مواضيع اليوم

مسافر زاده الخيال..

جمال الهنداوي

2011-06-28 16:38:57

0

لا يمكن انكار الجهد الذي بذلته احدى القنوات الفضائية العربية المهيمنة في اعداد وعرض تقرير مهم عن الجولة الاقرب الى التحرك التي قام بها وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان لدول حوض نهر النيل قبيل البروتوكول التي وقعته تلك الدول والتي طالبت فيه بتعديل اتفاقية توزيع حصص مياه النهر بما يؤمن زيادة حصصها على حساب حصة دول المصب مصر والسودان..

كما ان المراقب يستطيع ان يتلمس بسهولة مقدار الحرص الذي بذله معد التقرير على تقديم الدلائل والمعطيات التي تساعد على اثبات التوقيت المريب للزيارة واهدافها في سياق الاستباق الاجهاضي المبيت لمفاوضات مصرية مقررة مع دول الحوض ومحاولة للنفخ في رماد الخلافات التي تحكم العلاقة ما بين المصب والمنبع..ولن يكون من الانصاف المرور دون تسجيل الاعجاب بالقدرة التحليلية الممتازة للحدث والتي طرحت العديد من علامات الاستفهام حول المستتر من النوايا الاسرائيلية خلف المساعدات الضخمة التي تقدمها لدول القارة السوداء في إقامة السدود والمشاريع المائية الضخمة على نهر النيل مما قد يؤثر على حصة مصر التاريخية في مياه النهر الذي يهب ارضها وشعبها الحياة..

ولكن مع كل ذلك الجهد والتحليل ..والذي نتفق مع السيد المعد في جله..لا انكر ان اكثر ما اثار انتباهي في هذا التقرير هو وجه تلك المرأة الكينية السعيدة الجذلة المفعمة بالامل وهي تحصد ما زرعته هي ورفيقاتها الآخريات في البيوت الزجاجية التي قدمتها لهن الحكومة الاسرائيلية مجانا لدعم اقتصاديات الاسرة الكينية الفقيرة..

فعلى الرغم من الامكانية الحقيقية لوجود أصابع خفية في دفع دول المنبع إلى توقيع اتفاقية منفردة لإعادة توزيع حصص مياه النهر..وامتلاك اسرائيل لمصالح حيوية واستراتيجية ومخططات قديمة في منطقة حوض النيل..ولكن تزامن زيارة الوزير الاسرائيلي مع الاعلان عن تدشين عدة مشاريع زراعية وصناعية وفي مجالات الطاقة والمياه والبنى التحتية والكيماويات والسفن والاتصالات وعقد عدة صفقات اقتصادية هامة مع الدول الافريقية الخمسة..قد يكون السبب الاكبر في خفة وزن الموقف العربي المسرف الاتكاء على ورقة قديمة وقعت من قبل دولة الاحتلال الانجليزي التي كانت تتولى ادارة الموارد في مصر والسودان والتي قد يكون التقادم والجهة التي تولت التوقيع هي ما يجعل دول المنبع تتحصل على اكثر من فرصة وسبب للتجرؤ على تجاوزها ..

وقد تكون اهم هذه الفرص والاسباب هي الانشغال التام للحكومات المصرية المتعاقبة في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك واستهلاك كل وقت وجهد الدبلوماسية المصرية بتدعيم علاقات البلد الأورو- متوسطية ومع امريكا واسرائيل -لاهمية هذه الدول في تمرير مشروع التوريث- مبتعدة تماما عن بناء علاقات شراكة وتعاون مع الدول الافريقية المتشاركة في حوض النيل رغم اهمية ومصيرية ومفصلية مثل هذه العلاقات..

فلا يمكن الاعتماد على مؤامرات اسرائيلية مفترضة وترك توجيه اصابع الاتهام الى الاندفاع غير المدروس تجاه الغرب مقابل الاهمال المؤسف لقضايا الجوار الافريقي والمخاطرة بتدمير الجهد السياسي المصري لعقود طويلة من البناء والترسيخ لعلاقات اقتصادية قوية مع هذه الدول وتجاهل الحرص على اقامة مشاريع شراكة وحوار دائم وفعال..

ولكون المياه عصب الحياة والمادة التي خلق منها كل شئ حي والتي تستحيل الحياة بدونها..ولليقين بان ندرتها وشحتها قد تكون سبب ومصدرا للنزاعات المستقبلية والحروب ..فان الامر يحتاج الى اكثر من توجيه الاتهامات والعمل على تأسيس جهد جاد ومسؤول لمقاربة هذه المشكلة والبحث عن آليات التوزيع بما يضمن مصلحة جميع الاطراف وتجسير الفجوة ما بين دول المنبع والمصب من خلال اقامة المشاريع الستراتيجية الكبرى والاستثمار الزراعي في دول حوض النيل وتجنيب المنطقة صراعات يكون فيها نهر النيل الخالد اداة لتوسيع النفوذ واملاء الارادات..

وهذا الحراك يجب ان يشارك فيه جميع العرب لتقوية موقف الديمقراطية المصرية الناشئة من جهة ولوجود مصلحة فعلية ومباشرة للدول العربية التي تعاني من فجوة غذائية عالية تقدر بنسبة 58% وتبلغ فاتورة العجز الغذائي فيها ما يقارب ال30 مليار دولار حسب بعض الاحصائيات .. فيمكن لدول مثل العراق تعاني من شحة المياه القيام بانشاء المشاريع التي تستهدف الزراعة المستنزفة للمياه مثل الرز مثلا في تلك الدول بما يمكنه من توفير المياه لزراعات اخرى اقل استهلاكا مثل القمح والحبوب.. كما يمكن لدول الخليج او ليبيا الاستفادة من مشاريع الاستثمار الزراعي في دول الحوض لسد النقص الكبير في مساحة الاراضي الزراعية ولتقليل فاتورة استيراد الغذاء من الخارج..وطبعا هذا الكلام يفترض ان لا يكون تطويق واعطاش مصر ضمن التقنيات الداخلة في الثورة المضادة لسعي المصريين الى الحرية والتعددية والتداول السلمي للسلطة ..وان لا تمارس نفس الاساليب التي وصلت حد قيام بعض دول الخليج بتمويل مشاريع السدود على نهر دجلة لقطع المياه عن العراق..فهذا مما نعتقد ان الجميع في غنى عنه وانه لن يكون مستساغا عرضه في اي تقرير مهما بلغت مهارة معده اللغوية وكفائته التحليلية..




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !