عبـد الفتـاح الفاتحـي
شدت الأنظار الأسبوع الفائت إلى القمة السعودية-القطرية التي جمعت العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، والشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر بالعاصمة الاقتصادية للمملكة المغربية الدار البيضاء، وتم خلالها بحث مجمل التطورات على الساحات الخليجية والعربية والإسلامية والدولية، وفي مقدمتها تطورات القضية الفلسطينية، إضافة إلى آفاق التعاون بين البلدين وسبل دعمها وتعزيزها في جميع المجالات.
وحضر هذه القمة الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، والأمير فيصل بن محمد بن سعود الكبير، والأمير مقرن بن عبد العزيز رئيس الاستخبارات العامة، والأمير فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود وزير التربية والتعليم، والأمير تركي بن عبد الله بن محمد آل سعود مستشار خادم الحرمين الشريفين، والأمير الدكتور بندر بن سلمان بن محمد آل سعود مستشار خادم الحرمين الشريفين، والأمير الدكتور فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، والأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز وزير الدولة عضو مجلس الوزراء رئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء، والأمير عبد العزيز بن تركي بن فيصل بن تركي بن عبد العزيز، والأمير منصور بن عبد الله بن عبد العزيز، والأمير مشهور بن عبد الله بن عبد العزيز. وحضرها عن الجانب القطري رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني ومن الجانب السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود أمير منطقة الرياض ورئيس جهاز الاستخبارات الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود.
بعض المحللين السياسيين رأوا أن انعقاد قمة من هذا الوزن في المغرب لا بد أن يتطرق إلى أجواء التوتر في العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وقطر، بعد ترهلها بسبب معاداة قناة الجزيرة للوحدة الترابية للمغرب.
وتفسر قطر عدم مشاركة العاهل المغربي في قمة الدوحة الماضية قد قلص من هيبتها، في الوقت الذي كانت قطر تراهن على لعب دور أساسي في الشرق الأوسط، وفي الساحة الدولية. وضع دبلوماسي أدى إلى تراجع حجم الاستثمارات القطرية بالمغرب مقارنة مع الاستثمارات السعودية والإماراتية والكويتية. في وقت دلت فيه عدة إحصائيات أن المغرب أصبح قبلة بل جنة الاستثمارات الخليجية، وهو ما فرض على قطر العمل على تطوير علاقاتها الدبلوماسية والسياسية مع المغرب من أجل رفع حظوظها الاستثمارية بالمغرب.
وتوقف عدد من المراقبين عند طبيعة بروتوكول الاستقبال، وقرأوا فيه ما يفسر بوضوح توتر العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وقطر ولو لبعض الشيء. إذ في الوقت الذي استقبل فيه الأمير مولاي رشيد الذي يمثل أخاه محمد السادس في المهام الرسمية الكبرى، العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، اكتفي برئيس مجلس النواب عبد الواحد الراضي لاستقبال أمير دولة قطر في مطار محمد الخامس الدولي بالدار البيضاء.
ويستشعر الإعلاميون القطريون أهمية تقوية التعاون مع المغرب على غرار باقي دول الخليج، حتى أن صحفيا قطريا كتب في مقالة بعنوان "لا مكان للكيانات الكرتونية، ولا وجود للدويلة الصحراوية" إنه لا يمكن نسيان الجهود الإنسانية التي بذلتها الدبلوماسية القطرية، لإنهاء معاناة «100» أسير مغربي، كانوا محتجزين لدى جبهة «البوليساريو» الانفصالية، وصلوا إلى بلادهم في فبراير من سنة 2004، على متن طائرة قطرية خاصة.
وأضاف ملاحظون دوليون أن المكاسب التي حققتها الدبلوماسية القطرية في الخارج لا يمكن لقطر أن تضييعها في الداخل بسبب تغطيات غير متوازنة تقوم بها ـ أحيانا ـ قناة الجزيرة الفضائية. ويستغرب عدد من المهتمين القطريين بث أخبار غير دقيقة من مكتب الجزيرة بالرباط، تتعلق بملف قضية الصحراء الشائك، ونقل أخبار غير صحيحة على لسان الانفصاليين «البوليساريو»!.
ويعتبر عدد من الإعلاميين القطريين أن قناة «الجزيرة» تتجاوز ـ أحياناً ـ في تغطيتها للشؤون المغربية، مما يؤدي إلى الإضرار بالمصالح القطرية في المغرب، مؤكدين أنه لا يجب أن يسمح للعواطف الشخصية والتجاوزات المهنية في زراعة الشوك والشكوك في مسار العلاقة بين الدوحة والرباط.
