حين نفترض أنَّ بعض الآباء متهمين بأنهم قد تخلّوا تماماً عن دورهم، أو تنازلوا عن بعض مهامهم وأدوارهم مختارين أو مرغمين في قيادة الأسرة كجناح مفصلي لايمكن التحليق من دونه، ومن دونه ستقلّ الحماية وينخفضُ معدل الأمان والدفء.
لايمكن بالمقابل إغماض العين والضمير عن معاناة الرجل كزوج، وأب وراعٍ وممول رئيسي في إعمار البيت والعائلة، والظروف الصعبة الضاغطة عليه، والتي تجعله تحت رحى المطالب والفواتير، ووحده غالباً يتحمّل تسديدها كاملة، وأستثني دور المرأة الموظفة، وأفترض أنه الممول الوحيد!
إذاً.. إلى أي حد أبعدت الضغوط الاقتصادية الأب عن عرينه، وإلى من ترك الابن اليافع، المدلل؟! هل تقدر الأم وحدها على ضبط وفهم هذا الشاب الصغير الذي بدأت تظهر عليه أعراض حمّى متواصلة، وجنون العقل الذي ظهرت دلالاته بأشكاله المختلفة.. وهذا ما تصف به مرحلة ما قبل البلوغ، والبلوغ، والمراهقة. الحقيقة أنَّ تواجد الأب في مرحلة فورة النمو يعتبر صمّام أمان، ومهمته الأولى، تهدئة هذه الفوضى قبل انفجارها، وخطّته في ذلك الحوار، ومنهاجه الحب والتفهّم، وتبرير الأخطاء على خلفية التخبّط النفسي والفيزيولوجي.. بعيداً عن حسن النية والحذر المفرط!!. مقنعاً، وأعني الأب، بأنَّ يضيّع تلك الأيام التي لايقترب فيها منه، أو منهم، وأقصد أبناءه، بالتحديد، ويكون حاضراً حتى بالتفاصيل عن قرب أو بعد معتمداً على الانتباه والحذر، لأن إهمالاً بسيطاً يولّد أذىً كبيراً، على قاعدة الرحمة التي تتجاوز العدالة لإقامة الحد على هذا الصبي الشاب الطائش؟!!
وحين يتكرّر الخطأ.. خطأ الولد، وقبل أن يقترب من الخطر يصير الحزم الذي هو ممارسة شجاعة العقل لدى الأب العاقل، طبيعة الحزم التربوية التي اعتمدها آباؤنا وأجدادنا غالباً، ونجحوا كثيراً، وغالباً بانتهاجها. اعتقد أنَّ المركب الذي يقوده الأب والابن لا يُصاب بأذى، وكما قال سوفوكليس يوماً: "ليس ثمّة فرحة أكبر من فرحة الابن بمجد أبيه"، وكذلك فرحة الأب ببطولات ابنه. من هنا حاولت فقط تذكير أب نسي أو تناسى، انشغل أو تشاغل، اتكل على الأم ـ الأصدقاء ـ الكومبيوترـ في بناء وتربية وصقل هذا الشاب. الجهد يضيع حين نبدأ عملاً ولاننجزه.
نحن بدأنا ــ أتينا بهم إلى الدنيا فلنكمل خيراً ... ألم نتعلّم دائماً أنَّ النبتة الصالحة تحتاج ماءً وهواءً ورعاية، ولم ندر قط أنَّ زهرة مفتحة لن تعبق طيباً بعد أن أشبعناها ضرباً، ورفساً، ونكشاً، وإهمالاً، وتطنيشاً!! بالتأكيد، إنَّ هذه النظرة اليوم يراد لها إجابة حاسمة يمكن من خلالها أن توضّح بعض النقاط التي يجب أن يتعاطى معها الأب، بصورةٍ خاصة داخل الأسرة، وهذا ما شكّل حافزاً كبيراً لدى الأبناء، سواء الذكور أو الإناث منهم، بأن يكونوا أكثر حذراً وتفهماً لمعنى الحياة التي ليس بالضرورة أن يكون التهميش هو محورها. والضرورة تقتضي إفشاء أسرار الفتاة لوالدتها قبل إقدامها على عمل قد ينشئ عنه فعل طائش تكون الخاسر فيه هي وحدها، وبعد ذلك لا ينفع الندم، والعودة عنه، بعد أن يكون "فات الفأس بالرأس"، أمراً يسيراً، ما يعني يفترض أن يكون هناك تقارب أكثر لجهة الأم في حال غياب الزوج، أو ممن اضطرتهم ظروفهم إلى الهجرة خارج أسوار المكان الذي يعيشون فيه، ما يفرض على الأم مسؤوليات جسام، وتجاوزها يتطلب التعاون والمشورة بين الأم وابنتها، أو بين الشاب ووالدته حتى لا يسلك الطريق الخطر، ما يجعل العودة عنه فيه الكثير من الصعوبة. ويبقى السؤال: على من تقع مسؤولية إعادة الاعتبار للأب داخل الأسرة؟!
هذا السؤال الكبير ما نطمح أن نجد له الحل المناسب من خلال مشاركة الأصدقاء، وأصدقاء الأصدقاء عسى أن نصل إلى إجابة تشفي رغبة الكثير ممن يقفون اليوم في متاهة الحل، وان كان واضحاً، ولكن يتطلب مشاركاتكم، ونحن بانتظار أبداء وجهات نظركم التي نحترم.
التعليقات (0)