا يستبعد الخبراء سعي جبهة البوليساريو جر المغرب إلى الاشتباك معها، على أساس أن ينهي بقيام حرب إقليمية بين المغرب والجزائر. حي تعتقد الجبهة أن بهذا العمل يمكنها إعادة ملف النزاع في الصحراء على واجهة الأحداث الدولية، وبالتالي جعله أولوية في الأمم المتحدة، أو على الأقل فإنها بذلك قد تجعل المغرب يتخلي عن المنطقة الفاصلة في إطار اتفاق وقف إطلاق النار لتؤولها في إطار ما تسميه بالأراضي المسترجعة.
وتستند تحليلات الخبراء إلى أن جبهة البوليساريو سبق لها أن هددت بعثة المينورسو بالحرب إذا لم تسارع الأخيرة إلى تطبيق ما كلفت به أي (إجراء الاستفتاء في الصحراء). ولم يكن هذا التهديد هو الأخير من نوعه، بل تلته عدة تهديدات أخرى، صار يرددها زعيم الجبهة الانفصالية محمد عبد العزيز المراكشي نفسه.
وأمام هذا الواقع يرى المراقبون أن جمود ملف قضية النزاع في الصحراء والسكوت الإعلامي الدولي عن هذا الملف، إنما يجعل جبهة البوليساريو تعيش حالة اختناق شديد أمام الجزائر وأمام سكان المخيمات، احتقان شعبي ضد قيادة البوليساريو اشتد بمقترح الحكم الذاتي الذي سار يشجع عددا من الصحراويين للالتحاق بالصحراء الغربية، ولذلك فإن جبهة البوليساريو جد معنية بجعل الأمم المتحدة تسحب بعثة المينروسو من الصحراء وتعلن فشلها في إيجاد تسوية للنزاع، وهو أمر جد مستبعد، إما مزيد من التحرش بالمغرب في المنطقة العازلة لجره إلى اشتباك عسكري تقوي به هيبتها وتردع به حالة الاحتقان في المخيمات، من جهة ثانية تعيد به ملف الصحراء إلى الواجهة الدولية.
وتبقى هذه الخيارات ممكنة إلى حد جد معقول، إن اختلف حولها، بحيث يرى بعض المراقبين أن إمكانية نشوب معارك عسكرية مستبعدة في ظل استمرار تواجد بعثة المينورسو، إضافة إلى أن البوليساريو لا تستطيع بمفردها خوض معارك عسكرية مع المغرب في المناطق الجنوبية، خاصة بعدما أنهى تشييد جدار رملي عازل وتطوير تقنيات المراقبة لما بعده، وهو ما يجعل الدخول معه في أي معركة ستكون خاسرة بلا شك.
إلا أن هذا يبقى على فرضية دفع البوليساريو في اتجاه الإعلان عن تراجعها عن اتفاق وقف إطلاق النار، وهو خيار يبدو أن قاب قوسين أو أدنى بحسب تحليل مضمون خطابات زعماء الجبهة، وأنها لا تزال تبحث عن شرعية دولية، وفي انتظار الإشارة الجزائرية.
محلل سياسي مهتم بالنزاع في الصحراء
elfathifattah@yahoo.fr
التعليقات (0)