مجريات الساحة العربية تشير إلى أن المتغيرات التي بدأت تهز بلدان المنطقة تأتي ضمن حراك حقوقي عالمي يهدف إلى تعزيز وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان والعدالة والحرية، ولذلك فإن شعوب المنطقة وجدت من يدعمها دولياً، كما وجدت من يقاومها أيضاً دولياً، واقعاً تحت رحمة حسابات، ومصالح قوى دولية لا ترى في التغيير وحماية الحقوق مصلحة لها.
ولذا فإن موضوع انتهاكات حقوق الإنسان، وملاحقة النشطاء عبر الزج بهم في السجون أو محاكمتهم قضائياً بصورة صورية جميعها تدفع قوى الضغط في مختلف بلدان العالم التي تعي أهمية ملف حقوق الإنسان وتأثيره على سير العلاقات بين الدول الذي يسير تبعاً لمبادئ ومواد لا يمكن فصلها أو حتى تجزئتها من القانون الدولي.
وهو ما يعني أن جميع المحاولات التي تسعى إليها الدول، سواء القوية أو الضعيفة، لردع ما يمكن أن يهز كيانها أو يؤثر على مصالحها، يُصدم بواقع أن عصر حقوق الإنسان يختلف كثيراُ عما كان في الفترات والمراحل السابقة.
وفي تقرير عالمي عن المنطقة العربية أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش، ومقرها نيويورك، في مطلع العام 2012 كتبت تقول على لسان مديرها التنفيذي كينيث روث «تستحق الشعوب التي تحرك الربيع العربي دعماً دولياً قوياً حتى تنال حقوقها، ولكي تبني نظماً ديمقراطية حقيقية. يجب ألا يقف الولاء للأصدقاء المستبدين عقبة في طريق التحيز للمصلحين الديمقراطيين. كما أن الضغط الدولي مطلوب لضمان توفير الحكومات الجديدة لحقوق الإنسان وسيادة القانون للجميع، خاصة النساء والأقليات».
وأضافت المنظمة الحقوقية «إن العديد من النظم الديمقراطية سمحت لعلاقاتها بحلفاء مستبدين بعرقلة دعم هذه النظم لحقوق الإنسان في احتجاجات الربيع العربي. ومن واقع الالتزام بالمبادئ والمصالح طويلة الأجل، على الحكومات أن تساند بحزم شعوب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تطالب بحقوقها الأساسية، وأن تعمل على ضمان انتقالها إلى نظم ديمقراطية حقيقية»، موضحاً «أن الدعم الدولي القوي والمتسق للمظاهرات السلمية ومنتقدي الحكومات هو أفضل سبيل للضغط من أجل كف النظم المستبدة في المنطقة عن الانتهاكات، ومن أجل زيادة هامش الحريات الأساسية. وإن الإصرار من واقع الالتزام بالمبادئ على احترام حقوق الإنسان هو أيضاً أفضل سبيل لمساعدة الحركات الشعبية على تفادي التعصب وانعدام التسامح، وعدم احترام القانون والانتقام، وهي مشكلات من شأنها أن تهدد أية ثورة من الداخل».
وكانت السياسة الغربية منذ فترات طويلة تجاه الدول العربية هي سياسة احتواء، مع دعم الحكام العرب من أجل ضمان «الاستقرار» في المنطقة، حتى مع انتشار الديمقراطية في مناطق العالم الأخرى. قالت هيومن رايتس ووتش إن الكثير من الحكومات الديمقراطية التزمت فكرة: «الاستثناء العربي»؛ خوفاً من الإسلام السياسي والإرهاب، مع الحاجة لاستمرار تدفق النفط، وبناءً على سياسة قائمة منذ زمن طويل أساسها الاعتماد على الحُكام من أجل الحفاظ على السلام العربي - الإسرائيلي، ولمنع تدفق المهاجرين إلى أوروبا.
إن أحداث 2011 أظهرت أن الصمت حيال شعوب مازالت تعيش تحت وطأة نظم استبدادية يدعو إلى مراجعة أوراق العلاقات مع الحلفاء المنتهكين لأبسط مبادئ حقوق الإنسان. وما تقوم به بعض الدول الغربية هو أمر مخجل للغاية، عندما تتستر على أفعال حلفائها مع ملف الانتهاكات في المنطقة العربية. بل حتى تجاهل هذا الملف أو التلاعب في مصير الحركات الشعبية التواقة لبناء نظام ودولة مؤسسات ديمقراطية التي تواجه القمع بصورة يومية بأشكال وصور مختلفة، لن يولد إلا تطرفاً وتردي الأوضاع.
روث اقترح في ختام التقرير الذي أعد أكثر من 400 صفحة بالقول «إن بإمكان الولايات المتحدة والأوروبيين تقديم إسهام ضخم من أجل وقف التعذيب في العالم العربي، إذا أعلنت هذه الدول عن إحداث قطيعة مع تاريخها الخاص بالتواطؤ في التعذيب أثناء مكافحة الإرهاب، وعلى الحكومات الغربية أن تعاقب المسئولين عن الأمر بالتعذيب وتيسيره، وأن تضع حداً لاستخدام الضمانات الدبلوماسية، ولذا فإن الحكومات التي تحترم الحقوق عليها دعم العدالة الدولية، بغض النظر عن الاعتبارات السياسية».
مضيفاً «من المضلل الاعتقاد بأن السماح للدول بإخفاء انتهاكات الماضي، وعدم التحقيق فيها سيؤدي إلى تفادي ظهور نظم مستبدة جديدة». ولهذا فإن الانحياز في دعم حقوق الإنسان والحريات والعدالة هو ما تحتاج إليه شعوب المنطقة العربية، التي مازالت قابعة تحت سياسات القمع والاستعباد والتخبط.
التعليقات (0)