عبـد الفتـاح الفاتحـي
لا يختلف اثنان على أن المفاوضات حول الصحراء قد وصلت للنفق المسدود، وعليه فإن رسالة كريستوفر روس إلى الدول الخمس المؤثرة في المنتظم الدولي؛ هي تحصيل حاصل، إلا أن عدم الإشارة إلى النفس الذي قدمه مقترح المغربي منح الأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا موسعا على أنه مقترح جدي وذو مصداقية على حد وصف القرارات الأممية الأخيرة، يعد تجنيا من قبل المبعوث الأممي في حق المقترح المغربي ومحاولة للهروب إلى الإمام والالتفاف على القناعات الدولية مند نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي، وخلط للأوراق بإعادة الملف إلى نقطة الصفر، وهو ما يؤشر أن الجولات الدبلوماسية التي دشنها روس من العاصمة الروسية، وهو عملية دك للقناعات الأممية والدولية، ووأد لنتائج هذه الجولة في المهد، في وقت لم يعد فيه المنتظم الدولي قادرا على تحمل تبعات الماضي التي لم تجن أي نتائج تذكر.
والحق أنه كان على المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي كريستوفر روس أن يستوعب كرونولوجيا الصراع في الصحراء، ويستوعب الكثير من المعطيات التي تغيرت على الواقع لتكوين قناعة تنسجم مع ما بات يعتبر قناعة لدى العديد من العواصم الكبرى التي تؤيد اليوم مقترح الحكم الذاتي.
ومعلوم أن جولة روس تأتي من بعد رسالته السرية التي بعث بها نهاية يوليوز الماضي إلى ما أصبح يعرف بمجموعة الدول الخمس أصدقاء الصحراء (الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وإسبانيا وفرنسا) حول تعثر المفاوضات التي تشرف عليها الأمم المتحدة لعقد جولة جديدة من المفاوضات الرسمية بين المغرب والبوليساريو بشأن حل النزاع في الصحراء، وبحسب مصادر صحفية إسبانية فإن المبعوث الأممي ضَمَّن رسالته إشارة إلى تحمل الرباط مسؤولية تعثر المفاوضات.
وفي هذا السياق شرع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الشخصي إلى الصحراء الغربية كريستوفر روس في زيارة عواصم هذه الدول، فيما يتوقع أن يستأنف جولة بالمنطقة في الخريف المقبل بهدف حلحلة حالة الجمود التي يمر منها المسار التفاوضي حول مستقبل الصحراء الغربية واستئناف مسار المفاوضات بين جبهة البوليساريو والمملكة المغربية.
وقد استقبل روس مستهل جولته الدبلوماسية من قبل نائب وزير الخارجية الروسي، أليكساندر ياكوفينكو، وتناولا القضايا ذات العلاقة بحل نزاع الصحراء في أفق استئناف المسار التفاوضي بين جبهة البوليساريو والمغرب.
وأعاد المسؤول الروسي خلال لقائه بروس التأكيد على موقف بلاده المبدئي من قضية الصحراء الغربية، بالدعوة إلى البحث عن حل مقبول من الطرفين من شأنه التوصل إلى تسوية طويلة الأمد ومستدامة لهذا النزاعّ، ولم يشر البيان إلى مبدأ تقرير المصير التي تتشبث به البوليساريو والجزائر، مكتفيا بالتأكيد على الحل التوافقي المقبول من الطرفين، وهو ما يعتبر تغييرا جوهريا في موقف موسكو.
وستتواصل جولة المسؤول الأممي بزيارة عواصم كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا، وقد استبقت مدريد هذه الزيارة بتجديد تأكيدها على موقفها الثابت من هذه القضية إذ أوضح وزير الخارجية الإسباني ميغيل أنخيل موراتينوس أن بلاده تعمل من أجل التوصل إلى حل عاد ودائم ومقبول من قبل الأطراف لمشكل الصحراء في إطار الأمم المتحدة.
وكان المبعوث الشخصي كريستوفر روس قد أعلن عن وضعية الجمود الراهنة للمسار التفاوضي بين جبهة البوليساريو والمغرب، وذلك في رسالة نشرت شهر غشت الماضي، دون الإشارة إلى مصداقية المقترح المغربي القاضي بمنح حكم ذاتي موسع في الصحراء. بينما لا يزال هذا المقترح يشكل "ركيزة بناءة" لإيجاد حل لقضية الصحراء، ويستحق بحسب أصدقاء المغرب أن يتحول إلى واقع ملموس يستجيب لتطلعات شعوب المنطقة".
وتعد فرنسا من الدول التي ظلت تعتبر أن المقترح المغربي "جدي وملموس لمنح الصحراء حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية"، وترى أن المبادرة المغربية تشكل "عنصرا هاما" لإيجاد حل لهذا الوضع ولاسيما بالنظر إلى المأساة الإنسانية التي يعاني منها عشرات الآلاف من الأشخاص المحتجزين ضدا على إرادتهم في مخيمات تندوف.
