يختار رؤساء الدول مستشارين يستشيرونهم كلما اقتضت الحاجة لذلك، وبلادنا لا تخرج عن هذه القاعدة. وبالمغرب يبدو المستشار الملكي كموظف تسند إليه مهام بجانب الملك، إلا أن بعض مستشاري الملك لعبوا دورا بارزا في إعداد صناعة بعض القرارات.
إن استقراء مسارات مستشاري سلاطين وملوك المغرب، يبيّن أنها اختلفت وتأرجحت بين الفقيه، الناصح المرشد والحكيم ، وبين السياسي البارع العارف بسر التوازنات، والتقني المتخصص المتشبع بالعقلانية والحكامة .
و تظل السمة الأساسية التي طبعت مستشاري الملك الراحل الحسن الثاني، إلى جانب الدراية والكفاءة والخبرة ومؤهلاتهم المعرفية والتقنية والثقة التي يحظون بها من طرف الملك وابتعادهم عن الأضواء، لكون عملهم يكون تحت أجنحة الملك الذي يقدمون إليه المشورة حين يطلبها. ويبدو أن الملك الراحل الحسن لم يكن يستحسن ظهور مستشاريه في الحياة السياسية وفي الإعلام إلا عندما يرى الضرورة لذلك. ويتميز عمل المستشار الملكي بالسرية اعتبارا لحساسية القضايا المعروضة على الديوان الملكي ودوره يكمن في رسم القرارات التي تحدد السياسة العامة للدولة. ويكون هذا المستشار الملكي متسلحا في وظيفته بعاملين أساسيين هما مؤهلاته المعرفية وخبرته التقنية والثقة التي يحظى بها من طرف الملك.
إن مستشارو الملك يعملون في الديوان الملكي ، وهو من أهم الأجهزة التي تعمل على صناعة القرارات السياسية الكبرى باعتبار أن المؤسسة الملكية تحتل مكانة مركزية في النظام السياسي المعتمد بالمغرب.
مستشارو العهد الحسني
كشف عبد الهادي بوطالب في إحدى استجواباته قائلا : "عندما أستُدْعيت من لدن جلالة الملك لأكون أحد مستشاريه الأربعة أحمد رضا اكديرة، وإدريس السلاوي وأحمد بن سودة، و(عبد الهادي بوطالب)، لم أكن أعرف طبيعة المهمة الجديدة، فقال لنا الملك: ستكونون مستشارين لي بالديوان الملكي، ودعوني أشرح لكم شروط اختيار المستشار والمؤهلات التي يجب أن تتوفر له ليشغل عن جدارة هذا المنصب الكبير، أنا لا أختار مستشارا لي إلا من تقلب في وظائف وزارية كبرى ونجح فيها، وإلا من يتوفر على التكوين السياسي لرجل الدولة ، والمستشارون هم خُلصائي وجلسائي المقرَّبون إليَّ، فلا أختارهم إلا من بين الذين يعرفونني ويعرفون توجهاتي وممن لا يضايقني أن أستقبلهم ولو في غرفة نومي وحتى من دون أن أكون قد غادرت الفراش. وأفاض الملك في شرح المهمات التي تنتظرنا، وبعد أن انتهى من كلامه، سأله اكديرة: نحن يا جلالة الملك مستشارون لكم أم مستشارون في الديوان الملكي؟ فكان جواب الملك: الأمر عندي سيّان، فعلق اكديرة قائلا: لا يا جلالة الملك، إذا كنا مستشارين في الديوان الملكي، فإننا لا نعرف العمل الذي سنقوم به، لأن بالديوان الملكي موظفين سامين يقومون بمهامهم، بل يوجد به حتى من هم في رتبة وزراء، فحسم الملك وقطع حديث اكديرة قائلا: أقصد مستشار الملك".
وعن المهام التي أنيطت بهم يسترسل عبد الهادي بوطالب موضحا: " عندما عيننا جلالته مستشارين، عقد جلسة عمل معنا لتحديد اختصاص كل واحد منا، وقال: "مهمتكم أن تتابعوا الوزراء وتكونوا واسطة بيني وبينهم في ما يبعثونه إلى الديوان الملكي، وتقدموه إلي مع ملاحظاتكم عليه، وتقترحون علي أفكاركم بشأنه لأتخذ القرار على ضوء ذلك" وأردف قائلا: "وليس معنى هذا أنكم ستكونون حجابا فاصلا بيني وبين الوزراء، وأرجوكم أن تجتمعوا فيما بينكم وتستعرضوا الوزارات التي مر كل واحد منكم بها، فيتخصص كل منكم في الوزارات التي كان على رأسها"، وهكذا كان اكديرة يشرف على وزارتي الخارجية والداخلية، وإدريس السلاوي على وزارات المالية والاقتصاد والتجارة والصناعة، وأحمد بن سودة على وزارتي الشبيبة والرياضة، والأوقاف والشؤون الإسلامية، وعبد الهادي بوطالب على وزارات العدل والإعلام و التعليم وشؤون البرلمان (...) وإن أول مستشار حُصرت مهمته في قطاع واحد كان هو أندريه أزولاي الذي سماه جلالته مستشارا مكلفا بالشوؤن الاقتصادية".
إن أهم مستشاريه ، ظلوا يمارسون وظيفتهم مدى الحياة، هو وآخرون ، مع استثناء بعض الحالات، ومنها عبور محمد القباج من المحيط الملكي قبل تعيينه بعد سنوات على رأس ولاية الدار البيضاء.
فإدريس السلاوي، عبد الهادي بوطالب، علال السي ناصر، عباس الجيراري ، بنسودة، كلهم كانوا مستشارين ، أغلبهم جاء من المحيط السياسي الذي خلقه آنذاك الظرف السياسي في بداية ستينيات القرن الماضي. في حين إن زليخة نصري و أندري ازولاي تم تعيينهما وهما يحملان تحديد الوظيفة، أي القضايا الاجتماعية والقضايا الاقتصادية، في حين عرف عن الراحل مزيان بلفقيه أنه كان صاحب ملفات.
أغلب مستشاري الحسن الثاني امتهنوا الاستوزار
إن أغلب مستشاري الملك الراحل الحسن الثاني استوزروا في الحكومات الأولى.
ثلاثة على الأقل من مستشاري الملك الراحل الحسن الثاني ترددت أسماؤهم في الحكومات الأولى التي أعقبت الاستقلال ، وهم عبد الهادي بوطالب، الذي شغل في الحكومة الأولى منصب وزير الشغل والشؤون الاجتماعية وكان محسوبا على حزب الشورى والاستقلال، ومحمد عواد، كوزير للبريد والتلغراف والتلفون، وأحمد رضا اكديرة، الذي عمل وزير دولة باسم حزب الأحرار المستقلين.
كما عهد إلى إدريس السلاوي في تلك التشكيلة بكتابة الدولة في الداخلية، وقبله جرى تعيين مستشار آخر، هو أحمد بن سودة، كاتب دولة في الشبيبة والرياضة. فالملك الراحل الحسن الثاني كان يختار مستشاريه من بين الوزراء الأوائل في الحكومات المتعاقبة. وباستثناء أندريه أزولاي، الذي جاء من عالم المال والأعمال متأخرا، وعلال سيناصر عمل بدوره وزيرا للثقافة في مطلع تسعينيات القرن الماضي، فإن الاختيار الملكي ركز بالأساس على التمرس والخبرة في قطاعات عمومية. و كان أكثر المستشارين الملكيين من تعاقب على المسؤوليات الحكومية هما عبد الهادي بوطالب وأحمد رضا اكديرة. وهناك كذلك صفة الاستقلالية بخصوص الانتماء السياسي، بالرغم من أن بعض المستشارين كانت لهم تجارب في هذا النطاق، لكنهم غيروا علاقاتهم بأحزابهم عند توليهم المسؤوليات الاستشارية، ولم يقطعوا معها شعرات معاوية وأبرزها حالة أحمد بلفريج.
من بين المستشارين، سيتولى محمد عواد مسؤولية وزارة الدفاع في حكومة رئيس الوزراء عبد الله إبراهيم، خلفا لمحمد اليزيدي، بينما ستسند وزارة التجارة والصناعة والملاحة التجارية في الحكومة التي تلتها إلى إدريس السلاوي، وسيحتفظ ولي العهد الأمير مولاي الحسن بسلطات وزارة الدفاع. وعندما أسندت لأحمد رضا اكديرة في حكومة الملك الراحل الحسن الثاني وأسند وزارتي الداخلية والفلاحة، كان إدريس السلاوي قد توارى إلى الخلف كي يعود وزيرا للأشغال العمومية، وذلك قبل أن يصبح فيها إدريس السلاوي وزيرا للمالية في الحكومة الموالية.
علاقة مستشاري الملك بمختلف المؤسسات في العهدين
في عهد الملك الراحل الحسن الثاني كان يبدو أن مستشاري الملك يعملون في الظل ومن وراء حجاب.
أما في السنوات الأربع الأولى من عهد الملك محمد السادس عانينا بروز ثلة من مستشاري الملك تخصصوا في مجالات بعينها. سيما وأنه تم الاعتماد على نهج جديد في معالجة القضايا المجتمعية والتصدي للمعضلات القائمة الموروثة، أهه نهج الارتكاز على لجن وصناديق ملكية ومؤسسات تحمل طابعا استشاريا لعب رجال محيطين بالملك دورا رياديا سواء من حيث استقطاب النخب أو اقتراح التصورات والبدائل كما هو الحال بالنسبة للمستشار الملكي مزيان بلفقيه بخصوص ملفات التعليم والأمازيغية، أو المستشارة زليخة نصري التي اضطلعت بالقضايا ذات الطابع الاجتماعي والخيري، أو المستشار أندري أزولاي الذي تكلف بتحسين وتلميع صورة المغرب في الخارج، أو المستشار محمد القباج الذي اهتم المكلف بالشؤون الاقتصادية ، أو المستشار عباس الجيراري الذي اعتنى بالشأن الديني، أو المستشار محمد المعتصم المكلف بالشؤون القانونية والدستورية، أو حسن أوريد الناطق السابق باسم القصر الطي كان يقوم الذي يقوم بدور المستشار في شؤون الحركات الاحتجاجية. هذا علاوة على وجال آخرين محيطين بالملك تكلفوا بمهام داخل الديوان، فاضل بنعيش على سبيل المثال . و في هذا السياق برز رفاق الملك في الدراسة الذين احتلوا مكانة متقدمة في المحيط الملكي نظرا لعامل الثقة . وقد خلق هذا الوضع حجب جور الحكومة السياسية وتراجعها مما زاد في تكريس الفراغ السياسي نتيجة ضعف الأحزاب السياسية وإفراغها عبر استقطاب كوادرها و "ذوي المادة الرمادية" (حسب التعبير الفرنسي) وإدماجهم في مقاربة الدولة ضمن أجندة ترسم حدود الممكن والمستحيل. آنذاك تألق مستشارو الملك على واجهة الأحداث. آنذاك كان الحديث عن هيمنة أقطاب " الحكومة البلاطية" ( أو حكومة الظل) على مختلف الملفات الهامة والمصيرية.