وهو ما يعني أن عدة أصوات باتت تنادي بضرورة توطيد العلاقات القطرية المغربية، وهو ما ترجم في قدوم الأمير القطري لعقد قمة سعودية-قطرية بالمغرب، ومنه قضاء جزء من عطلته، هي محاولة لإبداء رغبة قوية في تطوير العلاقات بين البلدين، حيث أعتيد أن يقضي الأمير القطري عطلته في الصحراء الجزائرية، يمارس فيها هواية صيد الحبار دون المغرب.
إنه وأمام هذا الوضع فإنه وبالتأكيد هناك ما يرجح بقوة أن تبادر قطر إلى طلب توسط العاهل السعودي لبعث الدفء في العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وقطر، وهو الدور الذي لا يمكن أن يقوم بها سوى العاهل السعودي بالنظر لحظوته العالية لدى العاهل المغربي ولدى الحكومة والشعب المغربي.
بعض المتهمتين للشأن السياسي بين دول الخليج رأوا في عقد قمة بين البلدين بالمغرب بالأمر الطبيعي حيث أن المغرب يحظى بتقدير غالبية الدول الخليجية، ذلك أنه بات يشكل قبلة لرجال الساسة والأعمال من الدول الخليجية، ومن جهة أخرى فإن قطر والسعودية قد دأبوا على مناقشة القضايا العميقة من خلال عقد قمم ثنائية، كتلك التي عقدها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في جدة على البحر الأحمر سنة 2007، بعد أن تسببت قناة الجزيرة القطرية في هد العلاقات الدبلوماسية، حين فسحت لمشاركين في برنامج تعرضوا فيه بشدة للعائلة المالكة في السعودية.
وهو ما جعل العربية السعودية حينها تستدعي سفيرها في الدوحة، ولم يتم تجاوز أزمة البلدين إلا بعد عقد قمة اتفق فيها توقف المحطة التلفزيونية عن "تجاوزاتها" حيال المملكة العربية السعودية، مقابل أن تعيد السعودية سفيرها إلى الدوحة والسماح لمحطة "الجزيرة" بإعادة فتح مكتب لها في العاصمة السعودية.
وكان بموجب هذه القمة أن تعززت العلاقة بين البلدين، وتلتها زيارة ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز إلى الدوحة لإعادة مزيد من الدفء إلى العلاقات السعودية القطرية بعد خلاف استمر زهاء ست سنوات وعبر رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني عن "أمله في حقبة جديدة وتفاهم سياسي واقتصادي بين البلدين"، وعبر عن رغبة بلاده في تفعيل العلاقات وتطويرها أكثر سواء في المجال الاقتصادي أو في التنسيق السياسي والأمني".
وتوطدت العلاقة بين البلدين بعد أن عاود أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة زيارته للسعودية أربع مرات لحضور القمة الخليجية في الرياض، وتأكدت متانة هذه العلاقة بين البلدين بمشاركة العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز في القمة الخليجية الأخيرة في الدوحة.
واعتبر المراقبون أن تطوير العلاقات بين البلدين باتت يؤشر لتعاون استراتيجي بينهما، وإعلان جاد لمواطني البلدين ولدول المنطقة والعالم لنهاية مرحلة وبداية أخرى وتمهيدا لدور قادم يقوم به الوزراء والخبراء ورجال الأعمال".
فيما اعتبر آخرون أن توطيد العلاقة بين الرياض والدوحة يعد حدثا سياسيا استراتيجيا في الخليج، أنهى مرحلة صداع مزمن حسب وصف بعض المحللين السياسيين، صداع اعتبر المسؤول عن تجميد الكثير من المشاريع الخليجية الهامة.
فاعلون اقتصاديون ذكروا أنه الآن قد بات بإمكان البلدين "إنشاء شركات مشتركة جديدة واندماج شركات قطرية سعودية لولوج أسواق عربية مشتركة كالمغرب، والتي صار يمثل قبلة للاستثمارات الخليجية.
ويضيف آخرون أن "هناك مشاريع ضخمة يمكن أن تطلق بين دولة قطر والسعودية في عدد من الدول العربية، يرجح المتتبعون أن المغرب سيكون هو المستفيد الأكبر منها، لخصوصية علاقاته الجيو- سياسية والاقتصادية في رعاية الاستثمارات الخليجية السعودية والقطرية، وكذا لطبيعة العلاقة القوية التي تجمعه بالسعودية وكذا قطر رغم ما تسببه القناة الجزيرة من تأزيم العلاقات السياسية بين البلدين.
elfathifattah@yahoo.fr
التعليقات (0)