مستقبـل تطبيـق مرسـوم إلزامـية التعامـل باللغـة العربيـة

مستقبـل تطبيـق مرسـوم إلزامـية التعامـل باللغـة العربيـة

عبـد الفتـاح الفـاتحـي

      برؤيـة استشـرافيـة وبعدسـة بانوراميـة نرصـد الفعاليات السياسية المغربية حـول هيمنـة التـوجـه الفرنكفـونـي علـى الثقافـة الوطنيـة، وهذا التوجه كثيرا مما وقف في وجه تدابيـر مرسـوم إلزاميـة استعمـال اللغـة العربيـة فـي الوثائـق والمذكـرات والمـراسلات والمحاضـر والعقـود والتقاريـر والاجتماعـات وغيـرها مـن الوثائـق المتبادلـة بيـن إدارات الدولـة والجماعـات المحليـة والمـؤسسات العموميـة سـواء فيـما بينـها أو مـع المـواطنيـن ستبقـى رهيـنة بمـدى تجـاوب وانخـراط باقـي الأطـراف الأخـرى مـن إعلامييـن وفاعليـن اقتصادييـن واجتماعييـن ومختلـف هيئـات المجتمـع المدنـي.
     ودلالـة هـذه الرؤية هو تنبيه إلى أيادي تستبـق دوما لمنـع صـدور هـذا المرسـوم وخروجـه إلـى حيـز الوجـود، والأكيـد أن تـلك الأيـادي هـي التـي لا زالـت تعتـرض علـى إخـراج أكاديميـة محمـد السـادس للغـة العربيـة إلـى حيـز الوجـود بعـد مـرور حـوالي نصـف عقـد مـن الزمـن علـى صـدور الظهيـر الملكـي لإنشـائها.
     كما أن قـراءة مـا وراء سطـور هذا الخطاب الحكومي يبـرز أيضـا تخـوفا مـن الاعتـراض علـى هـذا المرسـوم ليـس وقـت تقديمـه إلـى البرلمـان فحسـب، بـل حتـى بعـد المصادقـة عليـه حيـث قـد لا يجـد صـدى لتطبيـق بنـوده فيكـون مصيـره مصيـر المراسيـم والمذكـرات الوزاريـة السابقـة التـي صـدرت مـن قبـل دون أن تفعـل، وقد أشار إلى ذلك الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان المغربي سعـد العلمـي في جواب حول المصادقة على مشروع تعريب الحياة العامة وإخراج تدابيـر مرسـوم إلزاميـة استعمـال اللغـة العربيـة دلالـة أخـرى أن هـذا المشـروع قـد لا يصاحـب بقوانيـن زجريـة لمعاقبـة مـن لـم يمتثـل لقانـون التعامـل باللغـة العربيـة فـي الإدارات العموميـة.
      إن التنبيه إلى هيمنـة التوجـه الفرانكفـوني بالمغرب علـى الثقافـة الوطنيـة يعرقل إخراج هذا المشروع إلى حيز الوجود رغم أنف السواد الأعظم من المغاربة، ويبقى الحبل علـى الغـارب فـي عـدم تقديـم إجـابات شافيـة تجـاه وقـف نزيـف انهيـار الشـق الهوياتـي والثقافـي الوطنـي أمـام سيطـرة الفرانكفونيـن علـى المشهـد السياسـي، وهـو ما يعكـس حجـم استثبـات وهيمنـة الفرانكفونيـة فـي أوسـاط صنـاع القـرار الوطنـي، الذيـن بقصـد أو بدونـه يعاكسـون الحـق الدستـوري للغـة العربيـة فـي صيـانـة الهويـة الوطنيـة مـن استـلاب الفرنكفـونيـة المتناميـة، فـي وقـت تشيـر فيـه مصـادر جـد عليمـة أن عـددا مهمـا مـن صنـاع القـرار المغربـي متزوجـون بأجنبيـات الأمـر الـذي يجعلهـم يرتـدون عـن لغتهـم الوطنيـة لصالـح لغـات زوجاتهـم الأجنبيـة، وهـو واقـع حقـا يثيـر الشفقـة.
     إن الحكومـة مطالبـة باستصـدار مراسيـم وقوانيـن زجريـة لوقـف عـدم التعامـل باللغـة العربيـة فـي الإدارات العموميـة بمـا ينسجـم وروح الدستـور، وهـو ما تقـوم بهـا فرنسـا التـي نكـاد نقلـدها فـي كـل شـيء إذ تعاقـب مـن يتعامـل بغيـر الفرنسيـة فـي إداراتهـا الوطنيـة هـذا مـن جهـة ومـن جهـة ثانيـة، فقد أكـدت بحـوث ودراسـات عـديدة فـي علـم النفـس وعلـم الاجتمـاع أن الأمـم لا يتأتـى رقيـها ما لـم تهتـم بلغتـها الوطنيـة وبتعليمـها ونشـرها وتبـويئها مـوقعا فـي مـؤسسات التعليـم والعلـم والإعـلام، وهـو مـا تقـوم بـه العديـد مـن البلـدان المتقدمـة (اليـابان) أو السائـرة علـى درب التقـدم كالصيـن، حيـث ساوقـت تنميتـها الاقتصاديـة والسياسيـة تنميـة لغويـة باديـة للأعمـى والبصيـر، بعـد أن طـورت مـناهـجها التعليميـة، باعتمـاد آخـر الابتكـارات التكنولوجيـة.
     وإن هاتيـن التجربتيـن علـى سبـيل المثـال لا الحصـر، فيهمـا ما يصـدح بالحقائـق الميدانيـة ضـدا علـى دعـاوي التغريبييـن مسـاميـر الفرنكفونييـن ومـن لف لفهـم وتـاه، والذين يدفعـون باللغـة الفرنسيـة بديـلا للعربيـة تـارة والناعقيـن بالعاميـة -السـم الزعاف والبهتـان المبيـن- طورا.

مسؤول الإعلام والتواصل بالجمعية المغربية لحماية اللغة العربية