وقد ذهب البعض إلى القول آنذاك، إن دور بعض المستشارين تحول إلى دور الفاعل السياسي، حيث أن أغلبية القضايا المجتمعية الكبرى وخاصة منها تلك التي تدخل في مجالات ما أصطلح عليه بــ "الشرعية الجديدة" تصدى إليها المحيطون بالملك ( على وجه الخصوص القضايا التالية: الأمازيغية، المرأة، حقوق الإنسان، القضايا الاجتماعية...)، كما ظهرت امتداداتهم داخل مختلف مكونات الحياة السياسية ، وقد اكتسح بعضهم مجالات معينة لدرجة أن بعض الوزراء أصبحوا لا يقومون بأي مبادرة في بعض القضايا الهامة التي تدخل في نطاق اختصاصاتهم إلا بعد الحصول على الضوء الاخضر. وفي هذا السياق طرح جملة من الأسئلة لم تكن تُطرح من قبل، ومنها : أين تبدأ حدود عمل وتحركات المستشار الملكي وأين تنتهي؟ وهل المستشار يعمل تحت جناح الملك أم أنه فاعل سياسي؟ وهل مستشارو الملك منافسون لجهاز الحكومة؟ وهل هناك قانون ينظم عمل المستشار الملكي؟
في حين أن الوضع كان مختلفا كليا في عهد الملك الراحل الحسن الثاني. إذ كان سلوك المستشار الملكي مغايرا اعتبارا لطبيعة السياسة المتبعة والنهج المعتمد في تدبير شؤون البلاد والعباد. فلم يسبق أن سمعنا أن مستشار ملكي تدخل في اختصاص أو شؤون هذه المؤسسة أو تلك ، حتى كبار المستشارين وأقربهم للملك الراجل. لعل حالة محمد رضا اكديرة أكبر دليل على هذا. فبالرغم من القوة والمكانة التي كان يتمتع بها بصفته كبير المستشارين الملكيين وكذلك صديق حميم للملك، إذ كان من القلائل الذين يقتربون منه في خلواته ورحلاته، لم يسبق أن سُجّل عليه أي تدخل توجيه مؤسسات الدولة أو انتقادها.
كان الملك الراحل الحسن الثاني يختار حاشيته والرجال الذين حوله بعناية كبيرة ووفق معايير يحددها سلفا بعناية ودقة فائقتين، وينال الحظوة من انطبقت عليه. وغالبا ما كان أغلبهم ممن سبق لهم أن احتلوا مواقع عليها في الدولة وإدارة الشأن العام وتألقوا فيها وراكموا تجربة كبيرة منها، كما تميزوا بخصال النديم(حسن الكلام والقدرة على الترفيه على الملك). ومما عُرف عن الملك الراحل الحسن الثاني، أنه كان يعتمد في مهام الاستشارة على شخصيات تعمل بشكل غير رسمي وغير مرئي في الظل، يستقطبها ليكلفها بمهام محددة حسب مجال اهتمامها ودرايتها وخبرتها.
ويعتبر "جون واتربوري"، في كتابه عن إمارة المؤمنين، أن الديوان الملكي اتخذ في عهد الحسن الثاني مسلك حكومة الظل، يراقب بدقة نشاطات الحكومة وفي داخله تتقرر الخيارات الكبرى.
وعموما تظل علاقة مستشاري الملك بالمؤسسات علاقة مؤثرة ما دامت اتصالاتهم وتعليماتهم تؤول وكأنها صادرة عن الملك أو أوامر مولوية، وتتحدد قوة تأثيرهم بين زملائهم وتموقعهم في منظومة محيط البلاط انطلاقا من مدى قدرتهم على إقناع الملك والفوز بأكبر قدر من ثقته واطمئنانه لهم. ومهما يكن من أمر، في هذه المرحلة التي تجتازها بلادنا، يذهب الكثيرون الى اعتبار بروز مستشاري الملك بشكل جلي ،يرجع بالأساس الى ضعف باقي الفاعلين وعدم ممارستهم صلاحياتهم بوجه كامل غير منقوص.
وللإشارة، في عهد الملك الراحل محمد الخامس كان مجال الاستشارة الملكية ضيق جدا، سيما أن الدولة كانت في مرحلة التأسيس، وقد كان ولي العهد ( الملك الراحل الحسن الثاني) يضطلع بدور المرجع الاستشاري رغم أنه لم يكن يحمل هذه الصفة بشكل رسمي – بل كان مشارك لأبيه في التدبير- لكن كانت هناك بعض الشخصيات القلائل التي عرفت بقربها من الملك الراحل محمد الخامس ، مثل إدريس المحمدي الذي شغل منصب مدير ديوان الملك وامبارك الهبيل البكاي الذي ترأس أول حكومة المغرب المستقل وغيرهما، هؤلاء كانوا يلعبون أحيانا دور المستشار.
في عهد الملك الراحل محمد الخامس سادت صورة الفقيه المستشار أو صاحب الآداب السلطانية، وتمثلت في الجيل الذي رافق المرحوم محمد الخامس وكانوا عادة يسمون مستشاري التاج. فاعتمد لهذه الوظيفة مولاي العربي العلوي شيخ الإسلام والمختار السوسي ولحسن اليوسي اذ حمل هؤلاء صفة "مستـشاري العرش" وهي وظيفة كانت محكومة وقتئذ بتأثير الطابع القبلي على المجتمع المغربي علما ولي عهده(الحسن الثاني) ظل اهم مستشاري الملك رغم عدم حمله هذه الصفة.
لكن الملك الراحل الحسن الثاني اجتهد في تجديد بروفايل ووظيفة المستشار الملكي العصري، لكن مع الحفاض على الوظيفة التقليدية الأولى ( الفقيه المستشار)، وهذا ما تأكد عبر عمل المستشارين الملكيين عباس الجيراري و بنسودة وعبد الهادي بوطالب. ففي العهد الحسني ، كانت وظيفة المستشار الملكي، بقدر ما تضمن الهيبة والجاه، فإنها لم تكن محددة بالشكل الذي يمكن أن نعرف به بالتدقيق ما معنى أن تكون مستشارا خارج أنك من الرجال المحيطين بالملك ذي سلطة كبيرة و تحظى بالقرب من الملك، وكان المتواضع عليه هو أن العديد من المستشارين كانوا مستشارين بالقوة وليس بالفعل، في حين كانت السلطة تمارس بالتفويض، سواء في الفترات المعتمة، كما كان الأمر مع الجنرال أوفقير أو بعده.
أحمد بلفريج
أول مستشار ذي ثقافة غربية عالية
من المستشارين الأولين للملك الراحل الحسن الثاني، وهو أحد الوجوه البارزة في الحركة الوطنية. ولد سنة 1908 وتوفى في أبريل 1990 بالرباط، تنحدر عائلته من المسلمين النازحين من الأندلس الذين استقروا على ضفاف واد بورقراق منذ سنة 1610 . ظل كاتبا عاما لحزب الاستقلال من 1943 إلى 1960، واعتزل سنة 1972 عن الشأن العام والسياسي ولم يعد يذكر له ذكر.
إنه من أوائل المغاربة الحاصلين على شهادة الباكالوريا في منتصف عشرينات القرن الماضي، إذ كان مجموع المغاربة الحاصلين على هذه الشهادة فيما بين 1920 و1934 لا يتعدى 53. وحصل على الإجازة من جامعة "لاسوربون" بباريس سنة 1932.
يعد أحمد بلفريج من أوائل المستشارين العصريين ذوي ثقافة غربية عالية المستوى بالقصر الملكي بعد الاستقلال.
إدريس السلاوي
من الأمم المتحدة إلى القصر الملكي
قبل تعيينه مستشارا ملكيا ابتعد إدريس السلاوي عن الواجهة ليعمل في مجال تقديم المشورة إلى شركات عربية وخليجية، ثم عاد إلى الواجهة في نهاية سبعينيات القرن الماضي، عندما حرص الملك الراحل الحسن الثاني على إقامة توازن دقيق بين مستشاريه، وتوزيع المهام بينهم. واضطلع إدريس السلاوي بالملفات القانونية والسياسية، خصوصا في جانبها المتعلق بالحوار مع الزعامات السياسية.
علما أن اسم إدريس السلاوي كان قد برز قبل هذا التعيين، و ذلك في مهمة دقيقة عندما تولى مسؤولية المندوب الدائم للمغرب في الأمم المتحدة، في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي. كانت المرحلة صعبة ودقيقة، وكان ملف الوحدة الترابية للمغرب في طريقه إلى أن يصبح القضية الوطنية الأولى. فيما كانت الدبلوماسية تتحرك في اتجاه إسبانيا للضغط على حكومة مدريد في الهزيع الأخير من حياة الجنرال فرانكو، لتحقيق جلاء الإدارة والجيش الإسبانيين عن الساقية الحمراء ووادي الذهب، وكانت معارك دبلوماسية من نوع آخر تدور في كواليس الأمم المتحدة.
محمد عواد
المستشار الذي أنقد الملك
من المصادفات التاريخية أن الذكرى الأربعينية لوفاة محمد عواد تزامنت مع الذكرى الثامنة لوفاة الملك الراحل الحسن الثاني.
وقد أكد الملك الراحل الحسن الثاني، في مذكراته "ذاكرة ملك" أن مستشاره الراحل محمد عواد أنقده من أن يصبح إرهابيًا. إذ في 25 فبراير 1951، وجه المقيم العام الفرنسي "جوان" إنذارًا شديد اللهجة إلى والد الحسن الثاني الملك الراحل محمد الخامس، اعتبارا لدعمه ومساندته المطلقة للحركة الوطنية. آلم هذا الإنذار ولي العهد آنذاك الحسن الثاني ، لأنه لم يتحمل أن يتعرض والده للإهانة. لذلك فكر الراحل الحسن الثاني بجدية في قتل المقيم العام. وفي هذا الصدد جاء في كتاب "ذاكرة ملك": "كانت الساعة تشير إلى السادسة مساء، وكان الأجل المحدد لانتهاء الإنذار هو الثامنة، فكلمت الكولونيل عبر الهاتف، وقلت له: "كولونيل، هل من الممكن أن أحضر لمقابلة الجنرال جوان؟. فحدد لي موعدًا على الساعة السابعة مساء. ودخلت غرفتي لأغير ملابسي وارتديت جلبابًا. فتحت قمطر طاولتي الليلية، وأخذت منه مسدسًا من عيار 6.35 كنت وضعته هناك". ويمضي الملك الراحل في وصف حالته في تلك اللحظة المحرجة قائلا ك "كنت حانقًا، وكنت أقول في نفسي: لقد أهان جوان أباك. فلتقتل المهين (...) كلمت مستشاري عواد، كان كاتبي الخاص أيضا، وقلت له: "أحضر حالا، سترافقني إلى الإقامة العامة". امتطينا المقاعد الخلفية للسيارة. وعندما قعد عواد إلى جانبي أحس بشيء صلب. كان الأمر يتعلق بمسدس. لم يعلق لكنه التفت إلي وقال "ألا ترى أن نتوجه في البداية إلى صاحب الجلالة لنلتقى منه التعليمات الأخيرة؟ (...) نظرت إليه باندهاش وقلت: "لكنك يا عواد تعلم حق العلم أن أبي يجهل أنني ذاهب إلى الإقامة العامة وقد لا يأذن لي بذلكّ فقال رغم ذلك، أظن أنه من الضروري أن نراه. (...) وبذلك أنقذ حياتي".
ولد محمد عواد في مدينة سلا سنة 1922. وبعد استكمال دراسته العليا في باريس بجامعة السوربون ( حاصل على إجازتين: في اللغة العربية والثانية في الحقوق)، امتهن مهنة تعليم الناشئة الى غاية سنة 1945 ، حيث اختاره الملك الراحل محمد الخامس سكرتيرا خاصا لولي العهد آنذاك الملك الراحل الحسن الثاني. وأهله قربه من القصر الملكي في المغرب لتسند اليه مهمات ومسؤوليات بعد الاستقلال. وهكذا اصبح عواد اول مدير عام للديوان الملكي عام 1959، وهي سنة حرجة في تاريخ المغرب الحديث تميزت بأحداث وإشكالات وصراعات حادة بين السياسيين الملتفين حول ثلاثة قوى محورية: حزب الاستقلال القوي جماهيريا الذي سيقع فيه لاحقا انشقاق قاده جناحه اليساري، وتولد عنه اعلان قيام الاتحاد الوطني للقوات الشعبية مطلع الستينيات. اما القوة الثانية الناشئة، فكان يمثلها حزب الحركة الشعبية الذي اسسه عبد الكريم الخطيب، والمحجوبي احرضان، كتعبير عن رفضهما لما ظلا يسميانه دائما هيمنة حزب الاستقلال واستئثاره بالمشهد السياسي في ذلك الوقت. اما القوة الثالثة، فهي القصر الملكي الذي كان يحتكم اليه المتخاصمون.
غادر عواد المغرب سنة 1962 سفيرا لدى الجزائر المستقلة حديثا، حيث مكث فيها الى غاية 1965، السنة التي أطيح فيها بأحمد بن بللا، أول رئيس للجمهورية، انتقل بعدها إلى تونس، وفيها ظل الى غاية 1967، وهي السنة التي عينه فيها وزيرًا مكلفًا بتعليم الأمراء والأميرات.
وفي يناير 1980 عيّنه الملك الراحل الحسن الثاني مستشارًا له، وعين في دجنبر من السنة ذاتها عضوًا في مجلس الوصاية. وقد أسس محمد عواد في يناير 1986 جمعية أبي رقراق بسلا.
محمد رضا اكديرة
مستشار وصديق الملك الذي هرّب أمواله إلى فرنسا
من النوازل التي طبعت آخر أيام حياته، أنه أوهم قبل مرضه، الملك الراحل الحسن الثاني، بضمان استقراره في المغرب، دون نية مغادرته، في حين أنه كان بصدد تهريب كل ثرواته إلى الديار الفرنسية. وقد انكشف أمره لما أراد الملك الراحل زيارته بعد علمه بأنه طريح الفراش. وتفاجأ الملك الراحل بعلمه أن مستشاره وصديقه باع الأرض التي منحها إليه والقريبة من إقامة الأمراء والأميرات للمعطي بوعبيد. وزاد امتعاض الملك الراحل الحسن الثاني عندما عاين إقامة صديقه ببيت متواضع بتمارة، وجده مستلقيا على سرير، وقيل له، إن استقرار أحمد رضا كديرة بذلك البيت المتواضع مؤقت، في انتظار استكمال ترتيبات رحيله إلى الديار الفرنسية للإقامة هناك، بعد أن باع كل أملاكه وصفى كل مصالحه بالمغرب، وهرَّب أمواله إلى الخارج. وقد تزامن هذا مع إعلان الملك عن خطر السكتة القلبية للمغرب وقتئذ.