وترى فرنسا أن المقترح المغربي للحكم الذاتي في الصحراء سيساهم في استتباب الأمن بهذه المنطقة، علما أن الأعمال "الإرهابية لا تعني المغرب والبلدان المجاورة فحسب، بل أوربا كذلك".
وإن لم تشر التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة إلى حدود الآن، حول ما إذا كان كريستوفر روس يهيئ لطرح خطة بديلة أو مشروع مخطط جديد للتسوية، إلا أن تكهنات لبعض الأوساط أكدت أن روس بصدد حشد الدعم من العواصم المؤثرة في المنتظم الدولي لمشروع حكم ذاتي تحت إشراف الأمم المتحدة لمدة ثمان سنوات يكون متبوعا باستفتاء لتقرير المصير، حول الحكم الذاتي أو الاستقلال.
والحق أن روس فشل في بعث دماء جديدة في مسلسل المفاوضات التي وصلت إلى الباب المسدود، حسب تقرير الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن، وبحث سبل تقريب وجهات النظر وتدابير بناء الثقة لانطلاقة جديدة في المسلسل التفاوضي، وهو ما يعني أن أي اجتهاد بالإعلان عن مخطط جديد للتسوية سيعد مجازفة محكوم عليها هي الأخرى بتعطيل مسار حل النزاع في الصحراء.
وتستبق البوليساريو هذه الجولة بكيل الاتهامات إلى كل من فرنسا واسبانيا التي اتهمها رئيس ما يسمى الجمهورية الصحراوية بـ "المسؤولية التاريخية إزاء ما وصفه "تصفية الاستعمار من آخر مستعمرة في إفريقيا".
ويمكن القول أن استمرار الوضع القائم (لا حرب ولا سلم) سيناريو وإن كان لا يسعى إليه المغرب، إلا أنه يشكل الخيار الأمثل، وربح مزيد من الوقت لتطبيق الحكم الذاتي من جانب واحد.
وتندرج الجولة الجديدة لكريستوفر روس في سياق المهمة الصعبة التي قرر مواصلتها عقب فشل المفاوضات حول الصحراء في أرمونك من الضاحية الشمالية لنويورك الأمريكية في فبراير الماضي، إلا أن مهتمين يصفون جولته الجديدة بأنها روتينية لتهيئ وتحميس الأطراف على الدخول في مفاوضات جديدة.
ويختلف المراقبون حول قرار المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء، كريستوفر روس، بدء جولة جديدة، فمنهم من اعتبرها بداعي ممارسة ضغط على المغرب بعد القمة الأوربية المغربية، تبعا لشروط وتعهدات وضعها الاتحاد الأوربي على المغرب مقابل تطوير علاقات شراكة الوضع المتقدم، ومنهم من اعتبرها سياسة لمحاولة تحريك المواقف الأوربية للممارسة الضغط على المغرب الذي يتأهب لتطبيق الحكم الذاتي من جانب واحد في الأقاليم الصحراوية، وذاك ما ترى فيه الجزائر والبوليساريو فرصة سيتحرر فيها المغرب من كل الالتزامات الأممية.
فيما يرى آخرون أن روس وإن كان يحمل وبلا شك رزمانة جديدة من المقترحات، اختصرها المراقبون في موقف المملكة لما بعد الوضع المتقدم، ولائحة مقترحات تهم الوضع الحقوقي في الصحراء، وآفاق الصيغ التي يمكن للمغرب القبول بها في سياق الإجابة ولو جزئيا على ما أفرزته التحركات الحقوقية الأخيرة ولا سيما بعد القمة المغربية الأوربية بغرناطة.
وبناء على هذه التفاعلات يستبعد عدد من المتتبعين تسجيل أي تغيير في مواقف الدول بين عشية وضحاها، ويرجحون تبعا لذلك مزيدا من إطالة حل نزاع في الصحراء وترك العديد من حيثياته للوقت، إلا أن كل ذلك يصب في صالح المغرب، ويعطي نفسا لتطبيق الجهوية الموسعة في الأقاليم الجنوبية في انتظار ذوبان قيادات البوليساريو عبر العودة إلى المغرب الذي يركز اليوم على تشجيع الفرار الجماعي نحوه من جحيم مخيمات تندوف.
وترى عدة قراءات أن مجهودات روس قد تذهب سدى بسبب المكابح التي تخلقها الجزائر عند كل موعد على أساس التحكم في تدبير الصراع الإقليمي في المنطقة، واعتبر عدد من المهتمين أن المجتمع الدولي أقتنع بلا المساهمة الايجابية للدبلوماسية الجزائرية لحل النزاع في الصحراء.
محـلل سياسـي
elfathifattah@yahoo.fr
التعليقات (0)