مواضيع اليوم

مزوارية الجمال

رَوان إرشيد

2012-03-09 10:36:07

0




مزوارية الجمال


الجمال هو مجموعة تعيينات مشكلة بنسق معيـن، تبعث للناظر لها بإشارات براقة، تساعده على الارتياح بقدر ما، و تفجر صمام أنابيب المشاعر على نحو ايجابي في ذهن المتأمل.
ولذا فإن الجمال يختلف باختلاف المكان، و الزمان، و نوعية المتذوق له، و الاستعدادات الاستقبالية للمحيط الموجود فيه. فالشيء قد لا يبدوا جميلا لدى الفرد، بينما يبدوا لا حصر لجماله لدى فرد آخر، في نفس المقام المعتمد للتقييم. و عليه يمكننا الوصول إلى أن الجمال يختلف باختلاف درجة تذوقه، فمتى نقول عن الشيء أو الفرد أنه جميل؟
لو بدأنا بالشيء أو الجماد، فصعب تحديد جماله على أسس قاعدة واحدة ثابتة لدى الجميع، فجماله يتوزع على عدة جوانب، و زوايا، قد تجتمع، و قد تتفرق، عند إصدار الحكم عليه. و هذا ما يثير الخلاف حوله، و الذي ينتهي بنقاش حاد، أو أكثر من ذلك.
فالجمادات أوجدها الله، و بعضها أوجدها الإنسان، لغايات تعددت، و تنوعت، بتعدد العقليات، و المرجعيات، و الإيديولوجيات، و المجتمعات...... و غيرها من العوامل. قد لا تتحدد بتحدد الأفق العلمي، أو العامي. و عليه فإن الجميل من الأشياء، يبقى محل صراع، قد يقود إلى شتى النزاعات الفكـرية، و العصبية. و حتى العنيفة منها، فمطلق الأفكار حول جمال الجميل، قد تتصادم، إما بطريقة يقال عنها أنها حضارية، أو بطريقة بربرية، وندالية، متوحشة.
و قد يسير بنا نهر الجمال ألجمادي، إلى حقيقة ثابتة. و هي القبول بالاختلاف، في التصنيفات، حول هذا الموضوع. خصوصا أننا نعيش عصرا تختلف فيه أوجه العُمُلات، و العَمالات، و التعامُلات. وفق اختلاف الأنظمة، و الأهداف. و هذا ما ينقص المجتمعات العربية، و يجب إدراكه ذهنيا، بإسقاطه على مسرح الواقع المعاش.
فهذه المجتمعات أقصت الجميل من جوانبها تبدوا لها قبيحة وجب محاربتها، و لو على حساب التنوع القائم على الاختلاف أصلا. فالجمال الجامد الساكن منه و المتحرك، وفق إرادة تختلف من شخص لآخر، هو أصل الاختلاف المختلف عليه.
و هذا يقودنـا إلى النوع الثاني من الجمال، ألا و هو جمال الأفـراد. و قد نجهد أنفسنا في تلخيص هذه النقطة، في قالب يبدوا جميلا، لكننا في جوهر الأمر، و بطبيعتنا البشرية، التي تسير وفق عتبات. لا يمكننا ذلك، لكـن تبقى المحاولة قائمة، بالاعتماد على نفس الطبيعة العتبية البشرية، و المصطدمة بلغة الأضداد المعروفة.
فالفرد كما هو معروف، يتكون من جسد و روح. يتفرع كلا منهما إلى عدة أشكال، و أوجه. و على هذا الأساس فإن الجمال الكامل للفرد، يبنى على جمال الجسد و الروح معا. و هنا وانطلاقا من أن إرضاء الناس غاية لا تدرك، فإن الاتفاق على كمال جسد بعينه غاية لا تبلغ، و لو باستعمال القهر أو السياسة. و عليه فالجسد الجميل عند كثيرين هو القوام الخالي من العيوب الفيزيائية، و البيولوجية، و المتراص على منهج التـفـرد و التـمـيز.
فأحيانا يبدوا المختلف، و النادر جميلا لتشويقه للمتلقي، و لانبعاث الراحة الممزوجة بالعجز، في محيط هذا الجسد مصدر الحكـم. و مثال هذا أن الفتاة الألمانية الآرية، المشهورة بزرقة عيناها، و اصفرار شعرها على نحو ذهبـي، تبدوا جميلة بالنسبة للمجتمعات العربية، أو الإفريقية مثلا، لندرتها في محيطهم.