منذ اعتلاء الملك الراحل الحسن الثاني العرش اضطلع رضا اكديرة بمهمة مدير الديوان الملكي، وقد دأب الملك على وصفه بالخادم الأمين للعرش.
شارك في أول حكومة مغربية سنة 1955 كوزير مكلف بالتفاوض مع فرنسا، كما استوزر عدة مرات قبل أن يختفي فيما بين 1964 و1968. وقد أسر لنا أحد المقاومين بمدينة القنيطرة، أنه بمعية ثلة من رفاقه كانوا قد شرعوا في التخطيط لاغتياله عندما اعتزم زيارة المدينة لإعداد ميلاد الفديك"، إلا أن الظروف لم تساعفهم.
عيّنه الملك الراحل مستشارا له سنة 1977 ،ظل محمد رضا اكديرة يضطلع بهذه المهمة إلى أن أقعده المرض الذي توفى على إثره بباريس سنة 1995 عن سن تجاوز 73 عاما.
أحمد بن سودة
المستشار عاشق مهنة المتاعب
رغم أن مرور أحمد بن سودة - كان من أبرز وجوه حزب الشورى والاستقلال- من الوزارة لم يتعد منصب كاتب دولة في الشبيبة والرياضة في أول حكومة مغربية، فقد أصبح واحدا من كبار مستشاري الملك الراحل الحسن الثاني.
ظل يحتفظ ببطاقة الانتماء إلى عالم الصحافة. وحين زاره أحد عمداء الصحافة العربية يوما، بهدف البحث في إمكانية إجراء مقابلة مع الملك الراحل الحسن الثاني، رد عليه بلغة ديبلوماسية تفيد بأن بن سودة كصحفي كان يحلم بإجراء هذه المقابلة، وأن هذا الحلم أصبح مستحيلا، لأن دوره كمستشار لا يسمح له بالعودة إلى الكتابة الصحفية. لم يشأ أن يفارق قلمه، و بعد أن كتب طويلا ضمن زاويته في صحيفة "الرأي العام" بعنوان "حديث المفتي"، وجد نفسه مديرا عاما للإذاعة والتلفزيون في أوائل ستينيات القرن الماضي.
ظل يصارع في كل اتجاه، إذ تقلد مناصب في السلطة ولم تؤثر في مسار حياته، وجال بين العواصم مدافعا عن قضايا وطنية وعربية، فكان خير محاور مغربي لأهل القرار في العواصم العربية.
ومن أصعب مهمة كلفه بها الملك الحسن الثاني في سنة 1982 ، توجيه الدعوة إلى قادة عرب للمشاركة في الشطر الثاني من قمة فاس، التي علقت بعد الجلسة الافتتاحية لقمة فاس الأولى، وكان عليه إقناع كل من الرئيسين السوري حافظ الأسد والعراقي صدام حسين بالمشاركة في تلك القمة، التي التأمت على خلفية "لاءات" الخرطوم الثلاث. واستخدم من أجل ذلك ملكة الإقناع، حين اختار البقاء في قاعة الاستقبال وأقسم ألا يغادر قصر العلويين إلا إذا حمل معه موافقة رئيس علوي لملك علوي.
وكان أول مغربي يتسلم السلطة في العيون من الاحتلال الإسباني عشية رحيله، وقد تعززت صداقاته بالشيوخ وزعماء القبائل الصحراوية، وكان يصغي طويلا إلى الشيخ خطري ولد سعيد الجماني، خصوصا وأنه كان أول مسؤول مغربي يشهد تصويت الجماعة الصحراوية لفائدة اتفاقية مدريد.
أسس جمعية دكالة عندما انطلقت، ابتداء من سنة 1985 ، تجربة جمعوية جهوية جديدة، إذ في كل مدينة من المدن المغربية الكبرى، قام أحد المقربين للسلطة السياسية بتأسيس جمعية جهوية تقوم على أساس مزدوج: الارتباط بالبلدة من جهة، والوفاء اللامشروط للملكية من جهة أخرى.
عبد الهادي بوطالب
ظل مسلحا بالرزانة
كان أحد أبرز مستشاري الملك الحسن الثاني في فترتين : فيما بين 1976 و 1978 و فيما 1992 و 1996.
ولد في مدينة فاس وتوفي في مدينة الرباط في 1923 وتوفى في دجنبر 2009 . عمل أستاذا بالمدرسة المولوية كما اشتغل بمجلس الاستيناف الشرعي. وعمل أستاذا للقانون بجامعتي محمد الخامس (بالرباط) والحسن الثاني (بالدار البيضاء). كما كان أستاذا للملك الراحل الحسن الثاني وللملك محمد السادس بالمعهد الملكي بالرباط. وشارك في أول حكومة مغربية بعد الاستقلال كوزير للشغل والشؤون الاجتماعية. تقلد عدة مناصب وزارية: وزارة الإعلام والشباب والرياضة، وزارة العدل، التربية والتعليم، الخارجية. وعمل سفيرا للمغرب بكل من بيروت، دمشق، واشنطن والمكسيك. وترأس البرلمان المغربي سنة 1970 .
المستشارون المخضرمون
هناك مستشارون مخضرمون، ظلوا من الرجال المحيطين بالملك في عهد الملكين، الراحل الحسن الثاني ووارث عرشه.
زليخة نصري: المشورة بنون النسوة
لقبت الصحافة المستشارة زليخة نصري، المستشارة الوحيدة،بــ " الأم تيريزا"، عقب زلزال الحسيمة ، أو في تحركاتها في القضايا المرتبطة بالخيريات، كما في عين الشق التي تصدرت قضيتها وسائل الإعلام. كما أن مهامها في قيادة مؤسسة محمد الخامس للتضامن كرّس بروفيلها كامرأة مكلفة بالقضايا الاجتماعية .
هي من مواليد وجدة ، كانت تحلم أن تكون في قاضية ، لكن مسارها الدراسي قادها إلى الشؤون المالية ، ومنها وزارة المالية قبل أن تتولى ادارة التأمينات فيها في 1994 . وكانت تلك مقدمة لكي يتم اختيارها كاتبة الدولة في التعاون الوطني ، الذي فسح لها مجال الديوان الملكي، الممر الاجباري نحو وظيفة المستشار الملكي.
محمد معتصم: رجل التوافق
محمد معتصم من الرجال المحيطين بالملك المخضرمين الذين عينوا في الديوان الملكي ايام الملك الراحل الحسن الثاني ، واستمر في اداء مهمته في العهد الجديد . عُرف بأنه رجل التوافق بامتياز، ظل يبحث عن التوافق داخل التوازن. وهذا ما طبع أيضا مساره الأكاديمي الذي جلب اهتمام الملك الراحل. إذ يُعتبر محمد معتصم من القلائل الذين فكّروا في التجربة المغربية في الحكم وفي تفكير السلطات في داخل النظام.
أندري أزولاي: المستشار الرحالة
ظل أندريه أزولاي – مغربي يهودي الديانة من أصول أمازيغية - يتمتع بوضع خاص، عيّنه الملك الراحل الحسن الثاني مستشارا سنة َ1991 ، وقد كان يحظى بثقة الملك وولي عهده على حد السوا، قبل أن يتقلص دوره بشكل تدريجي في عهد محمد السادس. إلا أنه مازال سيد مهرجان "كناوة" بمدينة الصويرة، مسقط رأسه ويظل محتفظا بقدر لا بأس به من التأثير المستمر اعتبارا لشبكة علاقاته الدولية وصداقاته الأمريكية وعبر العالم. لذا بقي يُنظر إليه بمثابة سفير النظام المغربي , سيما وهو مسافر باستمرار. إنه أول يهودي مغربي – وربما عربي- يتبوء منصب بهذه الأهمية.
هو صاحب مشروع تطوير مدينة الصويرة ورئيس جمعية الصويرة- موغادور والربيع الموسيقي للنسمات. وهو عضو في لجنة الحكماء لتحالف الحضارات ورئيس المؤسسة الخيرية للثقافات الثلاث والديانات الثلاث، ومسير في كل من الحوار المتوسطي، ومركز شمعون بيرس للسلام. زار إسرائيل للحصول على شهادة الدكتوارة الفخرية من جامعة بن غوريون تقديراً له كيهودي جذوره مزروعة في المغرب، كرّس حياته من أجل تعزيز التعايش بين اليهود والعرب في شمال إفريقيا.
بدأ أزولاي عمله كمستشار للملك الراحل الحسن الثاني الراحل سنة 1990، وحافظ على منصبه في عهد الملك محمد السادس.
عبد العزيز مزيان بلفقيه: الأكثر حضورا إعلاميا
ظل الراحل عبد العزيز مزيان بلفقيه من أكثر المستشارين حظا في العهد الجديد، لأنه كان الأكثر حضورا ميدانيا وإعلاميا. تكلف بأكثر الملفات حساسية وحقق بخصوصها درجات متفاوتة من النجاح. وقد دأب على عدم إخفاء افتخاره الكبير كونه كان وراء انجاز مشروع ميناء طنجة المتوسطي، إلا أنه في ما يخص المسألة الأمازيغية واصلاح التعليم سجل تعثرات.
وقبل أن يتم تعيينه مستشارا للملك الحسن الثاني في أبريل 1998 شغل منصب وزارة الفلاحة والإصلاح الزراعي 1992 – 1993 ومنصب وزير الأشغال العمومية 1995. وفي ثالث مارس 1999 عينه الرحل الحسن الثاني رئيسا للجنة التي عهد إليها باقتراح مشروع لإصلاح نظام التربية والتكوين.
وهو القائل إن مستشار الملك يلعب دور الوسيط والمرسول، إنه لا يقوم بأي دور في التأثير او التوجيه ناهيك عن التقرير. ومهامهم تتحدد من طرفه لانهم يساعدونه في ممارسة اختصاصاته ويعملون على تنبيهه الى المشاكل في مختلف المجالات مما يؤدي بهم احيانا الى اخفاق سياسة الحكومة.
وصفه البعض برجل ثقة الملك الذي اسند اليه متابعة المشاريع الضخمة المعول عليها ونعته اخرون بــعراب تقنقراط العهد الجديد لكنه وصف نفسه برجل الاشتغال على المدى البعيد. عينه الملك الراحل مستشارا في نهاية التسعينات قبل وفاته ومع بداية العهد الجديد كلفه محمد السادس بالشؤون الاقتصادية بعد تقليص مهام اندري ازولاي في هذا المجال.
عباس الجيراري: المستشار المعصب للغة الضاد
ظل عباس الجراري قريبا من القصر الملكي منذ أن درّس بالمعهد المولوي عقدا من الزمان. اخذ عليه الامازغيون والفرانكوفونيون اعتقاده بضرورة الاحتفاظ باللغة العربية لغة وطنية ورسمية ذات سيادة تامة وكاملة وبعيدا عن هيمنة اية لغة اجنبية كيفما كانت هذه اللغة ، واعتقد اعتقادا راسخا أنه لا يمكن تحقيق تنمية بلغة اجنبية او بشتات لغوي.
وخفت نجم الجراري، مستشار الملك في الشؤون الدينية والثقافية، منذ تعيين محمد توفيق وزيرا للأوقاف والشؤون الاسلامية.
الديوان الملكي عبر الزمن
جاء في كتاب "جون واتربوري" "أمير المؤمنين، الملكية المغربية ونخبتها" : " لم يصبح الديوان الملكي فريق ظل يراقب عمل الحكومة الا في عهد الحسن الثاني، لكن في البداية، لم يكن له إلا دور هامشي وشكلي، كان ينحصر في النصائح والمعلومات التي تقدمها حفنة من المستشارين الكتومين إلى ملك مازال حديث العهد برئاسة الدولة (...) من الناحية التاريخية، أنشئ "ديوان الظل" سنة 1950، تحت اسم "الديوان الإمبراطوري". وفي 7 دجنبر، حدد ظهير ملكي تشكيلته بدقة، حيث نص على مدير عام، مدير رئيس الديوان، مستشار وثمانية ملحقين، أي 12 شخصا" . وهذا العدد بعيد عن عدد المستشارين الدائمين الحاليين. كما كان هرم المسؤوليات محددا بشكل عقلاني. هذا بالإضافة الى تقليد أساسي يتمثل في الوجود الدائم لمنشط رئيسي وقائد يتحكم في الديوان الملكي. وفي ستينات القرن الماضي جمع المستشار الملكي محمد رضا كديرة في شخصه كل أحقاد الطبقة السياسية، خصوصا وأنه كان حاضرا على الدوام على الساحتين السياسية والاعلامية.
في عهد الحسن الثاني لم يكن الديوان الملكي بالصورة التي هو عليها اليوم. كان يشكل محطة عبور بين وزارتين. لكن منذ التسعينات لم يعد الديوان مجرد محطة عبور، بل أصبح يشكل نهاية المسار الوزاري، وصار يعتمد على استقطاب النخب التقنوقراطية. فقد فتحت حكومتا عبد الكريم العمراني وعبد اللطيف الفيلالي المجال لوزراء تميزوا بأدائهم المهني في عيون الملك الراحل الحسن الثاني، لضم عدد منهم لاحقا للديوان الملكي مثل الراحل عبد العزيز مزيان بلفقيه أو عمر القباج. هذا المنحى نحو توظيف تقنوقراط داخل الديوان الملكي أثار رعب الطبقة السياسية، لأنه كان بمثابة إشارة قوية دالة على ضعف الأحزاب السياسية وعدم جاذبيتها . لكن رغم أن مجموعة من التقنوقراط أصبحوا مستشارين ملكيين، فإنهم مع ذلك لم يشكلوا المحيط الأول الأكثر قربا من الملك. فالملك محمد السادس له حلقة مصغرة من الأصدقاء لا تضم بالضرورة المستشارين، حيث نجد بينهم محمد ياسين المنصوري، رئيس المخابرات، وفؤاد عالي الهمة ومنير الماجيدي، كاتبه الخاص، ورشدي الشرايبي وآخرين.
في العهد الجديد عرف المغاربة الكثير عن الرجال المحيطين بالملك أكثر من أي وقت مضى، كما عرفوا أجر مستشاريه، والذي يناهز 55 ألف درهم شهريا، كما كشفت الصحافة الكثير من أسرارهم وتجاوزات بعضهم.
على سبيل الختم
ذهب الكثير من متتبعي الشأن العام إلى الاعتقاد أن المحيطين بالملك محمد السادس لا يتوفرون على قوة وكارزمية رجالات العهد السابق لذلك لم يتوفقوا في القيام بدورهم رغم مساهمتهم في حجب صورة الحكومة وتدخل الهيئات الموازية مثل صناديق الملوك مما جعل مجموعة من المؤسسات تعيش نوعا من التغييب والتهميش عن الملفات الكبرى والمشاريع الضخمة المعول عليها لإخراج البلاد من عنق الزجاجة لاسيما في عهد حكومة عباس الفاسي.
خلافا الرجال الذين أحاطوا بالملك الراحل الحسن الثاني، انكشفت صراعات المحيطين بالملك محمد السادس، والتي اعتمدت أحيانا أسلوب الضرب من تحت الحزام كما يقال.
التعليقات (0)