و قد نلمس عكـس صحة هذه النظرة الجمالية أيضا، و منه فإن الندرة قد تجعل من خداع البصر، و البصيرة، و الفكـر أمرا سهلا. و تحول القبيح إلى جميل.
بالإضافة إلى هذا نجد الاعتياد و الوراثة، فالجسد الجميل قد يحكم عليه من قبيل استعدادات البشر النفسية، فمذيعة الأخبار جميلة لأن الجماعة تعودت أن تراها جميلة. و لا مجال لأحد أفرادها أن يعتبرها ٌقبيحة، و إلا أعتبر شاذا وجب إقصاؤه، إما معنويا بحسب الحضارة، أو قتاليا وفق التوحش.
فإلصاق الفكرة بأذهان الجماهير، على أن أحد الأجساد جميل ممكن، إذا تطابقت الروايات، و صبت في نفس المنوال الملخص لجماله، و رونقه، المركز في عقـليات الجماعات و الأمم.
و الوراثة تجد هي أيضا منصبها في هذه العملية القهرية اللطيفة، فقد نلاحظ أن المسلمين القارئين منهم أو السامعين للقرآن الكريم، يعرفون أن يوسف عليه السلام كان جميل المظهر. حتى أنه أذهل نساء زمانه، و من هنا يمكننا الاستنتاج، أننا كمسلمين لم نرى سيدنا يوسف جهرة، و مع ذلك فإننا نؤمن بجماله الأخاذ اعتـقاديا، و هذا بأن القرآن منزه عن التحريف، و التبديل، و الكذب.
فسيدنا يوسف جميل في نظرنا، لأننا مسلمون. اعتمادا على بذور غرست فينا، في صبانا من قبل مجتمعاتنا، و قبله آباؤنا و أمهاتنا. وهذه الأحكام الجمالية على أجساد أشخاص بعينها، قد تفرض علينا. دون أن نحس أننا جبلنا عليها، أو دخلت أوجه نظرنا عنوة، بمرجعية معينة، أو صبغة حددها لنا أناس هم في الأصل أحباؤنا، مع كثير من الحب.
هذا من جهة الجسد، لكـن من جهة الروح يظهر الاختلاف جليا، و قد يتطور إلى شرخ واضح. فالروح جميلة إذا تطابقت مع اعتـقاد المستقبل لتصرفاتها، على نمط معين. تتحكم فيه البيئة، و العادة، و التقليد. بالإضافة إلى الدين، و العصبية، و الثقافة بشكل حاسم. و تنتج عواقب جد عنيفة عبر ظروف معينة.
فالمؤمن الزاهد تحت قبب أماكن العبادة، جميل الروح لدى نفس التيار، و المعتقد باعتقاده. بينما هو قبيح كل القبح لدى التيار المعادي، الداعي إلى جعل روح العبادة، بين يدي العمل المنجز. و مثال هذا تلك الحروب التي أتت على الأخضر، و اليابس، عند المجتمعات الكاثوليكية، و البروتستانتية. لا لشيء إلا لأن الكاثـوليك زاهدون، جميلو الأرواح، في نظر الفاتكان. بينما البروتستانت قبيحو الأرواح، لأنهم جعلوا من العمل عبادة، و ابتعدوا عن الكنائس، و دور الصلوات. و هنا يمكن لكثيرين أن يستنتجوا أن جمال الروح، هي من أمر ربي، و ما أتي للبشر إلا قليلا، في اعتقاد المؤمنين من المسلمين. و الروح هي شيء مقدس لدى المسيحيين، بالإضافة إلى خلودها.
و انطلاقا من هذه النقطة المحورية، يمكننا أن نتفهم القائلين أن جمال الروح موجود في كل الأرواح البشرية على وجه العموم.
فـي الأخير، لا لحصر الكثير، و لا لحبس الزفير. و إنما بتواضع الخبير، يمكنني القول أن الجمال ينبع من الجميل، كما قال الشاعر: كن جميلا ترى الوجود جميلا

السيّد: مـــزوار محمد سعيد.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات